انتهت فيما يبدو مرحلة الاحتفالات بسُقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في سورية، وبدأ السوريون يلتفتون لتصرّفات حكومتهم الجديدة، ووضعها تحت عين المُراقبة، وسط تساؤلات حول القدرة على المُحاسبة حال ارتكبت تلك الحكومة أخطاء، لكن الثابت أن تلك الحكومة من طيف واحد (هيئة تحرير الشام)، وستحكم بالشريعة الإسلامية بدون انتخابات لفترة قد تمتد لأربعة أعوام بحسب ما قال قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع في سياق حديثه عن الانتخابات الرئاسية، وكتابة الدستور الجديد الذي سيستغرق هو الآخر ثلاث سنوات بحسب الشرع.
الجدل المُثار الآن في سورية، حول إعلان حكام سورية الجدد الحذف والتعديل في مناهج “الدولة السورية” السابقة، الأمر لا يتعلّق بحذف حقبة الرئيس السابق بشار الأسد، أو والده الراحل حافظ الأسد، بل امتد ذلك إلى فترات تاريخية لها قدسيتها عند السوريين.
زنوبيا “خيالية” والمسيحيين من “المغضوب عليهم”
يسأل السوريون عن سبب اعتبار شخصيات تاريخية مثل زنوبيا، شخصية خيالية، يتخوّف السوريون من تعديل اعتبر “المسيحيين واليهود” هُم المغضوب عليهم والضالين في تفسير سورة الفاتحة في كتاب التربية الدينية، يلفت أحدهم إلى أهمية اعتبار “الصهاينة المحتلّين” من المغضوب عليهم وليس اليهود وأهمية قتالهم.
“في سبيل الله”
وفي سياق مخاوف تحويل البلاد إلى دولة إسلامية متطرفة، توقّف السوريون عند استبدال عبارات وطنية “مثل الدفاع عن الوطن” بعبارة “في سبيل الله”، وهي عبارة ترد في الأدبيات الجهادية لتنظيمات دينية متطرفة مسلحة وليس دولة لها مؤسسات، هذا عدا عن حذف تاريخ الآلهة القديمة، وتاريخ الكنعانيين.
وحصرت الحكومة السورية الجديدة “الصراط المُستقيم” من صراط الخير إلى صراط طريق الإسلام.
علامات استفهام أخرى حول حذف وحدة “أصل التطور والحياة” من كتاب العلوم في الصف الثالث الثانوي، وحذف فقرة تتناول تطور الدماغ بـ “الكامل” من أحد الدروس.
حذف “السفّاح التركي”
ومع وصول السلطة الجديدة لحكم سورية بدعم تركي، جاء لافتًا حذف جملة “إعدام قادة الحركة الوطنية في السادس من أيار 1916” من كتاب التاريخ في الصف الثالث الثانوي الأدبي، والتي تُشير إلى “شهداء السادس من أيار” الذين أمر جمال باشا “السفاح” إعدام عددٍ منهم في أواخر العهد العثماني، بساحة المرجة في دمشق، وتحمل الساحة نصبًا تذكاريًّا يحمل أسماؤهم، وهو ما اعتبر من قِبَل السوريين مُحاباةً لتركيا من “سورية الجديدة”.
وردًّا على ذلك الجدل أوضح وزير التربية السوري الجديد بأنه وجّه فقط بحذف ما يتعلّق بما يمجد ما وصفه نظام الأسد البائد، وبأنه اعتمد في المناهج على علم الثورة السورية بدل ما وصفه بعلم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية، وتابع: ما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها ما وصفه نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، ولم ينف الوزير الجديد هُنا حذف عبارات أثارت الجدل بعينها، وتحدّث عن تعديلات ما وصفه بـ”المعلومات المغلوطة”.
لماذا السعودية؟
وتُحاول الحكومة السورية الجديدة كسب الشرعية، والانفتاح على العالم العربي، استغلّت ذلك بتلبية دعوة سعودية رسمية تلتقي خلالها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
أرسلت سورية الجديدة وفدًا سوريًّا رفيع المستوى على رأسه وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب، ووصل الوفد إلى العاصمة السعودية الرياض في أول زيارة رسمية خارجية بعد دعوة من وزير الخارجية السعودي”.
بشكلٍ لافت لم يكن في استقبال الوفد السوري “رفيع المستوى” وزير الخارجية السعودي، بل كان في الاستقبال نائبه وليد بن عبد الملك الكريم الخريجي في مطار الملك خالد الدولي، توقّف السوريون عند ذلك الاستقبال وإن كان فقط في سياق بروتوكولي أو مُتعمّد من باب التفحّص والتحفّظ السعودي، وتساءلوا لماذا اختارت الإدارة السورية الجديدة أن تكون بداية جولتها الخارجية خليجيًّا من السعودية التي أعادت علاقاتها مع نظام الأسد قبل سُقوطه، وليس قطر التي رفضت مُصافحة الأسد حتى سُقوطه.
وكان وفد حكومي سعودي رفيع المستوى قد زار نهاية الشهر الماضي دمشق حيث التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، ولكن على عكس الوفود الزائرة للشرع، لم تخرج أي صور تجمع الشرع بالوفد السعودي.
الخامنئي يُكرّر عهده باستعادة سورية للمرّة الثالثة
وبعد أن طالب الشرع من إيران التحلّي بالإيجابية تجاه سورية الجديدة، كرّر المرشد الإيراني السيد علي خامنئي “للمرة الثالثة” خلال ثلاثة أسابيع بعد سُقوط الأسد، وعده بـ”استعادة سورية من الحكام الجدد”، ولا يشرح الخامنئي كيفية ذلك، ولكنه وسط انتقادات تطال إيران بالهزيمة في سورية، وخسارة نفوذها، أكّد أن الدماء التي أُريقت من قوات “المدافعين عن الحرم” في سوريا لم تذهب سدى.
وفي خطاب له بمناسبة ذكرى مقتل قاسم سليماني، قال خامنئي: “بعض الناس، بسبب عدم التحليل والفهم الصحيح، يقولون إن الدماء التي أُريقت للدفاع عن الحرم ذهبت سدى”.
وشدّد خامنئي على أن “هذه الدماء لم تذهب سدى”، وأضاف: “لو لم تُسفك هذه الأرواح، ما كان هناك خبر اليوم من مرقد زينب، ولا من كربلاء ولا من النجف”.
ويبدو أن المرشد الإيراني لا ينوي الاعتراف بتاتًا بحُكم أحمد الشرع (الجولاني)، حيث خاطبه بشكلٍ غير مباشر قائلًا بنبرة تهديد: “لا تنظروا إلى هؤلاء الجولانيين الباطلين، هؤلاء الذين يتبجّحون اليوم سيتعرضون يومًا ما للسحق تحت أقدام المؤمنين”.
محاولة لاغتيال الأسد بالسّم
قالت صحيفة “ذا صن” البريطانية إن الرئيس السوري السابق بشار الأسد تعرّض لمحاولة تسميم أثناء إقامته في روسيا، حيث لجأ إلى موسكو برفقة عائلته منذ سقوطه في 8 ديسمبر، ويعيش تحت حماية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتلقّى الأسد العلاج داخل شقته في موسكو واستقرت حالته الصحية يوم الاثنين، فيما لم تصدر أي جهة رسمية تأكيدًا لهذه الادعاءات حتى الآن.
وفي حال تأكيد هذه المحاولة، فإنها تعد محاولة اغتيال للأسد، وتفتح الباب أمام تساؤلات حول الجهة التي تقف خلفها، وما إذا كان لطرف روسي أو سوري يد فيها لإحراج القيادة الروسية، وإظهارها بمظهر غير القادر على حماية من طلبوا الحماية منها واللجوء إليها، وما إذا كانت هذه المحاولات ستتكرّر للتخلّص من الأسد وأسراره، فالعديد من المُعارضين للرئيس بوتين على سبيل المثال تعرّضوا للتسمّم أبرزهم المُعارض الروسي أليكسي نافالني.
حوار وطني
وسط هذه المخاوف، لا يزال ينظر العديد من السوريين إلى مستقبل بلادهم بأمل، ويأملون بأن تكون حكومة أحمد الشرع هي المُخلّص لهم رغم التحديات الكثيرة والمُعيقة فلا أحد منهم يرغب بتقسيم سورية أو تقاتلها أهليًّا، يقول أحد السوريين بأنهم لا يُريدون الوصول لمرحلة الترحّم على أيام الرئيس السابق بشار الأسد كما حصل مع العراقيين بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، أو نظيره الراحل معمر القذافي في ليبيا.
ووسط هذه الآمال، يأتي ما قد يُعزّزها، حيث نقلت مصادر بحكومة تصريف الأعمال السورية أن الحكومة تخطط لعقد مؤتمر حوار وطني منتصف يناير الجاري، لجمع كافة شرائح المجتمع، وتتواصل الاستعدادات لمؤتمر الحوار الوطني الذي من المرتقب أن يضم أكثر من 1000 شخص من مختلف شرائح المجتمع السوري.
بكل حال ليس في يد السوريين إلا التمسّك بتصريحات الشرع الإيجابية مُنذ دخوله دمشق، ففي 29 ديسمبر الماضي، ذكر الشرع، أن إدارته ستمنح الفرصة لجميع فئات المجتمع للمشاركة بمؤتمر الحوار الوطني، وأشار الشرع إلى أن الحكومة ستترك القرارات المهمة والحسّاسة في الفترة الانتقالية لتصويت المشاركين في المؤتمر.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم