*غسان رمضان يوسف
يبدو أن اتصال وزير الشؤون الخارجية الجزائرية رمطان العمامرة مع نظيره السوري فيصل المقداد يوم الأحد الرابع من سبتمر/ أيلول حسم مسألة حضور سورية للقمة العربية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية فإن المقداد أكد أن بلاده تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال القمة العربية التي تحتضنها الجزائر مطلع نوفمبر المقبل . كلام المقداد يؤكد أن سورية فضلت هذا الحل الاستباقي لأمور ثلاثة .. الأول: أنها لا تريد إحراج الجزائر وأن تكون سبباً في انقسام الدول العربية، أما الثاني: فهو حرصها على المساهمة في توحيد كلمة الصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الاقليمي والدولي . اما الثالث، فهو حرص الطرفين السوري والجزائري على أن تكلل القمة بمخرجات بناءة من شأنها أن تسهم في تنقية الأجواء وتعزيز العلاقات العربية – العربية للدفع قدماً بالعمل العربي المشترك. لكن إذا توقفنا قليلاً يمكن القول إن كلاً من الجزائر وسورية لم تكونا يوماً ضد وحدة الصف العربي، وهذا ما أرادتا تأكيده الآن هذا من جهة، من جهة أخرى نعرف أن الدول العربية منقسمة في هذا الموضوع، فبعضها أعلن موقفه الواضح بممانعة حضور سورية كقطر، والبعض الآخر متردد كالسعودية والمغرب ومصر والكويت، وهذا يدل على وجود انقسامات عمودية وأفقية في الساحة العربية بشأن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، بعد أن تم تعليق عضويتها في الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وأعلن في حينها أمن عام الجامعة العربية نبيل العربي أن القرار أتخذ بموافقة 18 دولة في حين اعترضت ثلاث دول هي سورية ولبنان واليمن وامتنع العراق عن التصويت، أي أن القرار لم يحظَ بالاجماع، وأعلن حينها السفير السوري لدى جامعة الدول العربية يوسف أحمد أن قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية “غير قانوني ومخالف لميثاقها ونظامها الداخلي”. واكد أحمد أن قرار الجامعة “ينعى العمل العربي المشترك وإعلان فاضح بأن إدارة الجامعة تخضع لأجندات أميركية غربية”. ولكن للحقيقة يجب أن نذكر أمرين .. الأول: أن دمشق تعتبر نفسها مرتاحة لعدم مشاركتها في صياغة القرارات الهزيلة التي تصدر عن القمم العربية ، وهي تقول في سرها إن أي قرار يصدر وبدون أن يحظى بإجماع لن يكون له أي وزن خصوصاً إذا كان الغائب دولة بحجم ومكانة سورية في العالم العربي. الثاني: يجب ان نذكر أن الإمارات هي أول دولة عربية طالبت بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، وأن أبو ظبي كانت أول عاصمة عربية تعيد علاقاتها مع دمشق، وأن الرئيس السوري بشار الأسد استقبل سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في دمشق في نوفمبر عام 2021، وفي التاسع عشر من مارس/آذار اختار الأسد دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون أول دولة عربية يقوم بزيارة رسمية لها ما يعكس الدور الاقليمي الرائد والراسخ لدولة الامارات العربية، إضافة إلى أن الإمارات كانت أول دولة عربية تطالب برفع قانون قيصر عن سورية. في السابع والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 2018 أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في العاصمة دمشق، في حين أعلنت سلطنة عُمان (5-10-2020) عن إرسال سفيرها إلى سورية، وعُمان هي واحدة من الدول العربية القليلة، التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع الدولة السورية بعد أزمة عام 2011. لتليها مملكة البحرين وتعلن يوم ( 30 كانون الأول/ديسمبر 2021) تعيين أول سفير لها في سوريا منذ نحو عقد. إعادة العلاقات السورية مع بعض الدول العربية، يؤكد أن دمشق بدأت تتعامل مع الدول العربية بشكل إفرادي، دون المرور بجامعة الدول العربية ، وأنها لن تحتاج لإذن منها، وهنا لا بد أن نتذكر أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد كشف في التاسع عشر من مايو/أيار العام الحالي في مقابلة مع “قناة السورية” أن لدى دمشق تواصلاً مع كل الدول العربية باستثناء قطر، وأن الولايات المتحدة تضغط على الدول العربية التي تتواصل مع سورية، عبر التهديد بسحب التمويل وفرض العقوبات. أيضاً يمكن التوقف عند علاقة سورية بدول الجوار العربي والكل يتذكر أنه في يوليو/ تموز 2021 وخلال زيارته الأولى لجو بايدن في واشنطن طالب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بعدم تطبيق العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر الذي أقره الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2019 ودخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020 تحت رئاسة دونالد ترامب والذي ينص على تطبيق عقوبات ضد الأفراد أو الكيانات أو الشركات التي لها علاقات اقتصادية مع دمشق، ما يؤثر سلباً على الأردن باعتبارها الدولة العربية المجاورة لسورية. وكان الأردن أعاد فتح معبر “نصيب-جابر” الحدودي بين البلدين في الرابع عشر من تشرين أول/أوكتوبر 2018 الذي يعد شرياناً حيوياً لحركة التجارة بين عمان ودمشق وعبرهما إلى بلدان المنطقة والخليج. وكانت الحكومة الأردنية أعلنت في كانون الثاني/يناير 2019 عن تعيين دبلوماسي أردني برتبة مستشار كقائم بالأعمال في السفارة الأردنية بدمشق، وقال سفيان القضاة – المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية – إن هذا القرار يأتي “منسجما مع الموقف الأردني منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 بالإبقاء على السفارة الأردنية في دمشق مفتوحة”. أما لبنان فأطلق في العام 2012 مقولة النأي بالنفس بضغط من قوى دولية وإقليمية، لكن هذه السياسة لاقت رفضاً من فرقاء كثر في لبنان كحزب الله وحركة أمل والقومي السوري .. الخ في حين لاقت دعماً من أطراف أخرى، لكن ما ثبت مؤخراً أنه لايمكن للبنان إلا وأن يتأثر بما يجري في سورية على الأقل اقتصادياً، خصوصاً مع تزايد أعداد اللاجئين السوريين وتنقل الارهاب ما بين سورية ولبنان. أما العراق فعلى الرغم من وجود الاحتلال الأمريكي فقد حافظ على علاقات جيدة مع سورية، ووجد البلدان نفسيهما في مواجهة عدو مشترك هو “داعش”. ومن هنا يمكن القول إن سورية قد لاتهتم كثيراً بعودتها إلى جامعة الدول العربية وحضور قممها باعتبار أنها وجدت أن الحل الأمثل يكمن في العلاقات الثنائية، والحفاظ على علاقات جيدة مع دول الجوار العربي. *كاتب سوري
(سيرياهوم نيوز6-الشرق الاوسط9-9-2022)