نبيه البرجي
هي ظروف هائلة، وهي قامات اسطورية، في مواجهة المقاومة اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية، الأرمادا العسكرية الاسرائيلية، بالأسلحة الأميركية الأكثر تطوراً، والاشد فتكاً، وبالترسانة الالكترونية التي ترصد حتى دبيب الملائكة في العالم الآخر (آلفن توفلر). لا بأس أن نستعيد كلام بابلو نيرودا عن حرب فيتنام، و”حيث أزهار الاقحوان تكسر ضوضاء الأعاصير”.
اختلاف شاسع بين فيتنام بالـ 331690 كيلومتراً مربعاً، وبالـ40 مليون نسمة، آنذاك، وكل من لبنان وغزة، بالمساحة الضيقة وبالكتلة البشرية الضئيلة. كما أن الاتحاد الروسي غير الاتحاد السوفياتي الذي زود هو شي منه (والجنرال نغوين غياب) بـ 95 منظومة للدفاع الجوي الشديدة الفاعلية، اضافة الى 5000 مدفع مضاد للطائرات و500 طائرة و1000 مستشار عسكري.
المواجهة التي دامت بين عامي 1964 و 1973 أدت الى مقتل 58000 أميركي، واسقاط 10000 طائرة من كل الأنواع، اضافة الى 2500 أسير ومفقود، لتتحدث النجمة الهوليوودية جين فوندا عن”عارنا الى الأبد” حين لاحظت أن الآلاف من الجنود الأميركيين عانوا من الصدمات النفسية بسبب “الأهوال العسكرية” بين مستنقعات الميكونغ أو بسبب الهيرويين والأمفيتامين والماريغوانا، لتظهر في البلاد “متلازمة فيتنام” Vietnam Syndrome.
الاختلاف أيضاً مع الحرب في أفغانستان بالـ 652860 كيلومترا مربعًاً، وبالـ 40 مليون نسمة. وبما دعاه الجنرال ديفيد بترايوس “التقاطع الميثولوجي بين التضاريس البشرية والتضاريس الطبيعية”. جبال وأودية لكأنها من كوكب آخر. ليقول “كنا نشعر، أنا وضباط القيادة، أننا نقاتل كائنات من كوكب آخر”. الا يوحي الأداء الخارق للمقاومة في لبنان، وفي غزة، بكوننا أمام كائنات من كوكب آخر؟
مللنا من الحديث عن غياب العرب، وعن غيبوبة العرب. لا نتصور أن هؤلاء الذين حشروا في غرفة شهرزاد (ولن نقول أكثر) يمكن أن يستيقظوا حتى يوم القيامة…
غريب ذلك القيصر الذي على يقين بأن الولايات المتحدة تراهن على تفكيك الاتحاد الروسي، مثلما حدث للاتحاد السوفياتي، على أن تشتري سيبيريا مثلما اشترت آلاسكا لالحاقها بالأمبراطورية، لا يتجرا على بيع ايران، أو سوريا، لا منظومات الدفاع الجوي المتطورة، ولا الطائرات الحديثة، حجته أن مثل هذه الخطوة، في الظروف الراهنة، لا بد أن تحدث حالة من الجنون النووي لدى قادة الدولة العبرية، لنسال صديقنا فلاديمير بوتين “اي اسرائيل لولا القاذفات الأميركية التي لكأنها خرجت، للتو، من أقاصي الجحيم”. الأمبراطورية التي تجمع كل مواصفات الفردوس البشري والجحيم البشري في آن…
جوزف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد سأل “متى نرمي بقبعة الكاوبوي في سلة القمامة؟”. هو الذي تنبأ بالزلزال المالي عام 2008، وكاد يفضي الى الزلزال السياسي، بعدما ناهزت تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق الثلاث تريليونات دولار. باحثون في جامعة هارفارد قدّروا التكلفة بما بين 4 و 6 تريليونات دولار. وزير الدفاع السابق روبرت غيتس ندد بـ “ثقافة المال اللامتناهي”، على أنها “طريقنا الى الهاوية” !
الكاتب الأميركي الشهير نورمان ميللر (مؤلف “أغنية الجلاد” و”العراة والموتى”) لاحظ أن “رجالنا في العالم اما الأغبياء أو المجانين”. لم يقل الموتى أيضاً (موتى الأزمنة). أي مجنون ذاك، وفي “عالم اللامبالاة”، الذي يعتبر أنطونيو غرتريش، الآتي من ليل الحفاة في أميركا اللاتينية بـ “الشخص غير المرغوب فيه” Personna non grata، لنجاري الفيلسوف الفرنسي لوي التوسير في قوله “لا مكان في هذا العالم الا للبرابرة”.
ولكن من يقود الكرة الأرضية سوى الدولة التي رجالها الأغبياء والمجانين والبرابرة، والذين دائماً ينتهون مثلما تنهي الثعابين ( بغرس رؤوسها في الارض)؟
منذ ألف عام، ونحن ضحايا هذا النوع، أو ذاك النوع، من البرابرة. ودائماً العرب برابرة العرب. أولوية السيد “الالتزام الأخلاقي”. من قرون انقضى زمن الأنبياء وزمن الأولياء، وحتى زمن الملائكة. قبل وفاته عام 1986، قال مؤرخ الأديان الروماني ميرسيا الياد “انتظروا خروج الآلهة القدامى من فوهات الجحيم”. لقد خرجوا…
في هذه الحال، لو مرة وحيدة نكون البرابرة في وجه البرابرة…
(سيرياهوم نيوز1-الديار)