علي عبود
السؤال المهم الذي لم يجب عليه بعض “الخبراء” العرب المنشغلين بدولرة الاقتصاد وبالترويج للنهج الليبرالي المتوحش “دعه يعمل .. دعه يمر”: لماذا يستمر الدولار بالإنخفاض على المستوى العالمي؟
يجيب الدكتور عماد عكوش الخبيراللبناني في الاقتصاد والأسواق المالية: إنخفاض أيّ عملة يستند إلى عوامل متعددة في مقدمتها الوضع الاقتصادي للدولة، وحجم الدين العام، والعجز المتراكم في الموازنات، ولا سيما البند المتعلق بخدمة الدين العام، وكلفة الفوائد.
وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من هذه العوامل كلها منذ فترة طويلة، فهذا يعني أن الدولار لن يبقى قويا ولا مستقرا، ويظهر ذلك جليا في العجز التجاري مع الصين، لذا يلجأ الرؤساء الأمريكيين، وخاصة دونالد ترامب في ولايتيه السابقة والحالية إلى وضع العوائق الجمركية، وزيادة الرسوم (120%) لتخفيض حدة هذا العجز الكبير الذي يؤثر على هيمنة الدولار.
والمؤشر الإقتصادي البالغ الدلالة على تراجع قوة الدولار داخل أمريكا وخارجها،أن دينها العام يتراكم بشكل كبير وقد وصل اليوم إلى حدود 34 تريليون دولار، وهو في ازدياد مستمر، وقد تجاوز حجم الناتج القومي ، ويرى الخبراء أنه في أي دولة عندما يتجاوز الدين حجم الناتج القومي فهو إشارة خطيرة بالنسبة للإقتصاد، مثلا النمو في الناتج القومي الأمريكي في حده الأقصى عبر عشرات السنوات لم يتجاوز الـ 3 % بينما نجد خدمة الدين العام تتجاوز دائما الـ 5 % وخاصة مع رفع الفوائد من قبل البنك المركزي الأمريكي.
وفي الوقت الذي وصل فيه حجم الدين العام إلى 34 تريليون دولار ارتفعت خدمة هذا الدين مثلا من 70 مليار في حزيران 2024 إلى 89 مليار دولار في تموز2024.
وبرأي الخبراء فإن الخوف من الركود الاقتصادي في أمريكا قائم ومستمر، وأسبابه واضحة وقوية، فأسعار الفوائد المرتفعة الذي يحددها البنك الفيدرالي تجعل من كلفة القروض كبيرة جدا على الشركات التي تلجأ إلى استجرار القروض الكبيرة أو سندات الخزينة التي تصدرها الأسواق المالية للحصول على التمويل اللازم.
وهذه الكلفة تؤدي إلى تراجع أرباح الشركات الأمريكية، وقد رأينا الكثير من عائدات الشركات تراجعت خلال عام 2024 وبنسب كبيرة جدا، وهذا يؤكد بأن أسعار الأسهم في الأسواق الأمريكية هي أسعار مُضخّمة لاتعكس قيمتها الفعلية، وهذا ماحدث في (السبت الأسود) العام الماضي عندما حدثت هزة أمنية محدودة فرأينا مؤشر داوجونز وغيره من أسهم الشركات هبطت وبنسبة كبيرة جدا.
ونشير هنا إلى أن أسباب تراجع الدولار كثيرة، فخلال فترة أزمة كوفيد مثلا تم ضخ أكثر من 4 تريليون دولار في الأسواق كإعانة وبدل بطالة ومساعدات لكل العائلات والشركات، وهذا المبلغ يشكل15 ـ 20 % من حجم الدين العام، ومن الطبيعي أن يؤدي ضخ كتلة نقدية كبيرة إلى خفض القيمة لأي عملة.
لاشك أن أسباب انخفاض الدولار تراكمية، والرئيس ترامب مثل كل الرؤساء الأمريكيين لايستطيع وقف هذا العجز في الموازنة الذي تجاوز 244 مليار دولار في عام 2024، وهو رقم كبير جدا بالنسبة لموازنة أي دولة.
وإذا لم يُغيّر البنك المركزي الأمريكي سياساته المالية المتشددة خاصة لناحية الفوائد، وإذا لم تعالج الإدارة الأمريكية الحالية العجز الكبير في الموازنة فإن السنوات القادمة ستشهد ركودا كبيرا في الاقتصاد الأمريكي وقد أورد تقرير لمكتب الميزانية بالكونغرس الأمريكي صدر في حزيران الماضي أرقاما صادمة للدين الأمريكي خلال السنوات المقبلة حتى عام 2034 وأشار إلى أن مجمل النفقات سيفوق إجمالي الإيرادات بتريليوني دولار سنويا.
الخلاصة: تؤكد تقارير الخزانة الأمريكية أن إجمالي الدين القومي سيصل إلى مستوى 50.7 تريليون دولار وهو يعادل 200 % تقريبا من من الناتج المحلي الأمريكي لعام 2023، ولعل هذا مادفع بالرئيس الأمريكي إلى فرض رسوم جمركية عالية جدا على كل دول العالم تقريبا لتعزيز واردات أمريكا من الدولار ليبقى مهيمنا على التجارة العالمية من جهة ، وتلافيا لانخفاض قوته الشرائية في الأمد القريب من جهة أخرى.
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)