عبد الباري عطوان
لم يفاجئنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما قال في مقابلة أجرتها معه قناة “فوكس بيزنس” يوم الجمعة “ان اتفاقات ابراهام التطبيعية باتت على أعتاب توسع جديد بعد وقف الحرب في قطاع غزة”، واعرب عن تمنياته بـ”انضمام المملكة العربية السعودية واندونيسيا بعد اتصالات اجراها مع المسؤولين السعوديين والاندونيسيين”.
سمعنا هذه “التمنيات” أكثر من مرة من الرئيس ترامب في فترة حكمه الأولى، وبعد عودته للحكم في المرة الثانية، مثلما سمعنا أيضا رد القيادة السعودية عليها اكثر من مرة أيضا، وهو اشتراط قيام دولة فلسطينية قبل إقامة أي علاقات مع دولة الاحتلال، فما هو الجديد؟ وهل هناك أي تغيير في الموقف السعودي؟
***
لم يصدر حتى الآن أي رد من قبل السلطات السعودية على “تمنيات” الرئيس ترامب المذكورة آنفا، وما يعزز احتمال عدم وجود أي تغيير في موقفها، ان ولي عهدها لم يشارك في قمة شرم الشيخ الأخيرة، كما ان وزير خارجيتها لم يكن من بين الذين وقعوا على “وثيقة السلام” التي صدرت في ختام اعمال القمة، واقتصر التوقيع على رئيس الدولة المضيفة (مصر)، جنبا الى جنب مع الرئيس ترامب، ونظيره التركي رجب طيب اردوغان، والدولتان المصرية والتركية تقيمان علاقات تطبيعية مع دولة الاحتلال.
الرئيس ترامب وللتذكير، يرفض الاعتراف بحل الدولتين، وعارض بقوة المؤتمر الذي رعته كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، واعترفت فيه ما يقرب من 150 دولة بهذا الحل، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، والأكثر من ذلك ان ترامب حاول تخريبه.
الزيارة التي من المفترض ان يقوم بها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الى واشنطن في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ربما تجيب المباحثات التي ستجرى اثنائها بين الجانبين السعودي والامريكي والاتفاقات والمعاهدات المحتملة على العديد من الأسئلة في هذا المضمار، خاصة في ظل ما يتردد عن احتمال توقيع الجانبين اتفاقية دفاعية مشتركة تكون مماثلة لنظيرتها القطرية التي اكدت على ان أي هجوم على قطر هو هجوم على الولايات المتحدة الامريكية.
في خطابه الذي القاه الرئيس ترامب في الكنيست حرص على الاشادة بالمليارديرة الصهيونية ميريام أديلسون زوجة ووريثة شيلدون أديلسون، امبراطور القمار في أمريكا، التي كانت بين الحضور، والمعروفة بدعمها المطلق لدولة الاحتلال، وتوظيف ملياراتها كورقة ضغط في خدمتها، فاذا كان زوجها الراحل شيلدون ايدلسون قد اشترى ترامب بالتبرع بمئة مليون دولار لحملته الانتخابية في فترة رئاسته الأولى مقابل اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الامريكية اليها، بالإضافة الى ضم الجولان، فإن زوجته ميريام التي ضاعفت هذا المبلغ اربع مرات قد تكون انتزعت منه تعهدا بدعم حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وعدم التخلي عن دعم “إسرائيل” دعما مطلقا في مخططاتها للمنطقة بما في ذلك استخدام النفوذ الأمريكي لتوسيع دائرة التطبيع، وانضمام دول عربية وإسلامية جديدة الى ما يسمى بمنظومة “سلام ابراهام”.
توسيع دائرة تطبيع “سلام ابراهام” وضم دول عربية واسلامية اليها يعتبر في رأينا “مكافأة” لنتنياهو للمجازر التي ارتكبها في قطاع غزة، في إطار حرب الإبادة والتجويع والتطهير العرقي التي أدت حتى الآن الى استشهاد 70 الف فلسطيني، وإصابة 250 الفا آخرين نسبة كبيرة منهم من الأطفال، علاوة على تدمير 95 بالمئة من المنازل والابراج والمباني في القطاع على مدى 24 شهرا من العدوان، واعطائه صك براءة من كل هذه المجازر لمجرد موافقته على اتفاق وقف اطلاق النار، وقبول خطة ترامب المكونة من 20 نقطة جرى تطبيق المرحلة الأولى فقط، أي الافراج عن الاسرى الإسرائيليين الاحياء منهم والاموات.
الحرب لم تنته، وقوات الاحتلال ما زالت تتواجد في نصف القطاع تقريبا، واخترقت هذا الاتفاق اكثر من 50 مرة حتى الآن، والعداد يعد، وربما يصل الى اكثر من 5000 ملثما حصل لنظيره في لبنان.
***
نتمنى ان لا نقع، كعرب ومسلمين، في المرحلة الثانية من المصيدة الامريكية، أي توسيع التطبيع ومكافأة نتنياهو، فالمقاومة ما زالت قوية، وتتواجد بصلابة فوق الأرض وتحتها (الانفاق)، ولم ولن تتخلى عن سلاحها، سواء بالمفاوضات او بالقوة، ونتنياهو لم يحقق أيا من أهدافه ابتداء من تدمير حركة حماس وقدراتها العسكرية، او اخلاء القطاع من سكانه لإعادة احتلاله بالكامل، وسرقة ثرواته “الغازية” وتحويله الى “ريفيرا” شرق أوسطية تدر مئات المليارات لسماسرة العقار الصهاينة، بقيادة السمسار الأكبر ترامب، وزوج ابنته كوشنر، وتابعه ستيف ويتكوف، ولا ننسى مجرم الحرب توني بلير.
الحذر مطلوب، ورفض التطبيع قمة الحكمة، وعلينا ان نتذكر ان ترامب لن يعمر طويلا، وامامه عام واحد فقط قبل الانتخابات النصفية (نوفمبر 2026) التي سيهزم فيها، ويخسر حزبه اغلبيته في مجلس النواب والشيوخ حسب استطلاعات الرأي التي تؤكد انخفاض شعبيته وحزبه بأكثر من 30 بالمئة واحد أبرز الأسباب دعمه للكيان وحرب الإبادة.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم