آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » لماذا أغفلت السينما الروائية الطويلة في سوريا حرب تشرين؟

لماذا أغفلت السينما الروائية الطويلة في سوريا حرب تشرين؟

عديدة هي الأفلام السورية التي تناولت حرب تشرين أو حرب أكتوبر، لكن البارز كان غياب الأفلام الروائية الطويلة. ما السبب؟

 

 

بديع صنيج

 

عند الحديث عن حرب تشرين التحريرية (حرب أكتوبر)، تخطر في البال مباشرةً العديد من السهرات التلفزيونية والأفلام القصيرة التي كنا نتابعها صغاراً على شاشة التلفزيون السوري، التي وثّقت لبطولات عناصر الجيش السوري في ميدان المعركة، وكيف استطاعوا أن يجسّدوا قيم التضحية والفداء أمام غطرسة آلة القتل الصهيونية.

 

ولا تزال ماثلة في الذاكرة عشرات اللقطات الدرامية والوثائقية، من مثل تلك التي تُصوِّر مشاهد حقيقية من مواقع الاشتباك المباشر مع العدو، أو جملة صلاح قصاص ضمن فيلم “عواء الذئب” (إخراج شكيب غنام وتأليف خالد حمدي الأيوبي) “ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة”، أو كيف يحمل رشيد عساف، رفيق السلاح المصاب، معيداً إياه إلى أهله بعد أن تعرّضت كتيبة الدبابات التي يخدمون فيها لقصف إسرائيلي، وذلك ضمن تمثيلية “الولادة الجديدة” التي أخرجها غسان باخوس.

 

 

 

مشاهد أخرى لا تبرح الذاكرة في استعادتها من السهرة التلفزيونية التي حملت عنوان “العريس” لشكيب غنام أيضاً، وصوَّرت تماسك المجتمع السوري في وجه العدو، كما عزّزت قيمة الشهادة كعرس وطني وطريق أوحد لاسترداد الحقوق المغتصبة.

 

وبالدمج بين الوثائقي والدرامي نستذكر أيضاً “حكاية من تشرين” للمخرج هاني الروماني التي كانت بمثابة استطلاعات حقيقية من أرض الميدان تحاكي أيام الحرب، وتسعى لنقل حقائق المواجهات الدائرة وانتصارات الجندي العربي على الجبهتين السورية والمصرية، مع توثيق تكاتف الجنود العرب على الجبهة أمام العدو، وتكشف جبن هذا العدو وتقهقره أمام شجاعة الجيوش العربية.

 

ومن الأفلام الأخّاذة التي حجزت مكانها في ذاكرة السوريين ما حقّقه هيثم حقي من مشهدية أخاذة في فيلم من كتابته وإخراجه بعنوان “مهمة خاصة”، ويحكي عن تضحيات الجنود السوريين في عملية تحرير مرصد جبل الشيخ، واستطاع هذا الفيلم أن ينتزع شهادة تقدير لجنة التحكيم في “مهرجان لايبزغ للأفلام الوثائقية”، ليكون بمثابة توثيق فني لأبطال تشرين وتضحياتهم على خطوط النار.

 

لكن مع الدور الذي قامت به دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون السوري، درامياً وتسجيلياً، في مواكبة حرب تشرين أو حرب أكتوبر والتوثيق لها وصناعة دراما عن انعكاساتها على حياة السوريين، نلحظ أنه لم يتم إنتاج أي شريط روائي طويل مهم، لا في “المؤسسة العامة للسينما” ولا في القطاع الخاص.

 

عن هذا الموضوع وعن قيمة ما قُدِّم والظروف التي ساعدت في الإنتاج وجودته، كان لـــ “الميادين الثقافية” الحوار التالي مع الناقد السينمائي السوري فاضل الكواكبي، الذي أوضح أنه كان لحرب تشرين حضور كبير في السينما السورية، وتحديداً في السينما التسجيلية، أما في السينما الروائية الطويلة فكان ضعفياً جداً.

 

ويقول: “حضرت السينما التسجيلية منذ نشوب الحرب عبر مصوّري الإدارة السياسية في الجيش السوري، وبعض المصوّرين الذين انتدبوا وصوّروا موادّ نادرة وقوية ومؤثرة، على عكس المصريين الذين لم يصوّروا كثيراً موادّ وثائقية عن حرب أكتوبر، ومن حظ السينما السورية وجود مخرج كبير كان يخدم العلم في الإدارة السياسية وهو المخرج سمير ذكرى، الذي أشرف على تصوير ومونتاج مجموعة كبيرة من تلك الأفلام وقُدِّمت كأفلام مستقلة، لكن المشكلة أن هذه الأفلام طُبعت وحُمِّضت بطريقة ليست جيدة، ونوعيتها ضعيفة. ومن الذين صوّروا الكثير من اللقطات المهمة في هذه الحرب الدكتور سمير جبر الذي كان مفرزاً للتصوير”.

 

ويضيف الكواكبي أنه “بعد انتهاء الحرب كانت هناك دائرة إنتاج سينمائي مهمة في التلفزيون، قدَّمت الكثير بذكاء بعض المسؤولين فيها، واستغلالهم لوجود مخرجين موهوبين لم يكونوا بأسوأ أحوالهم سيقدّمون أفلاماً تقريرية، وإنما مالوا لتقديم أفلام فنية لها أبعاد جديدة للمادة المرئية، حتى أنهم وصلوا بها إلى مستوى الشاعرية، وعلى رأسهم الأستاذ محمد ملص الذي قدّم فيلمين مهمين ليس عن الحرب بحد ذاتها، وإنما عن نتائجها، وتحديداً عن مدينة القنيطرة بعد تحريرها، وبعد أن كانت مدمّرة بشكل كامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي. قدّم فيلماً روائياً قصيراً هو “القنيطرة 74″، وأيضاً وثائقياً قصيراً هو “الذاكرة” وهما شديدا القوة والتأثير والتعبير”.

 

ويذكر الناقد السوري أن المخرج الآخر المهم والذي كان يعمل في دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون هو هيثم حقي الذي “قدّم أحد أهم الأفلام الوثائقية القصيرة وهو “مهمة خاصة” ويتحدث عن الذين قاموا بتحرير منصة جبل الشيخ، من ضباط وصف ضباط وأفراد، وقدّم فيلماً يبدو ريبورتاجياً، لكنه في سياقه العام أعمق من الريبورتاج، وهو مقاربة حياتية لشخصيات الفيلم ودوافعهم الداخلية.

 

والحقيقة أن هذه الأفلام لم تعد تعرض إلا في حالات خاصة، حتى التلفزيون السوري لا يعرضها ولم يرمّمها أيضاً. كما قدّم هيثم حقي فيلماً روائياً قصيراً، وهو مهم وقوي، وحاز على جائزة في مهرجان قرطاج اسمه “الأرجوحة” عن قصة لمحمد خضير، القاص العراقي البارز، وكان من بطولة رشيد عساف ومنى واصف. ولا أدري ماذا حصل بهذه الأفلام رغم أنها عرضت كثيراً في السبعينيات والثمانينيات”.

 

أما عن إنتاجات مؤسسة السينما فأوضح الكواكبي أنها قدّمت مجموعة أفلام غالبيتها ذات طابع ريبورتاجي، وكان الأبرز في إنتاجها والأكثر كثافة في العمل عليها هو الراحل وديع يوسف الذي تميّز بحُسن مونتاجه، فهو ماهر جداً بمونتاج المادة الوثائقية، كما قدّم إخراجاً جميلاً لأغنية عن حرب تشرين لحّنها محمد عبد الوهاب وغنّتها المجموعة.

 

ومن الأفلام المهمة أيضاً فيلم صلاح دهني “زهرة الجولان” وهو عن القنيطرة، أنجزه متأخّراً في عام 1975، وفيه صورة مؤثّرة ومونتاج ذكي وموسيقى مهمة لصلحي الوادي.

 

يقول الناقد السوري: “للأسف في الروائي الطويل لم ينجز أي فيلم مهم عن حرب تشرين لأسباب عديدة. منها أن الروائي الطويل يتطلب نضوجاً فكرياً، كما أن مرور زمن على الحرب أتى لغير صالح إنتاج مثل هكذا أفلام، لأن مضي الزمن أدى إلى حيرة في انتقاء المادة الأولية، وتفكير زائد في عن ماذا نتحدث؟ وماذا نفعل؟ ومن يُخرج؟ ومن يؤلف؟ وما هي المادة الروائية التي نرغب فيها؟ وغير ذلك، مما أدى إلى فشل هذا المشروع، فلم ينجز أي فيلم روائي طويل سوى في القطاع الخاص الذي سارع لإنجاز فيلمين، لكن السرعة أدت إلى أنهما لم يحقّقا الحد الأدنى المطلوب فنياً، والفيلمان هما “سرب الأبطال” أنتجه تحسين سلكا وأخرجه مروان عكاوي الذي هو مونتير مهم لكنه إخراجياً كان ضعيفاً جداً. والفيلم الثاني منع من العرض لأسباب سياسية لها علاقة بالجهة المنتجة لمخرجه سهيل كنعان”.

 

وعند سؤالنا هل من مقاربة ما بين تلك الأفلام عن حرب تشرين مع ما أنتج سينمائياً عن الحرب في سوريا خلال العقد الماضي، أجاب الكواكبي: “الحقيقة أن الفرق جوهري بين حرب تشرين والحرب الدائرة في سوريا منذ 2011، فحرب تشرين كانت حرب وحدة وطنية، بغض النظر عن الانتماءات الأيديولوجية والفكرية والسياسية للمخرجين، لذا استطاعوا جميعهم تقديم خطابهم بحرية نسبية، وهو خطاب غير متطابق، ولم يكن هناك شيء مضاد لخطاب الدولة السورية، لكن كانت هناك قراءات ورؤى وأساليب في الأفلام القصيرة. أما الحرب السورية المعاصرة، فلها أبعادها الداخلية والخارجية، فيها جانب أهلي واستقطابات مناطقية وطائفية وتوازنات عالمية”.

 

ويضيف الناقد السوري “هناك معارضة راديكالية صنعت أفلاماً على الضفة الأخرى، رغم أنها لا تنتمي إلى التيار الإسلامي الذي كان مسيطراً على الجهة التي حاربت الدولة السورية، لكنها وقفت معه إلى حد ما بشكل جزئي، على مبدأ عدو عدوي صديقي. أما ما أُنتج داخل سوريا فكله مشابه لبعضه، وليس فيه قراءات خاصة، أستثني قليلاً بالنسبة للأفلام الروائية الطويلة أفلام جود سعيد التي حاولت أن تقرأ الواقع بصرياً بطريقة أكثر عمقاً، لكنها درامياً ضعيفة. أفلام باسل الخطيب ونجدة أنزور وآخرون كانت رديئة إلى حد كبير، ولها طابع بروباغاندي غير متقن، وأستثني كذلك الأفلام التي حكت عن تأثيرات الحرب على البشر كأفلام محمد عبد العزيز، وبعض الأفلام القصيرة التي أنتجتها المؤسسة ضمن منح الشباب حصراً، أما خارجها فكان الواقع أسوأ”.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المؤسسة العامة للسينما تعيد تأهيل صالات الكندي

تماشياً مع رغبة المؤسسة العامة للسينما في تقديم أفضل ما يمكن من أساليب العمل السينمائي، وتأكيداً لضرورة تأمين حالة عرض متقدمة ومتميزة لجمهورها، فإنها عملت ...