في العلاقات الرسمية السعودية- المصرية، لا يُوجد خلاف علني مرصود، ولكن في الإعلام، وعلى المنصّات التواصلية، كان التنافس والتناكف حاضرًا بين البلدين، على خلفية الحدث التاريخي الذي شهدته مصر، بافتتاح المتحف المصري الكبير، والذي يُعد أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، ويمتد على مساحة 490 ألف متر مربع عند سفح أهرامات الجيزة.
في المُجاملة السياسية أو الدعم لمصر، غاب قادة وزعماء دول الخليج عن الحضور لحفل الافتتاح، وأرسلوا عنهم تمثيلًا أقل، رغم أن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية السفير محمد الشناوي كان قد أعلن أنه المقرر أن يُشارك في هذا الحدث التاريخى ملوك وملكات وأولياء عهد وأمراء وأعضاء من الأسر الحاكمة ذكر من بينهم البحرين، وسلطنة عمان، والإمارات، والسعودية.
أرسلت الرياض وزير ثقافتها بدر بن عبدالله بن فرحان لحضور حفل الافتتاح، فيما التساؤلات حضرت حول أسباب غياب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، رغم العلاقات الجيّدة بين القيادة المصرية، وقادة الدولتين، في حين حضر قادة وزعماء دولة غربية إلى الحفل، وأهمية دعم الدول العربية لنظيرتها العربية في مثل تلك المُناسبات.
وكان تمثيل الإمارات في الحفل أعلى من التمثيل السعودي، حيث حضر خالد بن محمد بن زايد الافتتاح، وهو ولي عهد أبو ظبي.
التساؤلات مُثارة حول الغياب الخليجي، كون مصر وجّهت دعوات رسمية لهؤلاء القادة، إضافةً إلى دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (لم يحضر)، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (لم يحضر)، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (لم يحضر)، فيما حضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومثّلت الأردن الملكة رانيا العبدالله.
وسبق هذا الغياب، عدم حضور الأمير بن سلمان والشيخ بن زايد قمة شرم الشيخ أكتوبر الماضي، للتوقيع على وثيقة وقف إطلاق النار في غزة، بموجب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث قمّة حضرها الرئيس ترامب بنفسه، الأمر الذي قد يُعزّر تكهّنات تعمّق الخلافات بين مصر من جهة، وبين السعودية، والإمارات من جهةٍ أخرى.
وعلّق ضاحي خلفان نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، على افتتاح المتحف المصري الكبير، عبر تدوينة على منصة إكس، قال فيها: “لو استمروا الإخوان في حكم مصر…لما اُفتتح متحف بهذا المستوى الرفيع، وستكون المعابد السرية للإخونجية بديلًا عنه”.
وتُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات المصرية- السعودية- المصرية- الإماراتية، ستتراجع على حساب تقدّمها مع قطر، حيث كانت مصر وقطر، أقرب إلى غزة في ملف التفاوض، بينما كان لافتًا، اهتمام السلطات القطرية بالسماح لتجمّع أعداد كبيرة من الجالية المصرية في ساحة “دي كتارا ” لمُشاهدة الاحتفالية على الهواء مباشرة.
وساحة “دي كتارا” أهم ساحة في العاصمة القطرية الدوحة، ومن المعلوم أن قطر وإعلامها كانوا يشنّون حملات إعلامية قاسية ومُناهضة لنظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بعد إطاحته والجيش المصري لنظام الإخواني الرئيس المعزول محمد مرسي.
حصل هذا، في حين جرى الإعلان اليوم الخميس عن توقيع مصر ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية المصرية شراكة استثمارية مع شركة الديار القطرية لتنمية منطقتي سملا وعلم الروم بمرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط باستثمارات تتخطى 29.7 مليار دولار.
ثمّة تقارب قطري- مصري لافت، رغم غياب أمير قطر تميم بن حمد عن حفل افتتاح المتحف المصري هو الآخر، وإرسال الدوحة وزير الثقافة.
وبينما تملأ الدوحة فيما يبدو الفراغ السعودي في مصر، تبدو الرياض غير مُهتمّة بالاستثمار لدى مصر، أو تراجعت عنه، حيث تصريح لافت لوزير السياحة السعودي أحمد الخطيب قال إنها “تركز على إضافة المزيد من المساحات الفندقية المحلية”، وبينها “مشروعات على شواطئ البحر الأحمر لديها، مؤكدًا أنها “لم تقرر بعد ما إذا كانت ستستثمر في منطقة مطلة على البحر الأحمر في مصر”.
قرأت الصحافة السعودية المحلية تصريحات وزير السياحة السعودي بأنه التزام من الرياض بسياسة التأنّي ودراسة الجدوى قبل الدخول في أي استثمارات جديدة خارج حدودها، خُصوصًا في ظل تقلّبات الأسواق الإقليمية والدولية.
الخلاف السعودي- المصري الذي يبدو صامتًا، ظهر قبل هذه الأحداث، على لسان رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، والذي وجّه انتقادات لاذعة قرأها المصريون أنها موجهة لبلادهم.
ردّت القاهرة، بدورها، حيث اهتمّت بإعادة مكانة الممثل المصري محمد سلام، والذي كان انتقد إقامة موسم الرياض أثناء حرب غزة، وذلك من خلال إظهاره خلال احتفالية “وطن السلام” في العاصمة الإدارية حضرها الرئيس السيسي، حيث جرى حرمانه (محمد سلام) من المُشاركة في جميع الأعمال الفنية المصرية ذات الإنتاج السعودي لوقوفه إلى جانب غزة، ورفضه المُشاركة في مسرحية بالرياض في حين يُقتل الشعب الفلسطيني بالقطاع.
أما العلاقة المصرية مع الإمارات، فقد فرض البنك المركزي المصري، في سابقة، غرامة مالية مليار جنيه (21 مليون دولار) على بنك (أبوظبي الأول– مصر)، ثالث أكبر بنك أجنبي بالسوق المحلية، فيما تعادل الغرامة 4 بالمئة من صافي أرباح البنك العام الماضي، والبالغ 3.26 مليار جنيه.
ومع هذه المواقف المرصودة، التي قد تُعزّز خلافات مصرية- سعودية- إماراتية، وربّما قد تظهر للعلن الرسمي، عادت للواجهة، فتوى قديمة لمفتى السعودية الحالي الجديد صالح الفوزان، حول الحكم الشرعي لزيارة “الآثار الفرعونية”، حيث فتوى قديمة في العام 2023 عادت بالتزامن مع مُباهاة المصريين بتاريخهم.
ويتساءل الفوزان في الفتوى المتداولة والمنشورة على صفحته الرسمية بمنصة “يوتيوب”: “هل يجوز زيارة الآثار الفرعونية في مصر ورؤية المومياوات الفرعونية المحنطة هناك؟”.
ويجيب الفوزان ردًّا على التساؤل: “ماهي الفائدة منها؟ إن كان الفائدة الاعتبار والاتعاظ والخوف من الله عز وجل فلا بأس، إما أن كان المقصود التفرج والتنزه أو تعظيم هؤلاء على أنهم أصحاب حضارة وأصحاب قدرة والثناء عليهم فهذا لا يجوز، لما مروا في ذهابهم أو مجيئهم مع النبي محمد، لما مروا بديار ثمود، وهم ذاهبون إلى تبوك (غزوة تبوك)”.
من جهتها ذكرت دار الإفتاء المصرية في رد على سؤال نصه: “ما موقف الإسلام من إقامة تماثيل لشتى الأغراض؟”، قالت في بيان منشور على موقعها الرسمي: “لما كانت الأمم الموغلة في القدم كالمصريين القدماء والفرس والرومان وغير أولئك وهؤلاء ممن ملأوا جنبات الأرض صناعة وعمرانا قد لجأوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيا وسياسيا وحربيا نقوشا ورسوما ونحتا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع، وكان القرآن الكريم في كثير من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار”.
في ميدان الإعلام والمنصّات، لا تبدو العلاقات المصرية- السعودية في أفضل أحوالها، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول حالها على أرض الواقع، لكن في المُقابل، اختتم اللواء أحمد خليفة، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، زيارة رسمية إلى العربية السعودية، عُقد خلالها الاجتماع الحادي عشر للجنة التعاون العسكري المصري–السعودي، برئاسة مشتركة مع نظيره السعودي اللواء فياض بن حامد الرويلي، رئيس هيئة الأركان العامة.
هذا الاجتماع المصري- السعودي وصفه تقرير نشره موقع “ناتسيف نت” الإخباري العبري من أن أي تحالف عسكري ثنائي بين مصر والسعودية قد يعيد رسم خريطة القوة جنوب إسرائيل، ويخل بالموازين الأمنية الحالية في المنطقة.
التساؤل المطروح: أيّهما يعكس حقيقة العلاقات بين الدول المذكورة.. المُناكفات الإعلامية ضد بعضها في الميدان الافتراضي أم الاجتماعات العسكرية مع بعضها بالميدان الواقعي والتي تُقلق إسرائيل؟!
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم
syriahomenews أخبار سورية الوطن
