حسن حردان
شهد اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، سجالاً حاداً بين قادة الأجهزة الأمنية، والعسكرية ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول خطته لاحتلال غزة، مما اضطر نتنياهو الى تعديلها، لامتصاص غضب الجيش الذي اعترض وتحفظ على الخطة واعتبر إعادة احتلال غزة بمثابة ورطة استراتيجية، ولهذا كان لمعارضة قادة الجيش والأجهزة الأمنية تأثير كبير على مضمون الخطة، ويمكن تلخيص هذا التأثير في عدة نقاط رئيسية:
أولاً، ضغوط داخلية لمنع الانزلاق الى فخ استراتيجي:
1 ـ تحذيرات من “ورطة استراتيجية”: حذر قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم رئيس الأركان أيال زامير، من أن خطة نتنياهو لاحتلال غزة بالكامل ستتحوّل إلى “فخ استراتيجي” ينهك الجيش لسنوات طويلة.. لأنه سوف يتحمّل أعباء إدارة الشؤون المدنية وفي الوقت نفسه مواجهة المقاومة المسلحة التي تستنزفه.
2 ـ تهديد حياة الأسرى: أشار المسؤولون الأمنيون إلى أنّ احتلال غزة بالكامل سيعرض حياة الأسرى المحتجزين للخطر، وهو ما يتعارض مع أحد الأهداف المعلنة للحرب.
3 ـ استنزاف الجيش: أكد قادة الجيش أنّ طول أمد الحرب أدّى إلى استنزاف كبير للجنود، سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي، مما أدّى إلى زيادة حالات الأمراض النفسية وحتى الانتحار.
4 ـ خلافات حادة: كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن خلافات حادة بين نتنياهو وقادة الجيش والأجهزة الأمنية خلال اجتماعات المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، حيث وصف بعضهم خطة نتنياهو بأنها “كارثية”.
ثانياً، التعديلات على الخطة:
1 ـ من “الاحتلال الكامل” إلى “السيطرة التدريجية”: دفعت هذه المعارضة نتنياهو إلى تعديل خطته من احتلال كامل وفوري للقطاع إلى خطة “سيطرة عسكرية تدريجية”، تبدأ بمدينة غزة وتستمر على مراحل.
2 ـ البحث عن “حلول وسط”: اضطر نتنياهو إلى البحث عن حلول وسط، توازن بين رغبات اليمين المتطرف الذي يطالب بالسيطرة الكاملة والاستيطان، وبين التحذيرات الواقعية للقيادة العسكرية التي تركز على التكاليف البشرية والعسكرية الباهظة.
3 ـ التركيز على السيطرة الأمنية: تحوّلت الخطة إلى التركيز على السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع، مع محاولة إيجاد “قوات عربية” أو “إدارة فلسطينية مستقلة” لإدارة الشؤون المدنية، وهو ما رفضه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يرى أنّ هذا النهج “ليس كافياً” لتحقيق النصر الكامل.
ثالثاً، أثر التعديل على الصعيد السياسي:
1 ـ انتقادات حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف: أثارت خطة نتنياهو المعدلة انتقادات حادة من حلفائه في اليمين المتطرف، وعلى رأسهم سموتريتش، الذي اعتبرها “خيانة” لأهداف الحرب وهدّد بإسقاط الحكومة.
2 ـ فقدان الثقة: عبر سموتريتش علانية عن فقدان ثقته بقدرة نتنياهو على إدارة الحرب وتحقيق النصر، وهو ما يظهر عمق الانقسام داخل الائتلاف الحكومي.
3 ـ زيادة الضغوط على نتنياهو: وضع هذا الخلاف نتنياهو في موقف صعب، حيث يواجه ضغوطاً من القيادة العسكرية التي تحذره من تداعيات خطته، وضغوطاً من حلفائه السياسيين الذين يهدّدون بإسقاط حكومته إذا لم يتبنَ خطة أكثر تطرفاً.
بناء على ما تقدّم يمكن القول انّ الخلاف الحاد حول خطة نتنياهو لاحتلال غزة عكس المأزق الذي بات فيه نتتياهو نتيجة فشل حربه النازية في تحقيق أهدافها، وحالة الإنهاك والاستنزاف التي يعاني منها جيش الاحتلال الناتجة عن المقاومة الضارية والفعالة التي واجهها جنود الاحتلال.. حيث أدّت معارضة الأجهزة العسكرية والأمنية إلى إجبار نتنياهو على تعديل خطته الأصلية، لكن هذا التعديل لم يرضِ حلفاءه من اليمين المتطرف، مما زاد من حدة الانقسامات الداخلية داخل الحكومة الإسرائيلية.
هكذا يمكن القول انّ صمود المقاومة ونجاحها في إحباط أهداف الحرب الإسرائيلية، هو الذي تسبّب في تفجر الخلافات بين المستويين السياسي، والعسكري والأـمني.. وتفاقم مأزق نتنياهو الساعي الى مواصلة الحرب مهما كان الثمن.. لأن وقف الحرب دون تحقيق أهدافها سوف يؤدّي الى تحميل نتنياهو مسؤولية الفشل، ومحاكمته بتهم الفساد، وبالتالي نهاية حياته السياسية في السجن…
(أخبار سوريا الوطن2-البناء)