حسن حردان
يخطئ من يعتقد أو يظن أنّ سورية سوف تقبل بتقديم التنازلات عن ثوابت موفقها واستقلالها الوطني، او تسلّم ببعض الشروط التي رفضتها منذ بداية تفجر الأزمة، مقابل عودتها إلى الجامعة العربية، أو إعادة الإعمار، لأنّ من يجب عليه أن يقدّم التنازلات إنما هي بعض الدول العربية التي انخرطت في الحرب الإرهابية التي قادتها الولايات المتحدة ضدّ سورية، بهدف إسقاط نظامها الوطني المقاوم للاحتلال الصهيوني والهيمنة الغربية، لا سيما انّ من صمد وانتصر في نهاية المطاف هو سورية، ومن فشل وأخفق في تحقيق أهدافه من هذه الحرب هم الولايات المتحدة ومن سار في فلكها من الحكومات العربية..
واليوم جاء وقت الحصاد السياسي لنتائج هذه الحرب، ومن الطبيعي عندها أن تجني سورية وحلفاؤها في محور المقاومة، وروسيا، الذين قاتلوا إلى جانبها ضدّ جيوش الإرهاب التي حشدها الغرب، ثمار هذا الانتصار والصمود.
فالحرب استهدفت إسقاط سورية وفرض السيطرة عليها، وفك عرى تحالفها الاستراتيجي مع إيران، وقوى المقاومة ضد الاحتلال، ودفعها إلى توقيع اتفاق صلح واستسلام مع كيان الاحتلال الصهيوني وضمّها إلى التحالف الإسرائيلي العربي الذي كانت تسعى واشنطن لتشكيله ضدّ إيران.. غير هذه الأهداف الأميركية التي أعلنتها صراحة، في بداية الحرب، وكيلة وزارة الدفاع الأميركية على شاشات التلفزة الأميركية، كشرط للمساعدة في وقف الاحتجاجات، رفضتها القيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الاسد، التي قرّرت القتال دفاعاً عن ثوابت سورية وسيادتها واستقلالها، وقدّمت سورية في سبيل ذلك التضحيات الجسام، بشرياً ومادياً، ونجحت في إحباط هذا المخطط الأميركي، الذي استخدم كلّ الوسائل الأمنية والعسكرية والإعلامية، وآخرها الحرب الاقتصادية، لتحقيق أهدافه، لكنه فشل وأخفق، وعليه ليس بإمكان أميركا ولا الدول التي انخرطت معها في هذه الحرب، أن تفرض شروطها على سورية..
على انّ ما يجعل سورية أكثر قوة وصلابة في التمسك بمواقفها، التطورات والتحوّلات الهامة التي بدأت تشهدها المنطقة والتي تصبّ في مصلحتها وكذلك مصلحة حلف المقاومة الممتدّ من إيران والعراق واليمن إلى سورية وفلسطين ولبنان، وقد تجسّدت هذه التطورات والتحوّلات في توقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، الذي دشن مرحلة تطبيع العلاقات بين بين إيران والسعودية، ووضع حداً لمناخات التوتر في المنطقة التي تقف وراءها الولايات المتحدة، في حين بدأت السعودية حركة نشطة تجسّدت بانفتاحها هي والعديد من الدول العربية على سورية في سياق توجه سعودي واضح لفتح الطريق أمام عودة سورية إلى الجامعة العربية، ووقف حرب اليمن، بما يؤدي إلى إيجاد أجواء الأمن والاستقرار الضرورية لعودة الانتعاش والنهوض الاقتصادي الذي تحتاجه اليه السعودية وكلّ دول المنطقة بعدما انهكت الحروب والتوترات اقتصاداتها..
وكان واضحاً ان هذا الاتجاه الذي بدأت الرياض في انتهاجه، انما يتعاكس مع توجهات الولايات المتحدة الأميركية التي تضرّرت هيمنتها ومخططاتها، ولذلك لم يحظَ بتأييد واشنطن بل أزعجها.. وأثار قلق كيان الاحتلال الاسرائيلي، لأنه عكس تنامي نفوذ الصين على حساب النفوذ الأميركي، وأسقط من يد واشنطن ورقة حصار إيران وإبقاء التوترات بينها وبين الدول الخليجية، وأسدل الستار على حلم تل أبيب بإقامة تحالف عربي اسرائيلي ضد إيران.. مما يصب في مصلحة دول المنطقة كافة، ويؤدّي إلى تعزيز علاقات التعاون في ما بينها، ويقفل الابواب أمام مشاريع الفتنة والتدخلات الأجنبية التي تتغذى من إبقاء الصراعات والتوترات لتحقيق اهدافها ومخططاتها الاستعمارية…
على انّ زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سورية، والنتائج التي أفضت اليها ادّت إلى تعزيز التحالف الاستراتيجي بين دمشق وطهران، والارتقاء بعلاقاتهما الاقتصادية إلى مستوى هذا التحالف، وتدشين مرحلة مشاركة إيران بفعالية في عملية إعادة اعمار سورية، كما وقفت مع سورية في الحرب ضدّ الإرهاب…
من هنا فإذا كانت واشنطن وبعض الحكومات العربية تعتقد انه بإمكانها مقايضة عودة سورية إلى الجامعة العربية، مقابل تخلي دمشق عن تحالفها مع إيران، أو قبولها بالتخلي عن التنسيق الأمني والعسكري معها في مواجهة الخطرين الصهيوني والارهابي، فإنّ هذا الاعتقاد لا يعدو سوى وهم، وتلاشى بعد زيارة رئيسي إلى دمشق، والانفتاح السعودي والكثير من الحكومات العربية على سورية وتطبيع العلاقات معها، وفشل الضغوط الأميركية التي مورست على السعودية لعرقلة الاستمرار في خطوات تطبيع العلاقات مع إيران وسورية.. في حين أنّ القيادة السورية التي رفضت المساومة على قرار سورية الوطني، ولم ترضخ لكلّ الضغوط الخارجية التي استهدفت اجبارها على تقاسم السلطة مع ما يسمى المعارضة المرتبطة بالخارج، لا يمكن أن تقبل اليوم، بعد انتصارها، بأيّ مساومة من هذا النوع كشرط لفكّ الحصار عنها وعودتها إلى الجامعة العربية.. أما الرهان الغربي على ربط ابتزاز سورية بورقة إعادة إعمار سورية، فإنه سقط أيضاً بإعلان ابراهيم رئيسي خلال زيارته إلى دمشق عن بدء إيران المشاركة بقوة في إعادة الإعمار، مما يوفر لسورية بديلاً عن الاتحاد الأوروبي.. على انّ الصين وروسيا لن تكونا أيضاً خارج المشاركة بفعالية في عملية إعادة الإعمار.. ولهذا فإنّ سورية تملك البدائل التي تغنيها عن مساعدات الدول التي تسعى إلى ابتزازها، وفرض الشروط عليها مقابل تسهيل إعادة إعمار ما دمّرته حربهم الإرهابية، وعودة العلاقات معها، أما مشكلة النازحين فقد باتت تشكل أزمة للدول التي عملت على استغلالهم واستخدامهم ورقة ضدّ سورية، في حين أنّ الإرهاب الذي تقلص وجوده في سورية وبات محصوراً في إدلب، ومناطق وجود قوات الاحتلال الأميركي، بات يرتدّ على الدول التي رعته ودعمته، وبحاجة إلى التخلص منه.. وسيكون على تركيا عاجلاً أم آجلاً التعاون مع سورية لإنهاء وجود الجماعات الإرهابية في إدلب، وعودة النازحين السوريين الذين باتوا عبئاً عليها…
سيرياهوم نيوز1-البناء