علي عواد
إذا كنتم ممّن يستخدمون ChatGPT يومياً في حياتكم أو أعمالكم، فلا شك في أنّكم لاحظتم تراجع أداء النظام في المدة الأخيرة. بدأ العاملون في مجال البرمجة يلاحظون أنّ سطور البرمجة التي ينتجها النموذج أصبحت أقل فائدة، تكثر فيها الأخطاء، وتفتقر إلى الالتزام بالتعليمات، مع الحاجة إلى تكرار الطلب للحصول على نتيجة مقبولة.
صارت إجابات كثيرة سطحية، عادية أو حتى غير منطقية في بعض الأحيان. الأمر ذاته يواجهه صانعو المحتوى عند كتابة النصوص أو تحسينها، والعاملون في مجال الغرافيكس وإنتاج الصور.
هذه الأزمة تحوّلت إلى ظاهرة عالمية. يطرح الجميع سؤالاً واحداً: ما الذي يحدث؟ وما سبب هذا التراجع الكبير في الأداء؟
مع بداية هذا العام، لاحظ عدد متزايد من مستخدمي ChatGPT تراجعاً في جودة وأسلوب النظام. وتفاقم هذا التراجع في الأشهر الثلاثة الماضية، ما دفع الشكاوى إلى التحول بسرعة إلى ظاهرة على منصات مثل Reddit، مع تزايد النقاشات عن ضعف الإبداع، وتكرار الإجابات، وتدهور النصوص البرمجية والأدبية مقارنة بالفترات السابقة.
أيضاً، شهدت مدونة «أوبن آي أي» (مالكة ChatGPT) الرسمية موجةً من تعليقات المستخدمين الذين بدأوا يبحثون عن حلول أو بدائل. حتى الآن، لا جواب واضحاً أو رسمياً عن الأسباب. هناك نظريات وتفسيرات عدة متداولة، ويستعرض هذا التقرير أبرزها.
من التملّق إلى الركود
في نهاية نيسان (أبريل) من العام الحالي، أعلنت «أوبن آي أي» عن سحب آخر تحديث لنموذج GPT-4o بعد موجة انتقادات واسعة بسبب ما وصفته الشركة بـ«النزعة التملّقية المفرطة» في إجابات النظام. التحديث الذي كان يهدف إلى جعل شخصية ChatGPT أكثر فعالية ووداً، أدى عملياً إلى نتائج معاكسة؛ فأصبحت الردود مبالَغة في اللطف والموافقة، ما أفقد النظام جزءاً كبيراً من مصداقيته وأثار استياء المستخدمين. جاء قرار التراجع عن التحديث ـــ بحسب الشركة ـــ استجابةً لشكاوى المستخدمين وحرصاً على إعادة التوازن لسلوك النموذج.
إلا أنّ هذا السحب فاقم المشكلة، إذ اضطر المستخدمون للعودة إلى نسخ أقدم تعاني أصلاً من أزمات في جودة الإجابات، وتكرارها، وافتقارها إلى العمق أو الشخصية المميزة.
تحوّل التراجع من خطوة تصحيحية موقتة إلى عامل إضافي في تدهور تجربة الاستخدام اليومية، وأدى إلى حالة من الإحباط لدى فئات واسعة من المبرمجين وصنّاع المحتوى والباحثين عن حلول فعّالة. في مواجهة هذه الأزمة، وعدت OpenAI بإعادة النظر في آلية جمع التغذية الآتية من المستخدمين وتطوير أدوات تخصيص أكبر لسلوك ChatGPT، إلا أن أثر سحب التحديث بقي ملموساً في تدهور أداء النظام.
اصطياد الكوادر
في النصف الأول من تموز (يوليو)، ظهرت أزمة جديدة داخل «أوبن آي أي» كشفت عن مدى الإرهاق والتوتر الذي يعيشه فريق تطوير ChatGPT. أكّدت تقارير موثوقة أنّ كثيراً من الموظفين يعملون لساعات تتجاوز 80 ساعة أسبوعياً منذ أشهر، وسط سباق محموم لتطوير جيل جديد من نماذج الذكاء الاصطناعي ومواجهة المنافسة المتصاعدة من الشركات الكبرى.
