عبد الباري عطوان
أعلنَ السيّد عبد الملك الحوثي زعيم حركة “أنصار الله” في خطابه الذي ألقاهُ يوم أمس الأوّل عن بدء القوّات المُسلّحة اليمنيّة بأذرعها كافّة، تنفيذ المرحلة الرّابعة، أي مُهاجمة جميع السّفن المُتّجهة إلى الموانئ الإسرائيليّة أيًّا كانت جنسيّتها وفي جميع البحار بِما في ذلك البحر الأبيض المتوسّط، وهذا الإعلان يتناغم مع توسيع محور المُقاومة دائرة حربه ضدّ دولة الاحتِلال وموانئها على أكثر من جبهة، وبغضّ النّظر عن نتائج المُفاوضات التي تجري في القاهرة حاليًّا للتوصّل إلى اتّفاقِ وقفِ إطلاق النّار في قطاع غزة.
***
قبل الخوض في التّفاصيل لا بُدَّ من طرحِ سُؤالٍ على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة وهو: لماذا لا تردّ دولة الاحتلال على الهجمات التي يشنّها الجيش اليمنيّ سواءً على سُفنها في البحر الأحمر وخليج عدن والمُحيط الهندي، أو ميناء أم الرشراش (إيلات) في خليج العقبة؟
الإجابة، وباختصارٍ شديد هي حالة الرّعب التي تعيشها دولة الاحتِلال، وتدفعها لتجنّب فتح أي جبهة مع اليمن، وجرّه إلى دائرة الحرب، فهذا الاحتِلال يضرب في جميع الاتّجاهات، ويُهاجم دُوَلًا عربيّة عديدة، ولكنّه لم يُطلق رصاصةً واحدة على اليمن مُنذ اغتِصابه للأرض الفِلسطينيّة المُحتلّة قبل 75 عامًا.
الإسرائيليّون، سواءً كانوا سياسيين أو قادة عسكريين، يعلمون جيّدًا بأسَ اليمنيين وصلابتهم، واعتِزازهم بأنفسهم، وعدم الخوف من الموت، بل والسّعي إلى الشّهادة دِفاعًا عن وطنهم وأرضهم وكرامتهم، ولهذا خرجوا مُنتصرين في كُلّ معاركهم وحُروبهم ضدّ الغُزاة، ومُنذ فجْر التّاريخ ودُونَ أيّ استِثناء.
اليمنيّون هُم الذين أنهوا أُسطورة صواريخ الباتريوت، فخْرُ الصّناعة الأمريكيّة، وكشفوا عوراتها وكُلّ الثّقوب في قُدراتها الدّفاعيّة، وجاءَ حُلفاؤهم الإيرانيّون ليُجهزوا عليها بالضّربة القاضية أثناء هُجوم “الوعد الصّادق” الذي استهدف قاعدتين جويّتين إسرائيليّتين في قلبِ النّقب، إحداها مُلاصقة لمفاعل ديمونا النووي انتقامًا وثأرًا وردًّا على العُدوان الإسرائيلي الذي استهدف القُنصليّة الإيرانيّة في دِمشق، وهذا ما يُفسّر إعلان دولة الاحتِلال بالتخلّي عن جميع منظومات صواريخ “الباتريوت” في غُضون شهرين في اعترافٍ صريح بفشلها في التصدّي للصّواريخ والمُسيّرات الإيرانيّة المُشاركة في هذا الهُجوم، خاصَّةً أنّ هذه الصّواريخ، وحسب البيانات الإيرانيّة كانت الأقل تطوّرًا بين نظيراتها في التّرسانة العسكريّة الإيرانيّة، وخاصَّةً الجيل الجديد منها، مِثل صواريخ فرط صوت، والأُخرى الباليستيّة المُجنّحة مُتَعَدِّدة الرّؤوس الانشطاريّة.
انتقال القوّات المُسلّحة اليمنيّة إلى “المرحلة الرّابعة” يأتي في إطارِ عمليّة تصعيدٍ عمليّاتيٍّ لمحور المُقاومة، وعلى نطاقٍ واسع على عدّة جبهات، فللمرّة الأُولى تُطلق “سرايا الأشتر” التّابعة للمُقاومة الإسلاميّة البحرينيّة مُسيّرات على مدينة أم الرّشراش (إيلات) المُحتلّة، أمّا كتائب المُقاومة الإسلاميّة العِراقيّة فقصفت تل أبيب للمرّة الأولى قبل بضعة أيّام، وبعد هجمات على قواعدٍ عسكريّة إسرائيليّة في هضبة الجُولان المُحتلّة، وبُنى تحتيّة في ميناء حيفا، أمّا المُقاومة اللبنانيّة بزعامة حزب الله فوصلت صواريخها إلى مدينة عكّا للمرّة الأُولى مُنذ سنوات، ولا نستبعد أن تتمدّد أهدافها إلى حيفا نفسها قريبًا جدًّا، ولعلّ خطاب السيّد حسن نصر الله الذي سيُلقيه مساء الاثنين القادم قد يتضمّن مُفاجآت في هذا الصّدد.
***
نُتابع بحذرٍ شديد كُلّ التّسريبات المُتسارعة حول احتِمالات تمخّض مُفاوضات القاهرة عن “اتّفاق هدنة” في قطاع غزة يُؤدّي إلى وقف الحرب، نقول بحذرٍ لأنّنا، وبحُكم التّجربة، نُدرك جيّدًا أنّ قيادة المُقاومة في القطاع تتبع في رُدودها على المُقترحات الأمريكيّة التي يحملها الوُسطاء نظريّة “نعم.. ولكن”، وتتمسّك بشُروطها بوقفٍ دائمٍ لإطلاق النّار وانسحابٍ إسرائيليٍّ كاملٍ من أرضِ القطاع، وفشلت كُلّ الضّغوط الأمريكيّة على قيادة المُقاومة عبر الوسيطين المِصري والقطري في دفعها “للمُرونة” والتّنازل عن بعض مواقفها لتسهيل وإنجاز الاتّفاق.
فإذا كانَ الاتّفاق بات وشيكًا فلماذا بدأت السّلطات الأمريكيّة في تفكيكِ ميناء غزة المُؤقّت، وتُمارس ضُغوطًا على دولة قطر لإغلاق مكاتب “حماس” في الدوحة وإبعاد قيادة حماس في الخارج التي تتّخذ منها مقرًّا لها؟
“الحلّ اليمنيّ” هو الطّريق الأمثل والأقصر للرّد على العربدة الإسرائيليّة، وكسْر الغطرسة الإسرائيليّة والأمريكيّة، وتحرير جميع الأراضي المُحتلّة من النّهر إلى البحر، فـ”أبو يمن” يقول، ويفعل، ويُصَعِّد، ولهذا ترتعش سُلطات الاحتِلال فور سماع اسمه، وتتجنّب فتح أيّ جبهة مُواجهة معه، لأنّها ستكون بداية سريعة لنهايتها.. والأيّام بيننا.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم