آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » للمرة الأولى منذ 1996: الذهب يتفوّق على سندات الخزانة في احتياطيات البنوك المركزية العالمية

للمرة الأولى منذ 1996: الذهب يتفوّق على سندات الخزانة في احتياطيات البنوك المركزية العالمية

 

ميشال صليبي

 

منذ بداية عام 2025، سجّل الذهب أداءً استثنائياً متفوقاً على معظم فئات الأصول الأخرى. فقد ارتفع سعر المعدن النفيس بأكثر من 28% منذ بداية العام، مدعوماً بتوقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة الأميركية، وتراجع العوائد الحقيقية على السندات، إلى جانب تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية العالمية. كما ساهمت موجة الطلب القوي من البنوك المركزية، خصوصاً في الاقتصادات الناشئة، في دفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة قرب الـ 3,500 دولار للأونصة، مقترباً من أعلى مستوى تاريخي له.

 

 

 

هذا الأداء يعكس تحول الذهب من مجرد أصل دفاعي إلى أداة استراتيجية أساسية في إدارة الأخطار وحماية الثروة في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالغموض والاضطراب.

 

 

 

وللمرة الأولى منذ عام 1996، تجاوزت حصة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية العالمية نسبة حيازتها من سندات الخزانة الأميركية، إذ يشكّل المعدن النفيس اليوم ما بين 25% و27% من إجمالي الاحتياطيات، مقابل نحو 23% أو أقل فقط للسندات الأميركية، وفق أحدث التقديرات. هذا التحوّل يعكس اتجاهاً عالمياً متصاعداً نحو تنويع الأصول وتقليص الاعتماد على الدولار كعملة احتياط مهيمنة، في ظل الضغوط المالية الناجمة عن ارتفاع الدين العام الأميركي وتزايد العجز في الموازنة. من الناحية الاستراتيجية، لا يمثل هذا التغير مجرد تبديل في مكونات الاحتياطيات، بل يعكس اتجاهاً أعمق نحو إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، حيث يستعيد الذهب مكانته كأصل محوري في سياسات البنوك المركزية.

 

 

 

للمقارنة، بين عامي 2008 و2015 كان هذا المعدل يتراوح ما بين 10% للذهب و30% لسندات الخزانة الأميركية على التوالي، قبل أن يتبدّل المشهد جذريًا لمصلحة المعدن الأصفر في السنوات الأخيرة.

 

 

 

 

كما أن التحركات السياسية والاقتصادية الأخيرة زادت من وتيرة هذا التحوّل. فالرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن بنسبة 50% على الهند مثّلت إشارة جديدة إلى تعمّق الانقسام بين الشرق والغرب، مما يعزز من اندفاع الاقتصادات الناشئة نحو بناء احتياطيات قائمة على الذهب والمعادن الثمينة كجزء من عملية “التخلّي عن الدولار” أو على الأقل تقليص هيمنته المطلقة على النظام المالي العالمي.

 

 

 

وزادت بيانات سوق العمل الأميركية الأخيرة من تعقيد المشهد. فعلى رغم استمرار خلق وظائف جديدة، أضاف الاقتصاد نحو 73,000 وظيفة فقط في تموز/يوليو، مع ارتفاع معدل البطالة من 4.1% إلى 4.2%، في حين استمر نمو الأجور عند 3.9% سنوياً. هذا المزيج بين تباطؤ التوظيف وضغوط الأجور يعزز المخاوف من بيئة ركود تضخمي، ويدفع المستثمرين والبنوك المركزية إلى زيادة الاعتماد على الذهب كخيار استراتيجي يعوض تراجع الثقة في الدولار وأدوات الدين الأميركية.

 

 

 

التوقعات المتزايدة بأن يقوم الاحتياطي الفيديرالي بخفض أسعار الفائدة في أيلول/سبتمبر أضافت زخماً إضافياً إلى تحركات الذهب. فأسواق العقود الآجلة تُسعّر حالياً احتمالاً يتجاوز الـ 80% لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع أيلول، مع بقاء احتمالات خفض أكبر مطروحة ولكن بنسبة أقل. ويأتي ذلك في وقت يتعرض فيه الفيديرالي لضغوط سياسية غير مسبوقة من البيت الأبيض، بالتزامن مع إشارات جيروم باول الأخيرة التي فتحت الباب أمام تيسير السياسة النقدية. هذا المشهد انعكس على منحنى العائد الأميركي، حيث تراجعت عوائد السندات لأجل عامين و10 أعوام، في إشارة إلى تزايد الرهانات على تباطؤ النمو الاقتصادي. وفي مثل هذه البيئة، التي تتسم بانخفاض العوائد الحقيقية وتراجع جاذبية الدولار، يظل الذهب أبرز المستفيدين باعتباره أصلاً استراتيجياً للتحوّط وحفظ القيمة.

 

 

 

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى الأنظار هذا الشهر شاخصة نحو تقرير الوظائف الأميركية يوم الجمعة 5 أيلول 2025، الذي سيمنح إشارات أوضح حول متانة سوق العمل، وإلى أي مدى تتعزز مخاوف الركود التضخمي. لكن الحدث الأبرز سيظل اجتماع الاحتياطي الفيديرالي يومي 16 و17 أيلول، إذ يترقب المستثمرون قراراً محتملاً بخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من عامين. وبين ضغوط التضخم، وتباطؤ النمو، والانقسامات الجيوسياسية، سيحدّد هذان الحدثان المسار القصير المدى لأسواق المال، فيما يبقى الذهب هو المرشح الأبرز ليكون البوصلة الاستثمارية في مواجهة كل هذا الغموض.

 

 

 

(*) كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تشكيل لجنة وطنية لمعالجة القروض المتعثرة واسترداد المال العام ضمن خطة إصلاح مالي شاملة

أعلن وزير المالية محمد يسر برنية تشكيل لجنة استشارية متخصصة لدراسة واقع القروض المتعثرة لدى البنوك الحكومية، بهدف اقتراح حلول قانونية وعملية تضمن استرداد المال ...