هل دفعت مذابح العلويين في الساحل السوري على يد النظام السوري الجديد، الطائفة الدرزية إلى الاندفاع إلى حُضن إسرائيل، وبالتالي طلب وتأمين الحماية منها، حال تكرار المشهد ضد الدروز، على مبدأ أن سورية الجديدة، هي دولة سنية إسلامية لا تتقبّل التنوّع، ورئيسها مسلم، شرعه “الفقه الإسلامي” كما يقول إعلانه الدستوري الجديد، ومرحلته الانتقالية المُمتدّة حتى خمس سنوات؟
ذلك تساؤلٌ مطروح مع مشهد عبور نحو 150 رجل دين من الطائفة الدرزية السورية، خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل الجمعة 14 مارس/ آذار الجاري، في أوّل زيارة من نوعها منذ حوالي 50 عامًا.
وجاءت الزيارة تلبيةً لدعوة وجّهها الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف الذي وصف الزيارة بأنها “يوم تاريخي” للطائفة بعد عقود من الانقطاع.
ووثّقت مقاطع فيديو لحظة استقبال الوفد، حيث ظهر الحاضرون وهم ينشدون أنشودة مُشابهة لنغم أنشودة “طلع البدر علينا”، والتي استقبل بها الأنصار النبي محمد الأكرم عند هجرته إلى المدينة المنورة، وفي سياق تشبيهي مشبوه لحالة الاستقبال، وشخصية الضيف النبي الذي حل على الأنصار، وأولئك الذين ذهبوا إلى إسرائيل مُطبّعين من بوابة الزيارة الدينية.
هي زيارة دينية الطابع، ولكنها حملت دلالات سياسية، أغضبت السوريين الرافضين لجلب التدخّل الإسرائيلي في سورية تحت عناوين حماية الأقليات، فالوفد الدرزي في الشكل الزائر رافقته مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، وتوجّه بالفعل شمالًا لزيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا، وللقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل موفق طريف، وهو مرجعية متهمة بالولاء للاحتلال في الداخل الفلسطيني.
يُطرح تساؤل حول توقيت تلك الزيارة، ولماذا لم تحصل في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، رغم أن قسم من دروز السويداء نظّموا احتجاجات ضد النظام العام 2023، وبدعم من المراجع الروحية – باستثناء الشيخ يوسف الجربوع المؤيد للنظام – للمُطالبة علنًا بإسقاط الأسد، ما يضع علامات استفهام حول مركزية وشرعية النظام الجديد الحاكم في دمشق نظام أحمد الشرع، وقدرته على فرض سيطرته على جميع السوريين أو إقناعهم بسُلطته، فيما تساؤل آخر حول موقف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري الذي يرفض “الاعتراف” بحكومة الانتقالي الشرع.
الشيخ الهجري الذي أكد أنه “لا وفاق ولا توافق مع السلطات في دمشق”، متعهداً “العمل بما هو مناسب للطائفة الدرزية”، وواصفاً حكومة دمشق بـ”المتطرفة” و”المطلوبة للعدالة الدولية”.
لافت بأن “الحافلات التي أقلّت الوفد الدرزي سلكت طريقًا عسكريًّا أنشأه جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 8 ديسمبر داخل سورية، أي بعد سقوط نظام الأسد.
ونجح الموحدون الدروز في تحييد أنفسهم مع بداية الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد في عام 2011، وتحوّل المشهد إلى نزاع مسلح.
وفي ظل عجز الشرع عن مُواجهة إسرائيل، وتوغّلها داخل الأراضي السورية، وأنها لن تسمح للجيش السوري بأي وجود عسكري في جنوب سوريا، مع تعهّد المسؤولون الإسرائيليون بحماية الطائفة الدرزية في سوريا، ثمّة تحدٍّ آخر على الشرع التعامل معه إلى جانب رفض الدروز لنظامه، وهو ما قاله نتنياهو إن إسرائيل ستقوم باستثمار أكثر من مليار دولار في المناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرتها وينتشر فيها الدروز، أي في الجولان المحتل، إلى جانب نية إسرائيل فتح الباب لاستقدام عمّال دروز من داخل سوريا إلى تلك المناطق.
وفيما يتوجّه الإعلام المُوالي للشرع، باتجاه تقديم زيارة الدروز لإسرائيل، بأنها في سياق خدمة مشروع تقسيم سورية، بينما تحصل في ظل عجز نظام دمشق عن مُواجهتها أو على الأقل ردعها، فيما تجدر الإشارة إلى أن دروز سورية ما بين العام 2015، و2017، والتي كانت تُساند الدولة السورية برئاسة الأسد، كانت اتّهمت إسرائيل بدعم مقاتلي “جبهة النصرة” لمُهاجمتهم، والتي هي اليوم هيئة تحرير الشام التي تحكم سورية، وأسقطت نظام الأسد بزعامة أبو محمد الجولاني أحمد الشرع.
إسرائيل كانت استقبلت مقاتلي جبهة النصرة (حكام دمشق الجدد) في مستشفياتها، وقالت إن ذلك “لأسباب إنسانية” في حينها، وهي ذاتها “النصرة” التي تحكم دمشق، ويرفض حكمها الدروز حاليًّا.
وقال شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، يوسف الجربوع (مؤيد لنظام الأسد)، إن زيارة الوفد الدرزي إلى إسرائيل كانت “زيارة دينية” بحتة، وأضاف الجربوع، في لقاء خاص مع قناة “سكاي نيوز عربية”، أن أطرافًا في السويداء لم تكن راضية عن الزيارة، وأنهم حذّروا من استغلالها لأهداف سياسية قد تضر بمصالح الطائفة وسوريا.
الثابت الوحيد بكل حال حول هذه الزيارة الجدلية؛ وتوقيتها، هي ردود فعل السوريين الجامعة، والغاضبة، والرافضة لزيارة الوفد الديني إلى إسرائيل، ورفضهم والدروز بينهم، أي محاولة لتطبيع سورية القديمة والجديدة، ورفض أي سياقات ومبررات لمثل تلك الزيارات بأنها دينية بحتة، وطالب السوريون بسحب جنسية الزائرين، وتوجيه تهمة الخيانة العظمى.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم