تُبدي أنقرة انفتاحًا على سورية، ونيّة ورغبة للتطبيع مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن يبدو أن هذا الانفتاح كما وصفه الرئيس الأسد أمام مجلس الشعب، بالمُجاملة، مُجاملة أكثر منه مُصارحة، ما يعني أن أنقرة لا تُريد فعلًا الانسحاب من الأراضي السورية، وهو الشّرط الأساسي الذي يضعه الرئيس السوري ليقبل مُصافحة نظيره التركي رجب طيّب أردوغان، حيث الأخير كرّر رغبته بمُقابلة الأسد، والعودة للعلاقات “عائليًّا”.
انطباع المُجاملة التركي هذا، أو المُناورة، أوحى بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، والذي غادر فورًا قاعة اجتماع وزراء الخارجية العرب في دورته العادية 162 الثلاثاء، بمقر الأمانة العامة للجامعة في القاهرة، لدى الإعلان عن كلمة وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، وهو مشهد لا يتطابق لعلّه مع الأنباء التي تتحدّث عن قرب لقاء الأسد، ونظيره أردوغان.
ولافت أن مُغادرة وزير الخارجية السوري لم تكن مُصادفة، حيث حرص الوزير السوري على المُغادرة، وترك مقعده لأحد أعضاء الوفد السوري المُشارك، مع استمرار تمثيل سوريا بالاجتماع، قبل أن يعود للاجتماع مرة أخرى عقب انتهاء كلمة وزير الخارجية التركي، في رسالة سورية حملت الكثير من المعاني للأتراك، ما يعني رفضًا سوريًّا للتواجد التركي في اجتماعات الجامعة العربية.
وأعاد وزير الخارجية السوري اشتراطات دمشق لعودة العلاقات مع أنقرة قائلًا: “إذا أرادت تركيا أن تكون هناك خطوات جديدة في التعاون السوري – التركي، وأن تعود العلاقات إلى طبيعتها»، فعليها الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في شمال سوريا وغرب العراق”.
وأضاف المقداد مع مطلع القرن الحالي تم نسج علاقات استراتيجية مع تركيا، لكي تكون الدولة التركية إلى جانب سوريا في نضالٍ مُشترك لتحرير الأراضي العربية المحتلة، لكن تركيا عملت على نشر جيشها في شمال الأراضي السورية، وأقامت معسكرات في احتلال للأراضي العربية السورية.
المقداد يُريد من تركيا التخلّي عن سياساتها الحالية تمامًا، حيث أكّد مطالب دمشق بوجوب تراجع تركيا عن هذه السياسات، وأن تتخلى عنها بشكل نهائي؛ لأن من مصلحة الشعبين السوري والتركي أن يكون هناك علاقات طبيعية بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة، والتي يجب أن تتوحّد الجُهود لمُواجهتها.
ولا تنظر دمشق فيما يبدو إلى دعوة أردوغان تشكيل محور تضامني سوري- مصري- تركي لمُواجهة إسرائيل بشكل جدّي، حيث قال المقداد بأنه يجب أن تكون هذه رغبة تركية صادقة وحقيقية من الإدارة التركية في هذا الملف.
وأضاف وزير الخارجية السوري، أن سوريا تُعلن دائمًا أنها لن تتوقّف عند الماضي لكنّها تتطلّع إلى الحاضر والمُستقبل وتأمل أن تكون الإدارة التركية صادقة فيما تقوله، لكن بشرط أن تتوافر مُتطلّبات التوصّل إلى هذا النوع من التعاون، وهو أن تنسحب تركيا من الأراضي السورية والعراقية.
وبعد 13 عامًا على غياب تركيا عن اجتماع وزراء الخارجية العرب، ونتيجة تدخّلات أنقرة بالشؤون العربية، تُبدي دمشق رفضها لهذه العودة التي لا تُحقّق شرط عدم التدخّل التركي بالدول العربية وعلى رأسها سورية، أو كما قال الرئيس السوري: “نحن لم نحتل أراضي بلد جار لننسحب ولم ندعم الإرهاب كي نتوقّف عن الدعم والحل هو المُصارحة وتحديد موقع الخلل”.
ورغم الإشارة السلبية السورية للتواجد التركي بالاجتماع المذكور، كان لافتًا تجنّب الأتراك الجانب الرسمي التعليق عليها، ما أوحى بأن أنقرة لا تزال تسعى من جانبها للتطبيع مع دمشق، ولا تُريد غلق الطريق، والعودة للبداية.
وعلّق وزير الخارجية التركي الأسبق، علي باباجان، الذي يتولى حالياً رئاسة حزب “الديمقراطية والتقدم” المُعارض، على الواقعة خلال مقابلة تلفريونية، الأربعاء، قائلاً: “إن إعادة العلاقات مع سوريا إلى طبيعتها يستلزم تمهيد الأرضية لذلك”.
وأضاف باباجان: سوريا الآن دولة مجزّأة، وهناك قوى كثيرة على الأرض، فالولايات المتحدة لها وجود وسيطرة في شمال شرقي سوريا، وروسيا تشكّل القوة التي دعمت الرئيس السوري بشار الأسد، وجعلته قادراً على الصمود حتى الآن، وهناك إيران أيضاً، وكذلك يمكن أن يلعب العراق دوراً، ولا بد لتركيا من التواصل مع جميع هذه الأطراف، من أجل تهيئة المناخ الملائم لعودة العلاقات مع دمشق، وهو أمر سيستغرق وقتاً.
باباجان اعتبر مُغادرة المقداد، ليُقلّل من تمثيل الوفد السوري خلال إلقاء فيدان كلمته، تعبيراً عن رفض دمشق مشاركة تركيا في الاجتماع، على الرغم من أنّ مُشاركة وزير الخارجية التركي يُفترض أنها تمّت بعد مُوافقة جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية على حُضوره الاجتماع.
وفيما تُكرّر أنقرة إسطوانة وجوب عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم كأحد شُروط التطبيع مع دمشق، يقطع المقداد الطريق، قائلًا في تصريحات خلال حوار مفتوح مع إعلاميين ومفكرين وكتاب مصريين أجراه في مقر السفارة السورية في القاهرة، قال المقداد إن الحكومة السورية “ترحب بعودة اللاجئين السوريين، ولم يعتقل أي سوري لاجئ عاد إلى البلاد”، وأضاف أن بلاده “أسقطت جميع الأحكام السياسية والأمنية ضد السوريين، إلا قضايا الحقوق الشخصية”.
وبصريح العبارة أكّد المقداد أنه “لا يُمكن أن تكون هناك قوّة تمنع السوريين من العودة إلى بلدهم”.
وعلى عكس حالة الشّك والريبة التي تتعامل دمشق فيها مع أنقرة، تنظر سورية إلى مصر بنظرة ثقة، حيث قال المقداد حول إمكانية أن تلعب مصر دورًا في التقريب بين سورية وتركيا، قال فيصل المقداد إن حكومته “تثق تماماً أن مصر ستفعل كل ما هو في مصلحة سورية، فنحن بيننا تطابق بنسبة 90% في كل القضايا تقريباً”.
ويبدو أنّ دمشق نجحت بإحراج تركيا العلني، وتعمّدت ذلك بشكلٍ مدروس، وصل إلى حد إهانة سورية لتركيا، وهذه مُلاحظات ليست سوريّة، بل جاءت من أوساط تركية، حيث رأى السياسي إيروزان أن مغادرة وزير الخارجية السوري جاءت تحدٍّ للجانب التركي.
وفيما حاولت أصوات تركية مُقربة من السلطة، القول إن سورية تركت أحد أعضاء الوفد السوري لسماع كلمة فيدان، قال مسؤولون بحزب الشعب الجمهوري المُعارض بأنه من الطبيعي أن يبقى شخص واحد من الوفد السوري، وهو أصغرهم.
الصحفية التركية هدية ليفينت قالت إن الأمور بين دمشق وأنقرة لا تسير وفق ما تريده أنقرة.
الثابت في كل هذا بكل حال بأن أنقرة ستعود إلى حضن دمشق، بشُروط الأخيرة (دمشق)، حيث الأخيرة مُنتصرة، وحتى وإن كانت الوساطة تُدار من قبل روسيا، وبعدها إيران، هذا الاستنتاج لخّصته لعلّها عضو الهيئة الإدراية في حزب الديمقراطية التركي التي قالت: “سوريا التي حاول حزب العدالة والتنمية تقويضها على مدار 13 عامًا، قالت أمام الجميع إن دولتي هي الأهم، وبالتالي شروطي هي السارية”!
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم