| علي عبود
لانستبعد أن يكون السبب الرئيسي لمعارضة إنتخاب سليمان فرنجية رئيسا للبنان ان تكون زيارته الرسمية الأولى أوالثانية إلى سورية، وهذا الأمر لن يتحمله المذعنون للأمريكان سرا وعلنا!
ولعل السؤال الذي يحّير أصدقاء سورية في لبنان: لماذا لم يكسر الرئيس ميشيل عون القطيعة مع سورية بزيارة رسمية إلى دمشق ولو في الأيام الأخيرة من إقامته في قصر بعبدا؟
لقد حرص المقربون من عون إلى التأكيد مرارا إن الإتصالات الهاتفية أوعبر مبعوثين شخصيين للرئيس الأسد لم تنقطع خلال السنوات الرئاسية، لكن هذا لايُغيّب الحقيقة: الرئيس عون لم يزر رسميا سورية في حين بادر بعد أيام من إنتخابه رئيسا إلى زيارة السعودية التي أنخرطت بالمال والسلاح بسفك الدم السوري وبالتآمر مع الأمريكان والأتراك ليس لإسقاط “النظام”، وإنما إلى تدمير بناها ومرافقها ومنشآتها الصناعية والخدمية!
ولم تتوقف التوقعات على مدى ست سنوات بأن الجنرال سيفعلها في يوم ما، ولو في اليوم الأخير كرئيس للبنان، لكنه عاد إلى “الرابية” ولم يفعلها!!
لاندري الأسباب الحقيقية لعدم زيارة الرئيس اللبناني السابق الجنرال عون لسورية، ولكن من السذاجة القول إن الرجل كان يخاف من الأمريكان، أولايريد إغضاب السعودية، فقد كان خلال مسيرته الطويلة والعنيفة لايرضخ ولا يُذعن لأي كان، ولا يفعل سوى قناعاته، وبعناد واستشراس، لم نعهده لدى أي سياسي في لبنان!
ولم نكن لنتحدث عن الزيارة الرئاسية إلى سورية لولا القرار المفاجئ للجنرال عون بالإعلان عن تكليف وفد حكومي لإجراء اتصال مع الجانب السوري لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بعد ساعات من توصل لبنان لتفاهم مع حكومة العدو على الحدود النفطية البحرية، بعد تهديد فعال من المقاومة اللبنانية!
لم ينتظر الجنرال عون إلى مابعد توقيع التفاهم، بل أعلن سريعا عن تشكيل وفد التفاوض مع سورية لترسيم الحدود، تحت ضغط انتهاء ولايته، مع انه كان بإمكانه فعلها على “المستريح” خلال السنوات الماضية!
ماجرى بعدها يثير التساؤلات بل والريبة أيضا، فخلافا لأي أعراف وبروتوكولات متّبعة بين الدول، حتى الصديقة منها، قام الوفد اللبناني المكلف من الجنرال عون بتحديد موعد زيارته إلى دمشق قبل 36 ساعة، ونجزم إن الحكومة السورية سمعت بتاريخ زيارة الوفد اللبناني من الإعلام، أي دون إتصالات مسبقة مباشرة أوعبر وزارتي خارجية البلدين!!
السؤال: من ورّط الجنرال عون الذي كان يستعد لمغادرة منصب الرئاسة بالإعلان عن مفاوضات لترسيم الحدود اللبنانية السورية دون أي ترتيبات بين الجانبين، ليوحي للعالم الداخلي ولفريق الأمريكان في لبنان، إن سورية مثل العدو الإسرائيلي يغتصب الحدود البحرية اللبنانية؟
لايمكن القفز على واقع كيفية نظرة اللبنانيين إلى سورية، فلطالما كانت نظرة فوقية إن لم يكن علنا فحتما في الإجتماعات الخاصة، مع إن الإستخفاف لم يكن ناجحا أبدا مع السوريين، بل أدى دائما إلى نتائج عكسية، والدليل إعلان سورية عدم وجود موعد لاستقبال الوفد اللبناني!
قد يرى الكثيرون، وليس البعض فقط، من اللبنانيين أن زيارة وفد رسمي لبناني إلى سورية هو “منّة” أومنح شرعية إلى “النظام”، والدليل إن رؤساء حكومات لبنان كانوا يصفون زيارة وزراء إلى سورية بأنها “شخصية” لارسمية!!
أكثر من ذلك إن صمت الأمريكان وعدم الإعلان عن معارضتهم لزيارة وفد حكومي لبناني إلى سورية كما فعلوا مع حكومات عربية أخرى يثير الريبة الشديدة، فقد أعجبهم قطعا تعاطي لبنان الرسمي لكل من سورية وإسرائيل على قدم المساواة في ملف ترسيم الحدود سواء البرية أم البحرية!!
السؤال المريب جدا: لماذا رفض لبنان على مدى السنوات الماضية التنسيق مع سورية في ملفات النازحين والتهريب،والأمن، والتبادل التجاري، وتمرير الكهرباء والغاز من مصر والأردن..الخ في حين كان متلهفا لإنهاء ملف الترسيم البحري بالتزامن مع الترسيم مع العدو؟
نعم، هناك لغز ما في توقيت إحياء ترسيم الحدود البحرية مع سورية قبل مغادرة الجنرال عون قصر بعبدا بأيام، وكأنّه كان هناك لدى البعض رهان على “مونة” لبنانية على السوريين ستثمر عن انتزاع بلوكات غاز من الجانب السوري لصالح لبنان، كما حصل سابقا في اتفاقيات تقاسم المياه المشتركة لنهري العاصي والكبير الجنوبي!!
أن من يريد التعامل بسورية “بالمونة”، أو بإحراجها لاينصاع للغرب ويقاطعها ويمتنع عن أي اتصال رسمي معها إلى حد تجاهل تعيين سفير جديد لها في دمشق!!
الخارجية السورية قطعت الطريق على المراهنين المدعومين من الأمريكان بردها المفاجئ لهم: الوقت غير مناسب للزيارة!
ويبقى السؤال اللغز: لماذا لم يزر الجنرال ميشيل عون بصفته رئيسا للبنان سورية خلال السنوات الست الماضية للبحث مع الرئيس الأسد في الملفات المشتركة بين البلدين السياسية والإقتصادية والتجارية ومن ضمنها ملف النازحين وملف ترسيم الحدود؟
المسألة قطعا ليست سهلة، ولا يمكن حلها بزيارة مفاجئة، أو بإحراج السوريين بتوقيتها من جانب واحد، فالإشكالية بين البلدين حاليا محورها التداخل بين البلوك/1/ من الجانب السوري مقابل مدينة طرطوس مع البلوكين اللبنانيين 1و2 على مساحة بحرية تمتد مابين 750 و1000 كيلو متر مربع، يضاف إلى ذلك ان الحكومة السورية وقعت في آذار 2011 عقدا مع شركة كابيتال الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم (1)، لذلك على لبنان أن يدرك أن التفاوض على الحدود، وكذلك على الحقول والأشغال يجب أن يتم بمشاركة الجانب الروسي الذي يوفر الحماية لكل الأعمال في تلك المنطقة.
والأكثر خطورة في الإعلان المفاجئ ومن جانب واحد للترسيم مع سورية هو استدراج سورية لفخ مفاوضات الترسيم الذي سيقود لاحقا إلى قرار الأمم المتحدة رقم 1680 الذي صدر عام 2006 بين القرارين 1559 (2004) و1701 (2006) وينص (على تشجيع الحكومة السورية بقوة على التجاوب مع مطلب الحكومة اللبنانية الداعي، تماشياً مع الاتفاقات التي جرى التوصل إليها في الحوار الوطني اللبناني، إلى تحديد الحدود المشتركة بين البلدين ولا سيما في المناطق ذات الحدود الملتبسة أو المتنازع عليها)!
وفتح هذا الملف يعني فتح الملف من شبعا إلى البحر برعاية الأمم المتحدة مع مايعنيه ذلك من ضغوطات أمريكية وإسرائيلية!
الخلاصة: نحن مع وصف المحلل اللبناني سالم زهران بأن عدم زيارة الجنرال عون إلى سورية عندما كان رئيسا بـ “الخطأ الإستراتيجي”، ونضيف أن الرهان على إيقاع سورية بفخ مفاوضات ترسيم الحدود هو أيضا “خطأ إستراتيجي”، من الخصوم والأعداء، فليست سورية من يقع في فخ سيقودها إلى مايرسمه الأمريكان في ظل قيادة شكلية للأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1680؟
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع20-11-2022)