ظهرت ذروة التوتر عندما أعلنت الشركة عن إغلاق شبه كامل لأبوابها لمدة أسبوع، في خطوة نادرة لإعطاء الموظفين فرصة للراحة واستعادة الأنفاس، بينما واصل المديرون التنفيذيون العمل بشكل جزئي.
قرار الإغلاق لم يكن معزولاً عن التطورات الأخيرة؛ فقد استغلت «ميتا» هذا الظرف لتكثيف محاولاتها في استقطاب الكفاءات، ونجحت بالفعل في تلك المدة في استدراج أربعة من كبار الباحثين في الذكاء الاصطناعي من «أوبن آي أي» إلى مختبراتها الخاصة، في واحدة من أكبر عمليات «اصطياد الكوادر» التي شهدها القطاع أخيراً.
ظهرت تداعيات هذا الضغط المزدوج، من إرهاق حاد ونزيف في المواهب، سريعاً في أداء ChatGPT.
الملاحظات عن التراجع في جودة النصوص، وضعف الابتكار، وتكرار الأخطاء التقنية صارت متداولة على نطاق واسع بين المستخدمين منذ أوائل الصيف، ثم تصاعدت الشكاوى بشكل غير مسبوق في الأسبوعين الماضيين، تزامناً مع الأزمة الداخلية وعمليات انتقال الموظفين إلى «ميتا».
GPT-5 يقترب… أزمة الأداء إلى زوال؟
تستعد «أوبن آي أي» لإطلاق الجيل الجديد من ChatGPT، مع توقعات بوصول نموذج GPT-5 خلال أسابيع، بعدما أكد الرئيس التنفيذي سام ألتمان أنّ الإطلاق سيكون على الأرجح في صيف 2025.
قد يكون تركيز الشركة المكثف على تطوير هذا الإصدار الجديد من العوامل التي أسهمت في تراجع أداء النماذج الحالية، وفقاً لتحليلات وتقارير متقاطعة.
تشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ GPT-5 يمثل نقلة نوعية في قدرات الذكاء الاصطناعي، سواء من ناحية القوة التقنية أو سهولة الاستخدام.
وأوضح ألتمان أنّ النموذج القادم سيقدم «ذكاء موحداً سحرياً» يتيح للمستخدمين تجربة أبسط وأكثر وضوحاً، من دون الحاجة إلى الاختيار بين إصدارات متعددة أو إعدادات معقدة.
وستحصل الفئة المجانية على إمكانية استخدام GPT-5 في حدود الاستخدام المعقول، بينما تتيح خطط Plus وPro الوصول إلى مستويات أعلى من الذكاء والميزات الإضافية.
من المتوقع أن تشتمل النسخة الجديدة على إمكانات صوتية متقدمة، وأدوات للبحث والتحليل، إضافة إلى تكامل مزايا مثل الرسم التفاعلي.
هذا التحول الكبير في إستراتيجية OpenAI يعزز الاحتمال بأن أزمة تراجع الأداء الحالية ستكون مؤقتة، إذ يُرتقب أن يعيد GPT-5 بناء تجربة ChatGPT ويُعيد الثقة في قدرات الذكاء الاصطناعي في المدة المقبلة.
اعتمد كثير من العاملين في الاقتصاد الرقمي على ChatGPT مصدراً أساسياً للدخل أو للعمل الحر. تراجع أداء النظام في المدة الأخيرة أثّر في إنتاجيتهم وأرباحهم، وعرّض بعضهم لصعوبات في تأمين دخلهم اليومي. رغم هذه الأزمة، هناك بوادر واضحة على أنّ الحل قريب مع إطلاق GPT-5.
المرحلة صعبة فعلاً، لكن الترقب مشروع، وهناك أمل واقعي في تحسّن الظروف قريباً مع الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار