آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » لماذا يتفوّق الرأي العام الديني على السياسي؟!

لماذا يتفوّق الرأي العام الديني على السياسي؟!

 

د. بسام الخالد

 

تعد دراسة الرأي العام من الدراسات المهمة في هذا العصر، فقد أصبح للرأي العام في عالم اليوم هوية خاصة ومعنى جديداً، ينشأ عن الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية للمجتمع الذي يمثله، الأمر الذي دفع بالباحثين والمفكرين إلى تناول هذا الموضوع ودراسة أبعاده المختلفة وطرح النظريات والرؤى المتنوعة بشأنه، وعلى الرغم من أن ظاهرة ” الرأي العام” ظاهرة جديدة نسبياً، إلاّ أن الأضواء سُلطت عليها باعتبارها علماً مستقلاً في إطار العلوم الاجتماعية- السياسية، له جذور تاريخية عميقة، وقد تمت الإشارة إليه في الدراسات والأبحاث التي تناولت الديمقراطية البدائية لدى اليونان والرومان.

فالرأي العام كما أجمع معظم علماء السياسة والاجتماع هو: ” الرأي السائد بين أغلبية أفراد المجتمع الواعي، في فترة معينة، تجاه قضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الأساسية مسّاً مباشراً”.

أما اليوم فقد تداخلت عوامل ومؤثرات جديدة في هذه الظاهرة، وطُرحت تعريفات حديثة عنها، وفي طليعة هذه العوامل وأهمها من حيث التأثير، انتشار وسائل الإعلام المختلفة على نطاق واسع جداً وسهولة التواصل بين الناس، مما جعل العالم كله عبارة عن (قرية واحدة) حيث سرعة الاتصالات، وانتشار الأخبار، وارتفاع مستوى التعليم وازدياد عدد المتعلمين وتنوع الأساليب التي تبعث الحياة في المجتمع وفي الأبعاد والمجالات المختلفة، وقد لعبت وسائل الإعلام دوراً مزدوجاً، إيجابياً وسلبياً في آن، فقد جعلت الجمهور يقتنع بما تبثه وتنشره على أنه حقائق ثابتة يمكن الركون إليها دون عميق تفكير، وهذا هو الدور السلبي الذي يشوبه التضليل وتزييف الحقائق، أما الدور الإيجابي فيتجلى بما تقدمه وسائل الإعلام من أخبار وصور بسرعة مذهلة تمنح الجمهور المتلقي فرصة للمعرفة والمقارنة والتفكير والمحاكمة لتشكيل قناعاته بنفسه، وهنا يتجلى دور المثقفين.

لكن من أهم العناصر الفاعلة في تشكيل الرأي العام هم “قادة الرأي”، على اختلاف أنواعهم، الذين يمتازون بالقدرة على معرفة ماهيّة الرأي العام وطرق تشكيله ومفاتيح التأثير فيه، لذلك نجد أن قادة الرأي الناجحين يتحدثون في موضوعات نابعة من أحاسيس المجتمع ومشكلاته، فهم غالباً ما يعبرون عن اتجاهات الجماعة التي يعيشون فيها للوصول إلى وجدانها وكسب تأييدها، وهذا ما يشكل رأياً عاماً مستمراً يستثمره القائد لزمن طويل، وتشير الدراسات إلى أن قائد الرأي العام كلما كان يعتمد على الحقائق ومخاطبة (العقل)، فإن تأثيره هو الذي يبقى، في حين أن قائد الرأي العام الذي يعتمد على مخاطبة (الغرائز) وإتباع أسلوب الغش والخداع، سرعان ما ينكمش تأثيره ويزول، ومن هذا المدخل يقترب قادة الرأي من الجمهور أو يبتعدون عنه، وهنا يكمن سر قائد الرأي الناجح.

قائد الرأي المتمكن من أدواته يدرك أن ثمة رأي عام دائم، ورأي مؤقت ورأي عام ثابت، ورأي عام ظاهر، وآخر باطن، ورأي مستنير، ورأي مثقف، ورأي مسيطر وآخر منقاد، وبإدراكه هذا يرسم خطة قيادته، فإذا كان يمتلك “كاريزما” القيادة فإنه يمتلك تلك القوة المؤثرة في الجماهير للوصول أخيراً إلى رأي له صفة الأغلبية والعمومية.

ألم يدرك قادة الرأي السياسي، وقادة الرأي الاجتماعي، في بلداننا العربية، هذه المعادلة، فهم حتى اللحظة لم يتمكنوا من (مخاطبة العقول)، الأمر الذي أفسح في المجال لـ (مخاطبة الغرائز) حتى غدا قادة الرأي الديني هم أسياد الساحة، يصولون ويجولون ويشكّلون الرأي العام على هواهم، بعد كل ما مرّ على هذه الأمة من خيبات ونكسات وويلات؟!

يقول نابليون مفسرًا سر قدرته القيادية: “إن قوتي تعتمد على مجدي، ومجدي على انتصاراتي، وستنهار قوتي إن لم أبْنها على مجد أكبر وانتصارات أكبر وأكبر” !

(خاص لموقع أخبار سورية الوطن -سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرب على الوعي والمثقف الوطني المشتبك

  بقلم :د. حسن أحمد حسن   عندما يطوي السوريون تحت أقدامهم ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، ويفلحون في الحفاظ على كيان ...