| هدى رزق
رصدت إيران بكثير من الدقة الانتخابات التركية التي تشكل، برأيها، نقطة مفصلية في مستقبلها وعلاقاتها الإقليمية والدولية. وترى القيادة الإيرانية أن النتائج يمكنها أن ترسم معالم الإقليم ومنطقة غرب آسيا، في المرحلة المقبلة.
تعدّ ظاهرة التنافس أحد أوجه التفاعل بين الدول، فكل دولة تسعى لتحقيق مصالحها وأهدافها، انطلاقاً من إمكانياتها المتاحة على شكل تسابق سلمي، لكن الانفراد ومنع الآخر من الوصول إلى الإمكانات يشكلان سبباً للتوتر، فيخرج التنافس من نطاقه السلمي ويتحوّل إلى صراع، وإن تحوّل في اتجاه إيجابي يؤدي إلى التعاون. يشير التنافس عادة إلى الاختلاف بين الدول، ويأخذ أبعاداً سياسية واقتصادية.
تركيا وإيران قطبان إقليميان يستندان إلى أهمية مواقعهما الاستراتيجية، يظلل علاقتهما كثير من القضايا الحسّاسة، من الخلاف بشأن السدود إلى الوضع في سوريا والعراق والتحوّلات الكبرى التي يشهدها الوضع الإقليمي، إلى التنافس في آسيا الوسطى والخلاف في جنوب القوقاز، جميعها أسباب تؤثر مباشرة في العلاقات بينهما، لكن أهمّ ما يجمعهما هو الموقف المشترك من الدعوات الانفصالية أو مشاريع الحكم الذاتي الكردية.
انشغلت إيران في متابعة الانتخابات التركية التي امتدت إلى دورتين انتخابيتين حدّدت من خلالهما غالبية الناخبين الأتراك رغبتها في إعطاء تحالف حزب “العدالة والتنمية” والرئيس إردوغان فرصة 5 سنوات من أجل تحقيق وعوده، التي ترنو إلى جعل تركيا دولة إقليمية كبرى.
رصدت إيران بكثير من الدقة الانتخابات التركية التي تشكل، برأيها، نقطة مفصلية في مستقبلها وعلاقاتها الإقليمية والدولية. وترى القيادة الإيرانية أن النتائج يمكنها أن ترسم معالم الإقليم ومنطقة غرب آسيا، في المرحلة المقبلة.
على الرغم من الشحن الذي مارسه الإعلام الغربي للرأي العام التركي ضد “العدالة والتنمية” في بلدان الاغتراب الأوروبية والأميركية، وفي الداخل حيث تم استهداف الشباب وتحريض الفئات الصامتة للتأثير في توجهاتهم الانتخابية، عملت إيران على تسهيل لقاء وزيرَي خارجية سوريا وتركيا في موسكو، ولعبت دوراً في تشجيع المحادثات والاستعدادات لرسم خارطة طريق يمكن اعتمادها تسهيلاً للانسحاب التركي من سوريا في محاولة جدية لإغلاق البازار الانتخابي حول ملف العلاقة بين سوريا وتركيا، فيما كانت روسيا تلعب دوراً في دعم الاقتصاد الذي ساهم في تثبيت الليرة التركية، وقد عملت بشكل حثيث على تأجيل الديون المترتبة عن استيراد الغاز الروسي، إضافة إلى التعاون في مجال السياحة.
راهنت إيران على فوز إردوغان وعودته إلى السلطة ليكمل مسار التباعد بين تركيا والغرب ويقترب أكثر من المشروع الأوراسي، من أجل بناء منظومة مصالح اقتصادية واستراتيجية جديدة تمتدّ حتى الصين وروسيا، وهي ترى أن حزب “العدالة والتنمية” قد أبعد تركيا عن سياق مصالح حلف “الناتو” والتأثير الأميركي، وخطّ لنفسه سياسة مستقلة عمادها مصالح تركيا من منظوره الاستراتيجي، وبذلك يمكن أن تحقق التوازن في المنطقة.
وقد رأت طهران أن وصول كليجدار أوغلو سوف يسهل عودة التأثير الأميركي و”الناتو” بما قد يعني عودة التهديد الاستراتيجي لدورها وموقعها في المعادلات الإقليمية، وبالتالي سيمهد انتصار تحالف “الطاولة السداسية” غير المتجانس، لتراجع التوازن الإقليمي الذي تساهم تركيا إردوغان في إرسائه، لصالح الاهتمام بالداخل، إذ يمكن أن تنشأ الصراعات التي لا شك في أنها ستنفجر بين أطراف التحالف نفسه وبينه وبين خصومه، بما ينذر بالفوضى والصراعات القومية والتدخلات الخارجية التي لن تكون في صالح إيران وروسيا.
التغيير في تركيا قد يشكّل تحدّياً أكثر تعقيداً لطهران من استمرار إردوغان وحزبه في السلطة وقيادة تركيا في المرحلة المقبلة التي تُعدّ حسّاسة ومفصلية ومقرّرة بالنسبة إلى موقع النظام الإيراني ومنظومته ودورهما الاستراتيجي.
تحديات العلاقة الإيرانية -التركية
تركيا وإيران قوتان إقليميتان تتنافسان على النفوذ في دول مجاورة تعدانها حديقتهما الخلفية. انتقلت تركيا بعد فشلها في مشروع تحويل السلطة في المنطقة إلى الإسلام السياسي من موقع الخصم إلى موقع المتعاون مع إيران؛ من أجل إعادة ترميم العلاقة مع النظام في سوريا، وضمان إسقاط مشروع الحكم الذاتي الكردي المتمثل بـ”قسد”.
لكن انتقال طموحات إردوغان إلى بناء مشروعه “رابطة الدول الناطقة باللغة التركية” في المجال الأوراسي؛ تعويضاً عن تراجع تأثيره في الشرق الأوسط أدخله مرة أخرى في تنافس مع إيران التي لديها مصالح على المستوى الاقتصادي في هذه الدول، وعلى الرغم من انعدام الارتباط الجغرافي بين تركيا وبين آسيا الوسطى، استعملت أنقرة أوراقاً أيديولوجية وثقافية واقتصادية بغية تحقيق طموحاتها، إذ يراهن إردوغان على هذه الدول للخروج من أزماته الاقتصادية، أما إيران فانتهجت بعد قصور في استراتيجيتها تجاه بعض دول آسيا الوسطى سياسة بناء الشراكات الاقتصادية وزيادة معدلات التجارة، وحققت بهذا مكاسب اقتصادية وقفزات تجارية ملموسة في شراكاتها مع دول مثل تركمانستان المحاذية لها، وطاجكستان، وأوزبكستان، وبلغت تجارتها مستويات مهمة مع قيرغيزستان وكازاخستان.
أهم مقترحات التنمية التي تطرحها إيران توفير ممر طاقوي لنقل صادرات دول المنطقة عبر الأراضي الإيرانية في اتجاه الخليج العربي.
أما في جنوب القوقاز، فقد بنت أنقرة شراكات استراتيجية مع خصوم إقليميين لإيران، كـ “إسرائيل”. كانت الدولتان قد اتخذتا مواقف متناقضة إزاء الصراع الأذربيجاني -الأرميني بعد الدعم التركي لأذربيجان ما أوجد تغييراً في الوضع الجيوسياسي في منطقة القوقاز الجنوبي، والعمق الأوراسي الإيراني من خلال مشروع قطع طرق التواصل البرّيّة بين إيران وأرمينيا التي تشكّل الممرّ البرّي الذي يربط إيران بأوروبا وله أهمّيته الاقتصادية لطهران.
تعزيز التعاون الأذري-التركي-الإسرائيلي، وإثارة ورقة حقوق العرقية الأذرية أزعجا إيران التي تحوز على عدة أدوات منها تعمق العلاقات الإيرانية مع موسكو مؤخراً، والتي يمكنها كبح جماح باكو، فرغم انشغال روسيا بحرب أوكرانيا فإنها تظل لاعباً محورياً في جنوب القوقاز.
قدرة تركيا وإيران على مواصلة إدارة هذه العلاقات بشكل مستقر وتقليص التنافس بفعل التحولات الإقليمية، ورغبة كل من أنقرة وطهران في استغلال الفراغ الناجم عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة لتعزيز دورهما الإقليمي ما قد يخفف من حدة التنافس إلى شكل من التعاون بينهما، وهذا ما تأمله طهران.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين