د.عبد الكريم بكار
تفتح عينيك، تتثاءب، تنهض من سريرك على مضض…
تتفقد هاتفك، فلا رسالة من أحد، ولا خبر يُبهج،
تخرج إلى عملك فتُقابل زحاماً، وصوتاً عالياً، ووجوهاً شاحبة…
ثم تقول لنفسك: “ما القصة؟ لماذا تبدو الحياة وكأنها قررت أن تعاكسني شخصياً؟”
أولاً، اطمئن. هذه المشاعر ليست غريبة، ولا جديدة، ولا تخصّك وحدك.
بل يمكن القول إن معظم الناس – في مرحلة ما – يشعرون بأن الدنيا تضعهم في خانة الخصوم.
لكن مهلاً… هل الحياة حقاً تسير ضدنا؟
أم أن طريقة نظرنا للأمور فيها شيء من التحريف البصري، أو التحيّز النفسي؟
دعونا نغوص قليلاً… بسلاسة، ومن دون تعقيد.
الحياة ليست كائناً واعياً
أول فكرة يجب أن نقتنع بها:
الحياة ليست كائناً واعياً لديه جدول لمضايقتك.
ليست هناك مؤامرة كونية، ولا برنامج يومي لتكدير مزاجك.
الحياة مزيج من الظروف، والاختبارات، والنتائج، وسلوكيات الآخرين، وردود أفعالك أنت.
لكن العقل البشري – يا سادة – يحب أن يبحث عن “سبب”… عن “شخصية شريرة” يحمّلها المسؤولية.
فمن الطبيعي أن تقول: “الدنيا ضدي”، بدل أن تقول: “ربما أنا أُدير حياتي بشكل فوضوي”.
التوقعات المرتفعة = صدمة مستمرة
تخيّل شخصاً دخل مطعماً شعبيّاً، لكنه يتوقع وجبة خمس نجوم!
لو جاءه طبق مقبول، سيشعر بخيبة أمل…
مع أنه، في الحقيقة، نال ما يتوافق مع طبيعة المكان.
كذلك نحن، نعيش في عالم مليء بالفوضى، لكننا نُطالب بالراحة التامة، والتقدير الكامل، والتوفيق السريع.
فإذا لم نحصل على ذلك، نعلن الحرب على الحياة!
المقارنات: السمّ الذي نبتلعه كل يوم
لم يكن أحد يشعر أن الحياة ضده قبل أن يرى حياة الآخرين.
لكننا اليوم، عبر وسائل التواصل، نرى “المختارات الفاخرة” من يوميات البشر…
ضحكة هنا، نجاح هناك، قصة حب، سيارة جديدة، سفر، وهدايا، وابتسامات معدّلة بالفلاتر.
فتبدأ تقارن… فتُحبط… فترى حياتك سوداء…
فتقول: “واضح أني منحوس!”
لكن الحقيقة؟
أنت ترى المشهد، لا القصة… الصورة، لا الخلفية.
إذاً، ما الحل؟ كيف نهدئ هذه المشاعر؟
1. غيّر اللغة التي تخاطب بها نفسك
لا تقل: “أنا فاشل”، بل قل: “مررت بيوم سيئ”
ولا تقل: “الناس ضدي”، بل قل: “ربما لم أشرح موقفي جيداً”
2. قلل من التوقعات… وارفع من الجهد
لا تطلب من الحياة أن تكون عادلة دائماً، بل كن أنت أكثر مرونة وفهماً
3. اختر مرجعيتك بعناية
لا تجعل السوشال ميديا هي ميزانك الوحيد.
استمع لأهل العلم، للقرآن، للسير، للتجارب العميقة.
4. ذكّر نفسك: حتى الأنبياء عانوا
سيدنا يوسف اُتهم وزُجّ به في السجن،
سيدنا أيوب ابتُلي في جسده،
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، شُتم وطُرد وحورب…
فكيف بنا نحن؟
الختام؟ بسيط جداً…
ربما الحياة لا تسير ضدك،
بل تسير كما هي…
وأنت فقط، تحتاج أن تغيّر زاوية النظر.
أو كما قيل: “ليست الأشياء هي التي تُزعجنا، بل نظرتنا إليها”.
(اخبار سوريا الوطن ١-صفحة الكاتب)