مع نهاية نظام الرئيس السابق بشار الأسد في سورية، تُطرح تساؤلات حول انتهاء النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ومعها تساؤلات أكبر حول قدرة روسيا على الإطاحة بالولايات المتحدة الأمريكية من عرش الدولة العظمى، حيث يبدو أن واشنطن أعادت بسط نفوذها على المنطقة، فموسكو بحسب المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف وصل بها الأمر كما قال بيسكوف لإظهار عدم اليقين حتى بشأن الوجود العسكري في سوريا في ظل عملية الانتقال السياسي وعدم الاستقرار الشديد، فيما التقارير تُشير إلى سحبها مُعظم قوّاتها من سورية.
هل تنحّى الأسد بإرادته؟
ووسط تقارير تُشير إلى أن الرئيس السوري السابق قدّم استقالته بناءً على طلب روسي، حيث قال بيسكوف أن تنحّي بشار الأسد عن منصبه، كان قراره الشخصي، ومنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حق اللجوء لبشار الأسد حسب ما أعلن الكرملين الاثنين، ليبقى التساؤل مطروحًا حول أسباب تخلّي الأسد عن السلطة حتى بدون خطاب وداعي، ونهاية قال خصومه إنها عبارة عن مشهد هروب، فيما التساؤل العريض كيف انهزم الجيش السوري خلال 11 يومًا فقط مُنذ لحظة سُقوط حلب، وصولًا للعاصمة دمشق.
بماذا كان الجولاني مُنشغلاً؟
وفيما وصل توغّل إسرائيل العسكري في جنوب سوريا إلى نحو 25 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق بعد سقوط الأسد، صمت حكّام دمشق الجُدُد تمامًا حتى عن الإدانة، وكان زعيمهم الجولاني أحمد الشرع قائد فصائل المعارضة مُنشغلًا في إبلاغ السوريين والتوعّد بمُحاسبة ومُلاحقة المسؤولين المتورّطين في “تعذيب السوريين ونشر قائمة بأسمائهم”، وأشار الجولاني إلى أنه سيتم تقديم مكافآت “لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب”.
هل يطلب من موسكو تسليم الأسد؟
وتعهّد الجولاني بـ”عدم التواني عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري” مؤكدًا أنه “ستتم مُلاحقتهم وطلبهم من الدول التي فرّوا إليها لتتم مُحاسبتهم وينالوا جزاءهم العادل”، ولا يُعرف ما إذا كان الجولاني سيطلب من موسكو تسليم الرئيس السوري السابق، حيث منحته روسيا اللجوء لدواعٍ إنسانية، وهل يُفاوض الجولاني الروس على تسليم الأسد، مُقابل إبقاء قواعدهم في سورية مثلاً؟
مُقدّرات الجيش السوري
وتتعامل المعارضة السورية المسلحة مع مقدّرات الدولة السورية السابقة وكأنها تعود فقط لنظام الأسد، حيث لم يصدر بيان إدانة واحد من قبلها يُدين الهجمات على مواقع الجيش السوري، فيما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر أمني كبير أن الجيش الإسرائيلي دمّر مقدّرات الجيش السوري بأكبر عملية جوية قام بها في تاريخ إسرائيل، ما يعني هُنا إخراج سورية وجيشها تمامًا من مُعادلة المُقاومة، والردع لإسرائيل، وانضمامها رسميًّا لدول مُهادنة، وضعيفة، وتسعى لعلّه للتطبيع مُستقبلًا.
وأفادت تقارير بأنه سيتم حل الأجهزة الأمنية السورية وإلغاء قوانين الإرهاب، كما أن “الحكومة الانتقالية ستجري النظر بحالة الجيش الحالي وتبحث في إعادة ترتيب أوضاعه”، ويبدو أن إسرائيل كان لها الدور الأكبر والأوّل في القضاء على الجيش السوري وتسليحه، لتُعيد المعارضة “ترتيب أوضاعه” في مشهد قد يُعيد للأذهان بما حل بالجيش العراقي نظام الراحل الرئيس صدام حسين.
وبعد تكليف محمد البشير برئاسة الحكومة المؤقتة، عقدت الحكومة أولى اجتماعاتها في العاصمة دمشق، بحضور رئيس الوزراء المكلف ورئيس الوزراء السابق محمد الجلالي، وأكد البشير من مبنى رئاسة الوزراء، الثلاثاء، تكليفه رسمياً برئاسة الحكومة، لافتًا إلى أن اجتماع اليوم ركّز على نقل الصلاحيات التنفيذية، كما أضاف أن الحكومة المؤقتة ستشرف على قضايا الإدارة العامة خلال الفترة الانتقالية التي قد تنتهي في الأول من مارس.
احتلال دمشق؟!
وفيما تنفي إسرائيل نيّتها احتلال دمشق، حيث الأخيرة مُنشغلة باحتفالات إسقاط النظام، وتشكيل الحكومة الانتقالية، يُسلّط الإعلام العبري الضوء فجأةً على عشرات آلاف الدونمات داخل العمق السوري، ويدّعي أن البارون إدموند جيمس دي روتشيلد اشتراها زمن الدولة العثمانية لصالح الوكالة اليهودية، ما يطرح تساؤلات حول المدى الذي ستصل له الأطماع الإسرائيلية في الأراضي السورية التي انهار جيشها وقياداته، وغادر رأسه، واعتبر نتنياهو أن انهيار الأسد جاء نتيجة الهجمات التي نفّذتها إسرائيل ضد إيران و”حزب الله” وأدت إلى إضعافهما، وقال في سياق حديثه “هذا يوم تاريخي في تاريخ الشرق الأوسط، ومن جهتنا لن نسمح لأية قوة معادية بترسيخ وجودها على حدود إسرائيل”.
كما أعلن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأحد، انهيار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان.
أين قوّة إيران؟ وإعلامها ينتقد الأسد!
ومع سُقوط الأسد الذي كان بحسب توصيف نتنياهو نفسه “حلقة مركزية في محور الشر الإيراني”، التساؤلات مطروحة حول أوضاع النفوذ الايراني في المنطقة، بعد خروج القوات الإيرانية من سورية، حيث سورية بلا الأسد، وحزب الله بلا السيّد حسن نصر الله، رغم هذا تعتقد طهران وعلى لسان حسين سلامي القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني بأنها “لم تضعف، ولم تتقلّص قوّتها”، فيما دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى حوار وطني لتشكيل حكومة “تمثل جميع شرائح المجتمع السوري”.
وبشكلٍ غير مسبوق بعد سُقوطه، هاجم الإعلام الإيراني الأسد، فكتبت وكالة فارس للأنباء أن بشار الأسد “لم يُصغ جيّدًا إلى نصائح الجمهورية الإسلامية”، بل ووصل الأمر بصحيفة “هم ميهن” إلى القول بأن “الأسد كان على رأس نظام استبدادي وقمعي”، فيما لم يعد الإعلام الإيراني يصف الجماعات المسلحة بالإرهابية، كما تمنّت إيران رسميًّا مُواصلة “العلاقات الوديّة” مع سورية، جاء هذا فيما لم يمض على سُقوط نظام حليفها الرئيس السوري يوم واحد.
“تركيا المُنتشية” وأطماعها!
تركيا تبدو المُنتشية والفائزة الوحيدة من إنجازها بإسقاط الأسد، فرغبة رئيسها رجب طيب أردوغان بالصلاة بالمسجد الأموي ستتحقّق، بل إن الرئيس أردوغان كما قال مستعدٌّ للتحرّك “ضد أي شخص” يسعى للمساس بأراضيها، وأضاف من الآن فصاعدًا لا يمكن أن نسمح بتقسيم سورية مجددًا، وأدانت أنقرة بشدّة انتهاك الاحتلال لاتفاقية 1974 وتقدم قواتها داخل الأراضي السورية، فهل تتحرّك كما قال أردوغان دفاعًا عن الأراضي السورية بوجه إسرائيل؟
وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام على سورية المدعومة تُركيًّا، تُطرح تساؤلات فيما إذا كان أردوغان سيسحب الجيش التركي من الأراضي السورية، ووفقًا لتقارير فإن فصائل المعارضة السورية أبلغت تركيا بخططها للهجوم قبل 6 أشهر، مشيرة إلى أنه تم الحصول على مُوافقة ضمنية من أنقرة.
بكُل حال لا يُمكن إنكار أن سورية باتت تحت النفوذ التركي مع انكفاء النفوذين الإيراني والروسي، ما يخدم أنقرة بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتحسين الاقتصاد التركي وخفض التضخّم، لكن هذا مُرتبط بمدى قدرة حكام سورية الجدد (الإسلاميين) على إدارتها على المدى الطويل وعدم التنازع فيما بينهم، إضافة إلى تساؤلات حول الأطماع التركية بالأراضي السورية، حيث لا ينس السوريون حين قال دولت بهتشلي حليف أردوغان القومي زعيم حزب الحركة القومية بأن حلب تركية ومُسلمة حتى النخاع، تقول صحيفة “حرييت” التركية محذرة بأن أنقرة ستدفع ثمنًا باهظًا ومبالغ كبيرة في حال لم يستقر ويتغيّر الوضع في سوريا للأفضل باعتبارها الداعم الوحيد لبنائها وإعمارها!
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم