عبد الباري عطوان
لا نتّفق مع الكثير من الآراء التي تقول بأنّ معركة حمص الوشيكة ستُحدّد حاضِر الصّراع الرّاهن ومُستقبل القيادة السوريّة، باعتبارها المدينة التي تُعتبر “صُرّة” سورية ومُفتاح العاصمة دِمشق، والخط الفاصل بين السّاحل الشّمالي، والجنوب السوري، فسُقوط المُدُن، أو إعادة السّيطرة عليها ليس هو المِعيار الرئيسي للحُكم على مُستقبل الحُروب أو سُقوط الأنظمة بشكلٍ عام.
سورية تتعرّض لعُدوانٍ ثُلاثيّ أمريكي تركي إسرائيلي جرى الإعداد له جيّدًا لعدّة أشهر أو حتّى سنوات، لتغيير النّظام واجتثاث العُروبة فيها من خلال توظيف جماعات مُسلّحة لتكون رأس حربة في هذا المشروع التّدميري الذي يهدف إلى تغيير مِنطقة الشّرق الأوسط، وأنظمة محور المُقاومة تحديدًا، وعلى رأسها النّظام الإسلامي الإيراني، وتتويج بنيامين نتنياهو زعيمًا مُطلقًا يُقدّم له الرؤساء العرب فروض الطّاعة والولاء.
يومًا بعد يوم تتّضح ملامح خطط هذا العُدوان، وأهدافه، وأبرزها الاستيلاء على بعض المدن السوريّة بطريقةٍ “استعراضيّة” مِثل حلب وحماة لتدمير معنويّات الجيش والحاضنة الشعبيّة، ولكن هذا المُخطّط قُوبل بانسحابات وحدات الجيش السوري، لأسبابٍ تكتيكيّة وفي إطار إعادة التّموضع تمامًا مثلما حدث في “الجولة الأُولى” لهذا العُدوان تحت ما يُسمّى بـ”الربيع العربي” عام 2011، وبهدف التّركيز على معركة دِمشق الكُبرى القادمة، والتّصدّي لأي غزو يستهدفها، وخاصَّةً من الجنوب السوري، حيث الخطر الحقيقي، فالأنظمة تسقط مع سُقوط عواصِمها، ودرعا أحد أبرز نقاط الضّعف لا تبعد عن دِمشق إلّا ثمانين كيلومترًا فقط.
***
الدولة السوريّة التي فُوجئت بهذا العُدوان بدأت تتعافى من حالة الصّدمة بشكلٍ تدريجيّ، وينعكس هذا التّعافي في إبطاء، أو إيقاف، هُجوم الجماعات المُسلّحة في الشّمال من قِبَل الجيش العربي السوري وتعزيزاته، وصُمود مدينة حمص نتيجةً لذلك، رُغم الحمَلات الإعلاميّة المُكثّفة التي جرى إعدادها بعنايةٍ فائقة، وعلى يد خُبراء أمريكيين إسرائيليين وتوظيف واستِخدام قنوات فضائيّة عربيّة وغربيّة عملاقة لتدمير معنويّات الحاضنة الشعبيّة وخلق حالةٍ من اليأس والبلبلة في صُفوفها.
قالوا إنّ الرئيس بشار الأسد، رأسُ السّلطة “هرب” إلى طِهران، ثمّ عادوا وقالوا لا إنّه يتواجد حاليًّا وأُسرته في موسكو تحت حماية القيادة الروسيّة، وتبيّن أنّ جميعها أخبار كاذبة مُلفّقة، فالرئيس بشار الأسد ما زالَ في دِمشق، ويتواجد في مكتبه بصُورةٍ عاديّة، ويقود المعركة مُحاطًا بالوزراء والقادة العسكريين ولن يتركها وسيظلّ صامدًا حتّى استِشهاده، حسب ما ذكر لنا مصدر موثوق لا نستطيع الكشف عن اسمه في الوقتِ الرّاهن لحساسيّة المرحلة.
الدولة السوريّة تصدّت للمُؤامرات بنُسختها الأُولى عام 2011، واستطاع جيشها العربيّ أن يستعيد مُعظم المُدُن التي أُخرجت عن سُلطة الدولة على أيدي الجماعات المُسلّحة التي وصلت قوّاتها وصواريخها إلى فناء القصر الجمهوري، ستُعيد الكرّة، وتتصدّى مجددًا وبشكلٍ أقوى لهذه النّسخة الثّانية ولكن بخبرةٍ أكبر، سياسيّة وعسكريّة، مع فارقٍ أساسيّ، وهو أنّه ربّما لن تكون هُناك حافلات خضراء لإجلاء المُتورّطين في هذه المُؤامرة، فهذه حرب حياة أو موت ولا خيار ثالث.
الأنباء القادمة من دِمشق وبيروت تُؤكّد أنّ “حزب الله” الذي لَعِبَ دورًا كبيرًا في هزيمة المُسلّحين في هُجوم عام 2011 أرسل أكثر من ألفين من قوّاته الخاصّة، ذات الخبرة العسكريّة العالية جدًّا، للقتال ضدّ العُدوان الثّلاثي في حمص ودِمشق والمُدُن الأُخرى، وجاءت هذه الخطوة بعد يومين من إعلان الشيخ نعيم قاسم الأمين العام للحزب في خطابه الأخير “الوقوف في خندق سورية الحليفة لإحباط أهداف الجماعات الإرهابيّة التي تُريد إسقاط النظام، ونشر الفوضى في المِنطقة وهذه خطوة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، وقد تكون مُقدّمة لدُخول مُقاتلين من العِراق واليمن وإيران ومناطقٍ أُخرى.
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّة سيكون حول مواقف دول حليفة استراتيجيّة أُخرى لسورية مِثل روسيا وإيران والعِراق، وما إذا كانت حُكوماتها ستُرسل قوّات، أو معدّات عسكريّة، لدعم الجيش العربي السوري ومنع تغيير النّظام في دِمشق، أم ستُحاول النّأي بنفسها عن هذه الحرب، تذرّعًا بأعذارٍ عديدةٍ أبرزها حرب أوكرانيا، أو تجنّب الحُروب عُمومًا لما يترتّب عليها من تكاليفٍ بشريّةٍ وماديّةٍ باهظة.
لا نملك إجابات قاطعة عن هذه الأسئلة، فما زالت الحرب في بدايتها، وهجمة التّضليل الإعلامي في ذروتها، ومن السّابق لأوانه إطلاق تكهّنات قد تكون غير دقيقة، ولكن ما يُمكن قوله إنّ سورية تُعاقب لأنّها رفضت التّطبيع والتّنازل عن ملّيمتر واحد من عُروبتها وأراضيها، ووقفت بصلابةٍ مع محور المُقاومة وأذرعه، وخاصَّةً المُقاومة الفِلسطينيّة.
***
ختامًا نقول إنّ سُقوط دِمشق إذا حصل (لا سمح الله)، سيكون مُقدّمةً لسُقوط بغداد، وطِهران، وصنعاء، والقاهرة، وبيروت، والرياض، ورفع العلم الإسرائيلي فوق مقرّات رئاستها جميعًا دُونَ استِثناء، ودفع حُكّامها “الجزية” من خزائنها للإمبراطور الجديد نتنياهو الذي توعّد بتغيير مِنطقة الشّرق الأوسط وخرائطها وفق الأطماع التوسّعيّة الصّهيونيّة.
هذا العُدوان على دِمشق جاءَ مُحاولةً يائسةً لمحو عار “طُوفان الأقصى” المُبارك الذي اقتلع المشروع الصّهيوني من جُذوره من خلالِ تحقيقِ أيّ انتصارٍ على العرب والمُسلمين، ولطمأنة الرّأي العام الإسرائيلي المرعوب والهَلِع، من صواريخ المُقاومة في لبنان وغزة واليمن والعِراق، ولهذا سنقف في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” في خندق المُقاومة لهزيمة هذا العدو وكُلّ القِوى التي تُشارك أو تتواطأ معه في حُروبه ومُؤامراته.
الشعب السوري الأصيل الذي احتضن الإمبراطوريّة العربيّة الإسلاميّة الأُولى، وهزم الرّوم لن يستسلم مُطلقًا، ولن يقبل برفع العلم الإسرائيلي على صواري سفارته في قلبِ دِمشق، وسيُقاوم هذا “العُدوان الثّلاثي” بكلّ ما يملك من قوّةٍ، فالانتِصارُ لسورية وعُروبتها وإسلامها يتقدّم على كُلّ الاعتِبارات الأُخرى، ويُحتّم وضع جميع الخِلافات والتحفّظات جانبًا، وهذا ما نُصلّي من أجله.. ونثق بتحقيقه.. والأيّام بيننا.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم