د. تمارا برّو
يتصاعد في الآونة الأخيرة تراشق الاتهامات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول منشأ فيروس كورونا المستجدّ. اتهامات واشنطن لبكين بأنها مصدر الجائحة التي دمرّت اقتصاد الدول وقتلت الملايين ليست بالجديدة، إذ حمّل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الصين مسؤولية ظهور وانتشار فيروس كورونا المستجدّ إلى حد وصفه الفيروس بـ” الفيروس الصيني”، وطالب بإجراء تحقيق دولي حوله ووجّه أصابع الاتهام إلى مختبر معهد ووهان لعلم الفيروسات الذي حسب زعمه تسرب منه الفيروس.
واستمر اتهام الصين بنشر فيروس كورونا المستجدّ مع الرئيس جو بايدن الذي أمر هيئات الاستخبارات الأميركية بمضاعفة جهودها وإعداد تقرير حول أصل الفيروس، وذلك بعد أن أعاد تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، نشر في شهر مايو/ أيار، تسليط الضوء حول تسرب الفيروس من مختبر ووهان، وذكرت المجلة نقلاً عن تقرير استخباراتي إن 3 باحثين بمختبر ووهان في الصين أصيبوا بأعراض تشبه أعراض فيروس كورونا المستجدّ ونقلوا إلى المستشفيات في شهر نوفمير / تشرين الثاني 2019. بالمقابل أثارت خطوة الرئيس بايدن إعادة فتح تحقيق حول أصل فيروس كورونا حفيظة الصين التي طالما اتهمت الولايات المتحدة الأميركية بتسييس الجائحة. كما صدر في أوائل شهر آب/ أغسطس تقرير عن مشرعين جمهوريين أمريكيين يعتبر أن هناك” أدلة كثيرة” تثبت أن الفيروس الذي تسبب في جائحة كوفيد 19 قد تسرب من مركز أبحاث صينية الأمر الذي انتقدته الصين واصفة ذلك بـ” أكاذيب ملفقة”. والملاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية منذ عهد ترامب تدعي أن هناك أدلة على أن الفيروس قد تسرب من معهد ووهان ولكن لغاية الآن لم تظهر أي دليل يبرهن ذلك.
والملفت أن منظمة الصحة العالمية اقترحت مؤخراً التدقيق في المختبرات الصينية حول منشأ فيروس كورونا في إشارة إلى مختبر ووهان، علماً أن المنظمة الدولية كانت قد أرسلت في شهر كانون الثاني/ يناير فريقاً من الخبراء الدوليين إلى ووهان وخلص التقرير المشترك بين المنظمة وفريق العلماء الصينيين الذي صدر في شهر أذار/ مارس أن الحيوانات هي مصدر الفيروس، وأكدت أنه من “المستبعد إلى أقصى حد” أن يكون الفيروس قد جاء من المختبر. غير أنها الآن وعلى ما يبدو نتيجة للضغوطات الأميركية تطالب بإعادة التحقيقات حول أصل فيروس كورونا في مختبر ووهان، فما كان من الصين إلا أن رفضت مقترح منظمة الصحة العالمية واصفة إياه بأنه ينم عن “عدم احترام” و”غطرسة إزاء العلم”، ودعا وزير خارجيتها ووانغ يي إلى اتباع الأساليب العلمية في تتبع منشأ فيروس كورونا والابتعاد عما وصفه بـ “التلاعب السياسي” في هذا الأمر الذي يحتاج إلى التعاون. كما طالبت الصين مراراً عبر لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها هوا تشونينغ والمتحدث تشاو لي جيان منظمة الصحة العالمية بالتحقيق في نشوء فيروس كورونا المستجدّ في مختبر فورت ديتريك بولاية ميريلاند الأميركية، وكانت شبكة تلفزيون الصين الدولية CGTN قد سلطت الضو في تقرير نشر العام الماضي على هذا المختبر البيولوجي الذي يكتنفه الغموض. وبحسب المراسل السابق لصحيفة “نيويورك تايمز” ببكين ستيفن كينزر، الباحث البارز في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون في الولايات المتحدة الأميركية، فإن مختبر فورت ديتريك هو مجمع ضخم كان مركز علم الأحياء والبحوث العسكرية الأمريكية لعقود من الزمان، مؤكداً أن العديد من الأشياء التي تحدث هناك سرية، وأن الناس تظاهروا أمام أبوابه ضد مشاريع لا يعرفونها لفترة طويلة، مضيفاً أنه لدى مختبر فورت ديتريك البيولوجي في الولايات المتحدة “تاريخ مظلم”، أطراف تنتمي لدول المحور بالحرب العالمية الثانية، ولا يزال مركز أبحاث الحرب البيولوجية الأمريكية.
تصرّ الولايات المتحدة الأميركية على اتهام الصين بالتسبب بفيروس كورونا المستجدّ للتستر أمام شعبها عن فشلها في معالجة أزمة كوفيد 19 خاصة في ظل تزايد أعداد المصابين والخسائر التي لحقت باقتصادها جراء تفشي الفيروس. بالمقابل نجحت الصين في السيطرة على الوباء وحقق اقتصادها نمواً كبيراً . كما تحاول الولايات المتحدة الأميركية تحميل الصين المسؤولية للحصول على تعويضات بمئات المليارات من الدولارات لانعاش اقتصادها الذي تدهور بسبب الفيروس من جهة، ولاحداث خسائر في الاقتصاد الصيني ومنع نموه خاصة أن التوقعات تشير إلى أنه سيصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028 من جهة أخرى.
يدرك القاصي والداني أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الصين منافستها الأولى، وهذا ما يردده دائماً الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أن تسلم الرئاسة الأميركية إذ يعتبر أن الصين هي المنافس الأكثر خطراً لأميركا. فاقتصاد الصين اليوم هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما تحقق الصين تطوراً كبيراً في مختلف المجالات. هذا التطور وصعود الصين السريع يخيف الولايات المتحدة التي تريد أن تبقى القوة العظمى المهيمنة على العالم وهي ترى أن الصين تريد الهيمنة عالمياً وتحل مكانها لذلك نراها تحاول كبح جماح الصين وإعاقة تطورها بشتى الوسائل فتارة تفرض عليها عقوبات اقتصادية، وتارة أخرى تستفزها عبر ارسال السفن العسكرية الأميركية إلى مضيق تايوان، وطوراً نراها تحرض جيران الصين عبر تحريك ملف بحر الصين الجنوبي، كما تتهم واشنطن بكين باضطهاد مسلمي الايغور في إقليم شينجيانغ لاثارة غضب العالم عامة والمسلمين خاصة وازدياد مشاعر العداء ضد الصين، علاوة على أنها تعمل على إفشال مبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013 إذ عمدت واشنطن بالاتفاق مع مجموعة G7 على إقرار مشروع لمنافسة مشروع طريق الحرير.
لا ترفض الصين التعاون مع منظمة الصحة العالمية للبحث عن مصدر أصل فيروس كورونا المستجدّ لكنها ترفض تسييس التحقيق وهذا ما يبدو من وراء الضغوطات الأميركية على منظمة الصحة العالمية لاعادة التحقيق في مختبر معهد ووهان لعلم الفيروسات. فالصين تخشى أن يحصل معها مثل ما حصل مع العراق الذي غزته أميركا بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل ولكن النتيجة كانت تدمير البلد ونهب نفطه وتدمير جيشه واقتصاده. فقد كتب المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن ليو بينغيو على تويتر إن الحملة الرامية لتسييس دراسة منشأ الفيروس والتشهير بالصين لا تختلف عن الأكاذيب حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
إن الوصول إلى حقيقة أصل فيروس كورونا المستجدّ الذي شلّ العالم لا يتم عبر اتهام دولة معينة لأسباب سياسية وبدون الارتكاز على أي أسس علمية، بل يكون عبر تعاون العلماء من مختلف دول العالم مع منظمة الصحة العالمية واستناداً إلى المعايير العلمية.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم