حسن حردان
بات من الواضح أنّ كرة تشكيل الحكومة هي في ملعب الرئيس المكلف مصطفى أديب وفريق المستقبل برئاسة الرئيس سعد الحريري… لأنهما خرقا القواعد الدستورية في عملية تأليف الحكومة، في حين أنّ الفريق الوطني لن يقبل بذلك. ولهذا…
إما يتراجع أديب والحريري عن موقفهما الساعي إلى محاولة فرض حكومة أمر واقع تستجيب للشروط الأميركية، وتمكن فريق المستقبل من استعادة هيمنته على السلطة والقفز فوق نتائج الانتخابات النيابية وما أرسته من موازين قوى جديدة في مجلس النواب…
وإما يصطدمان بالحائط المسدود لعدم قدرتهما على فرض حكومة انقلابية عبر الاستقواء بالضغط الأميركي بواسطة استخدام إرهاب العقوبات، والاستفادة من المبادرة الفرنسية وتجييرها في الاتجاه الذي يخدم خطة الانقلاب الأميركية، والتهويل على الفريق الوطني ومحاولة تحميله مسؤولية إفشال المبادرة لرفضه تمرير حكومة اختصاصيين لا رأي له فيها، ومطبوخة في الغرف المغلقة من خارج أيّ تشاور أو مشاركة الأطراف السياسية وكتلها النيابية…
ويبدو من خلال المعطيات المتوافرة.. أولاً، إنّ الرئيس المكلف ومن ورائه فريق الحريري ليسا في وارد التراجع عن التمسك بموقفهما الرافض قيام الكتل النيابية بتسمية وزرائها في الحكومة، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة لدستور الطائف.
ثانياً، إنّ موقف أديب والحريري مرتهن وخاضع مصلحياً وسياسياً لما تقرّره تحديداً واشنطن والرياض، ولا يستطيع التمرّد عليهما… ومن البيّن انّ الإدارة الأميركية لا تريد تسهيل تشكيل حكومة وفاقية يشارك فيها حزب الله وحلفاؤه ولهذا لجأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى التصعيد لعرقلة المبادرة الفرنسية ومحاولة استغلالها لخدمة خطة الانقلاب الأميركية.. وهذا ما يفسّر انتقاد بومبيو لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، ومن ثم مسارعة وزارة الخزانة الأميركية إلى إصدار عقوبات على وزيرين حليفين لحزب الله هما علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وإتباع ذلك بعقوبات ضدّ شركتين لبنانيتين بدعوى علاقاتهما مع حزب الله،
في سياق تشديد الضغط ومحاولة إرهاب حلفاء حزب الله وجعلهما يسهّلون تشكيل حكومة انقلابية أميركية الهوى…
ثالثاً، إنّ المبادرة الفرنسية في ضوء ما تقدّم باتت تترنح نتيجة الضغط الأميركي السعودي على الرئيس المكلف أديب والرئيس الحريري، لعدم الموافقة على تشكيل حكومة وفاق، والإصرار على حكومة يشكلانها من دون اي تشاور ويُقصى عنها حزب الله وحلفاؤه…
انطلاقاً مما تقدّم يبدو أنّ عملية تشكيل الحكومة عالقة بين إرهاب أميركا بواسطة العقوبات التي تستهدف تطويع وإخضاع حلفاء حزب الله، وبين المبادرة الفرنسية التي أصبحت تستخدم كشريك لإيقاع الفريق الوطني في شباكه تحت عنوان: إذا استمرّ في عدم تسهيل ولادة حكومة كما يريدها الرئيس المكلف فإنه يتحمّل مسؤولية إحباط المبادرة وإضاعة فرصة الإنقاذ…
لكن الفريق الوطني يرفض مثل هذا الابتزاز الموصوف، ولن يقبل الخضوع للإرهاب الأميركي بالعقوبات… وهو لن يسمح بتشكبل حكومة انقلابية تستهدف بوضوح المقاومة وحقوق لبنان في البحر والبر، وإخضاع لبنان لشروط صندوق النقد الدولي، شروط تقف وراءها الولايات المتحدة الأميركية.. ولذلك فإنّ الفريق الوطني يرمي الكرة في ملعب أديب والحريري ويضعهما بين ثلاثة خيارات…
1 ـ إما التراجع والعودة إلى احترام قواعد دستور الطائف وبالتالي التشاور مع جميع الكتل وقبول تسمية وزرائها في الحكومة.
2 ـ أو يعمد أديب إلى الاعتذار، وبالتالي يفسح بالمجال في إجراء استشارات جديدة لتسمية رئيس جديد يكلف بتشكيل الحكومة، أو لتفعيل حكومة الرئيس حسان دياب من جديد واختصار الوقت ودفعها إلى استئناف الخطوات الإصلاحية المالية التي باشرت بها قبل استقالتها، وإعطائها دفعاً قوياً للتوجه شرقاً والتحرّر من الارتهان الآحادي الاقتصادي للغرب…
3 ـ أو يمتنع أديب عن الاعتذار، ولا يقدم تشكيلة حكومته لرئيس الجمهورية يعرف أنها لن تلقى القبول لمخالفتها الدستور في مادته 95… وبالتالي يبقى كما يقول المثل الشعبي «لا معلق ولا مطلق»، وتستمرّ حكومة الرئيس دياب في تصريف الأعمال ويجري تفعيل دورها على هذا الصعيد بما ينص عليه الدستور في حالات الأزمات.. إلى أن تحصل تطوّرات تقود إلى إيجاد تسوية لازمة تشكيل الحكومة.
(سيرياهوم نيوز-البناء21-9-2020)