بعد سُقوط نظام الرئيس بشار الأسد، تبدو سورية أكثر انفتاحًا للتعبير عن الرأي، والخروج بمظاهرات دون مُوافقات أمنية، ودون مراقبة من المخابرات، وقمعها لاحقًا من قوات الأمن والجيش، وهو الأمر الذي دفع مئات من السوريين للذهاب إلى ساحة الأمويين، والمُطالبة بدولة مدنية ديمقراطية علمانية.
الجالس الجديد في مكان الأسد، أحمد الشرع (الجولاني)، يقول إنه سيمنح للسوريين الحرية، وسيجلب لجان لكتابة الدستور، كما يُؤمن بحق النساء بالتعليم، وعليه سيكون من المُفترض أنه يتفهّم هذه التظاهرة التي خرجت بعناوين ترفض الحكم الانتقالي بوجهه الإسلامي.
“الدين لله والوطن للجميع”
قنوات المُعارضة أو القنوات المُوالية للجولاني، سارعت من جهتها للبحث عن خلفيات المُشاركين السياسية، وذهبت للقول إنّ المُشاركين من المؤيّدين للرئيس السابق بشار الأسد، وهو ما اعتبره المُشاركون في المُظاهرة عودة لإطلاق الأحكام السياسية التي كان يمقتها المُعارضون لنظام الأسد.
ورفع المُشاركون لافتات مثل “الدين لله والوطن للجميع”. “بدولة المواطنة والقانون” و”العلمانية”. وجاء في لافتة أخرى “نريد ديموقراطية وليس دينوقراطية”.
ويبدو أنّ المرأة السورية التي خرجت هي الأخرى في هذه التظاهرات، يبدو أنها تخشى من تصريحات المتحدث باسم الإدارة السياسية التابعة لسلطة الجولاني عبيدة أرناؤوط، والذي قال إنّ “تمثيل المرأة وزاريًّا أو نيابيًّا أمر سابق لأوانه”، معتبرًا أن للمرأة “طبيعتها البيولوجية وطبيعتها النفسية، ولها خصوصيّتها وتكوينها الذي لا بد من أن يتناسب مع مهام معينة”.
وكان لافتًا بأن التظاهرة لم تحمل علم حكومة الجولاني الجديد، واكتفت بحمل شعارات سياسية سلمية.
الجولاني يطل من قصر الأسد
وفي رسالة قد تدل على رغبته برئاسة سورية اختار الشرع أن تكون مُقابلته التي كشف فيها بعض من رؤيته السياسية المُستقبلية لبلاده مع قناة “بي بي سي، اختار أن تكون من داخل القصر الرئاسي الذي بناه الأسد، حيث رد على سؤال بشأن إمكانية توليه الرئاسة، بقوله إن موضوع الرئاسة السورية القادم سابق لأوانه.
وعندما سُئل الجولاني عما إذا كان استهلاك الكحول سيكون مسموحًا به في سوريا الجديدة، قال الشرع: “هناك أشياء كثيرة ليس من حقي التحدث عنها لأنها مسائل قانونية”، وقال إن القرار في ذلك ستتخذه لجنة مختصة بذلك.
الجولاني الذي حاول طمأنة الغرب حول طريقة حكمه لسورية، قال في ذات المقابلة بأن لا يهمه بما يفكر به الغرب حوله، بل يهمه رأي السوريين، الأمر الذي دفع ببعض السوريين لطرح تساؤل حول أسباب تغييره لمظهره الخارجي وارتداء بذلة عصرية، وتحويل لحيته إلى لحية مرتّبة أكثر مدنية، إذا كان لا يهتم برأي الغرب حوله، وسياساته التي تبدو إسلامية متطرّفة.
وقال الشرع إنه ستكون هناك “لجنة سورية من الخبراء القانونيين لكتابة دستور، وهم سيقررون، وأي حاكم أو رئيس سيكون عليه أن يلتزم بالقانون”.
هل تسبّب “عناد” الأسد بسُقوطه؟
لم يغب الرئيس السوري السابق بشار الأسد عن الواجهة الإعلامية رغم سقوط نظامه، فلا يزال مُطالبًا أمام الشعب السوري بشرح أسباب “فراره” لموسكو، فالبيان اليتيم الذي صدر عنه الذي نفى فيه تهمة الهروب، زاد من الجدل حوله، وأصبح كل من يظهر على شاشة الإعلام يريد النيل من الرئيس السابق، والتشكيك حتى بمواقفه ضد إسرائيل.
يلوم كثير من النخب السورية والعربية الرئيس السوري بأنه رفض التفاوض في أيامه الأخيرة، ورفض مُصافحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما يعني أنه أغلق الباب على أي تصالح، كما اتّهم الرئيس السوري السابق بالعناد، وعدم إدراكه لواقع حال جيشه المُنهك، الذي انتهى بـ11 يومًا فقط.
رفض الأسد لأردوغان 3 مرّات
وفي ذلك السياق، كشف رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن محاولات مع الرئيس السابق بشار الأسد لإيجاد مخرج سياسي للأزمة في سوريا، وقال السوداني في مقابلة مع تلفزيون العراقية الرسمي، “كرّرت المحاولة مع الأسد 3 مرات لعقد اجتماع ببغداد على مستوى وزراء الخارجية والجانب التركي كان موافقاً، وتركيا اشترطت عودة النازحين واللاجئين على أراضيها من السوريين ومواجهة الإرهاب”.
وأضاف: “الجانب السوري قال لنا بإنه يشترك مع شروط تركيا حول عودة النازحين ولكن يجب مواجهة الإرهاب بشكل عام، سواء على حزب العمال الكردستاني أو الفصائل المسلحة الأخرى وكانت هذه نقطة الخلاف”.
التساؤل المطروح: هل كان على الأسد تلبية دعوة أردوغان حينما شاء الأخير التواصل والتفاوض معه بتوقيته والتمتّع بالبراغماتية حتى لا يسقط ودولته وجيشه، أم أن الكرامة أو الاستعلاء الذي مارسه الأسد مع المسؤولين الأتراك بحسب توصيف الوزير التركي السابق أحمد داود أوغلو قبل سُقوطه، هو الخيار الوحيد في معجم ومُفردات رئيس حارب 14 عامًا ضد ما كان يعتبره إرهابًا مدعومًا من إسرائيل وأمريكا وتركيا وقطر؟
“أسلمة التلفزيون السوري”
وفي سياق سيطرة هيئة تحرير الشام على سورية، عيّن الجولاني علاء برسيلو رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون في سورية، الأمر الذي أثار انتقادات من ناحية عدم توفّر خبرة إعلامية تُذكر للمذكور برسيلو فقد كان مسؤول صفحة هيئة تحرير الشام على “الفيسبوك”، كما أن له مقاطع فيديو ينتقد عمل المرأة، وحتى خروجها من المنزل، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ذهاب حكومة الجولاني لأسلمة مؤسسة عريقة مثل التلفزيون السوري.
وفي سياق متصل، يشغل خريجو الشريعة في حكومة الجولاني أهم مفاصل الدولة، يُذكّر البعض في المقابل أنها ليست إلا حكومة انتقالية سينتهي دورها.
الانتقام الأخضر
وفي ظل تأكيد الجولاني على أن ثورتهم لم تقم على نية الانتقام، والتشفّي، أرسلت حكومته الباصات الخضراء لإعادة جنود الجيش السوري الذين فرّوا للعراق بعد وساطات مع الحكومة السورية الجديدة، والباصات الخضراء كانت قد استخدمتها حكومة الأسد لإخراج المُقاتلين المُنهزمين من المُعارضة إلى إدلب.
وتحدّثت مصادر عن رفض عدد من الضباط السوريين العودة إلى سورية.
وانتشر مقطع فيديو عبر المنصّات يُظهر إزالة إسم حافظ الأسد عن الجامع الأموي في دمشق، وذلك بعد أكثر من أسبوع على سُقوط نظام الأسد.
تعليم بلا البعث.. ماذا عن تعليم المسيحية؟
وحول شكل التعليم في سورية، أعلن وزير التربية والتعليم السوري الجديد نذير محمد القادري، أن سورية ستبدأ اعتبارًا من الأسبوع المُقبل بإزالة جميع الإشارات المتعلقة بحزب البعث من النظام التعليمي، في خطوة تأتي ضمن الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة الجديدة، كما كشف القادري أن النظام التعليمي سيستمر في تدريس الدين، سواء الإسلام أو المسيحية، ضمن المناهج الدراسية، وأكد القادري أن المدارس الابتدائية ستبقى مختلطة بين الأولاد والبنات، بينما سيستمر الفصل بين الجنسين في التعليم الثانوي، مشيراً إلى أن هذه الأنماط “لن تتغيّر حاليًّا”، ما يطرح تساؤلات حول عبارة حاليًّا، وتغيير شكل التعليم في سورية لاحقًا.
تجاوزات مرصودة.. هل هي تصرّفات فردية؟
ورصدت “رأي اليوم” تجاوزات عديدة ارتكبت بعد سقوط نظام الأسد في سورية، تقول حكومة الجولاني إنها تصرّفات فردية، كان منها تغطية تمثال أبو فراس الحمداني في حلب على اعتباره صنمًا، الاعتداء على مقابر المسيحيين في مطرانية حماة للروم الأرثوذكس، ظهرت عبارات طائفية مكتوبة على سيارات تابعة للفصائل المسلحة: “لقاؤكم قريب يا عبّاد الصليب”.
هل يقبل الجهاديّون بالتهاون مع تطبيق الشريعة؟
بكُل حال، فرحة الشعب السوري بسقوط نظام الأسد لا يُمكن إنكارها، ولكن لا يُمكن اختزالها فقط بالذين خرجوا إلى الساحات حيث يبلغ عدد السوريين 25 مليون على اختلاف طوائفهم وتوجّهاتهم، وهؤلاء لا يُمكن حكمهم بحكومة كانت تحكم محافظة إدلب، وطيفها كلّه من هيئة تحرير الشام، فهل يستوعب الجولاني أخطاء الأسد البعثية، ويبني دولة مؤسسات حرّة بدستورها وقانونها وانتخاباتها، وماذا عن إخوته المجاهدين الذين يحكمون بعقلية تطبيق الشريعة، فمثلاً في مطلع 2013، اتهم كبار الجهاديين في سورية اتهموا الجولاني بالتراجع عن “تطبيق الشريعة” في المناطق التي تُسيطر عليها جبهة النصرة آنذاك، ولذلك انشقوا وانضموا إلى تنظيم داعش الذي لا يتهاون بتطبيق الشريعة، فكيف هو الأمر مع حُكم سورية البعثية سابقًا؟
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم