الدكتور خيام الزعبي
يترقب المحللين السياسيين والمهتمين بالشأن السوري بدقة وحذر التداعيات المحتملة للقرارات الأخيرة التي إتخذتها تركيا تجاه التقارب مع دمشق حيث خرج الرئيس التركي اردوغان بتصريحات جديدة دعا فيها الى حصول اجتماع سوري روسي تركي، مشيراً للمرة الأولى الى امكانية انضمام ايران الى هذا الاجتماع، فتركيا على الرغم من قوتها المحورية كدولة إقليمية شعرت بضعفها إزاء الأزمة السورية وعدم إستطاعتها من لعب الدور الريادي في حسمها، وكذلك عدم استطاعتها من إقناع حلفائها في ذلك.
عندما بدأت الأزمة السورية وقفت كل من تركيا وإيران على النقيض منها، كل طرف له أسبابه ودوافعه وإستراتيجيته المختلفة، فطهران أعلنت دعمها الكامل للحكومة السورية، وهذا طبيعي وخاصة في ظل التحالف القائم بين الجانبين منذ أكثر من ثلاثة عقود، وعلى العكس تماماً تحركت أنقرة في كل الإتجاهات لإسقاط النظام السوري، وإنتهجت القيادة التركية لهجة غير مسبوقة في رفع اللاءات وإعطاء المهل والفرص، فكل طرف رأى أن ما يجري في سورية يمس أمنه القومي والوطني، وبذلك تحولت الأزمة السورية إلى صراع إرادات بين أنقرة وطهران وسط حرص شديد من الجانبين على عدم الصدام بينهما نظراً لحجم المصالح والقضايا المشتركة بينهما.
واليوم يرى المهتمين بالسياسة التركية بأن أنقرة ضبطت ساعتها على توقيت قرب الانتخابات التركية مع طهران، بما يمنح أنقرة القدرة على التقليل من حدة الخلافات التي باتت تربطها بأغلب جوارها الجغرافي، ويدعم التوجهات الخاصة بإعادة ضبط وتيرة علاقاتها الإقليمية، خصوصاً مع طهران، وبالتالي مع دمشق.
في المرحلة الراهنة، يحظى الرئيس أردوغان كل الدعم من الدول الحليفة لدمشق (روسيا وايران) على خلفية معلومات تؤكد بأن المعارضة التركية والتي ستقدم مرشحها لمواجهة أردوغان تميل بشكل كلي لأمريكا والدول الغربية، ومن هذا المنطلق فإن المصلحة الروسية الإيرانية دعم بقاء اردوغان بالسلطة، وبالتالي تعزيز كل الخطوات التي ستسهم برفع نسبة التصويت لأردوغان في الانتخابات المقبلة، والتي يقف فيها الرئيس التركي والسياسة التركية على مفرق الطرق.
ومن جانب آخر فإن وقوف اردوغان على الحياد تجاه الحرب الروسية الاوكرانية بعد الضغوط الغربية على روسيا ومحاولة تطويقها بكل الوسائل جعل من أردوغان وحزبه حاجة ضرورية للبقاء في السلطة ومن هذا المنطلق بدأت قاعدة المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات الروسية التركية.
من الواضح أن الرئيس الأسد أكد على أن مسار التقارب مع تركيا يجب أن يكون مبني على إنهاء الاحتلال و الانسحاب الكامل للقوات التركية ومرتزقتها من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن، ووقف الارهاب، وهو ما اخذته روسيا في عين الاعتبار وشكلت بالضرورة قاعدة لمواصلة وساطتها المستمرة بين دمشق وأنقرة.
فحساسية الإنتخابات بالنسبة الى حزب العدالة والتنمية أنها تجرى في ظل ظروف بالغة الصعوبة، فأجواء فضائح الفساد تهيمن على المشهد التركي، والصدام مع الحليف السابق المقيم في الولايات المتحدة الداعية فتح الله غولن دخل مرحلة كسر العظم، وطريقة تعامل الحكومة مع التظاهرات في اسطنبول وغيرها أثارت تنديدات، والصراع مع المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بلغ مرحلة غير مسبوقة، والإقتصاد يشهد مرحلة من التضخم وسط تراجع قيمة الليرة التركي، وفي الخارج فإن سياسة أردوغان أمام تحديات كثيرة بفعل التطورات الإقليمية والدولية، حيث فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار إذ تعاني تركيا من نوع من العزلة الإقليمية ، كل هذه القضايا وغيرها مؤشرات إلى ضراوة المعركة الانتخابية التي يقودها أردوغان شخصياً.
مجملاً…..لا يمكن لأحد في العالم أن ينكر الدور الرئيسي الذي لعبته تركيا بالحرب على سورية ولكن الآن وبعد ان فشل المخطط الرئيسي لأنقرة في إضعاف سورية وبعد الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في الميدان، نتساءل: هل تعتذر أنقرة للرئيس الأسد وتعلن عودة علاقاتهما قريبا ؟ وهل يتكون محور روسي إيراني سوري تركي لحل الملفات الشائكة بينهما؟ فالقراءات السياسية تقول أن أردوغان يتخبط ويغرق في المستنقع السوري، وان إقترابه من المعسكر الإيراني السوري الروسي، سيؤدي الى حل مشاكل كثيرة في بلاده، كما ان تركيا مقبلة بشكل أساسي على تغيرات حاسمة وعميقة تجاه الأزمة السورية، خاصة بعد إنسداد الأفق لديها للخروج من مأزقها الذي وضعه أردوغان في وجهها، وإنطلاقاً من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان، وفي تقديري أن الأشهر القادمة ستشهد تدويراً للكثير من الزوايا والقضايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم