آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » لوحات وأعمال فنية تستدعي انفجار مرفأ بيروت: يوم أتانا الموت من صوب البحر

لوحات وأعمال فنية تستدعي انفجار مرفأ بيروت: يوم أتانا الموت من صوب البحر

ريما النخل

 

مثل السينما، تستطيع الفنون التشكيلية تسجيل الزمن. يمكنها أن تؤرّخ لحدث ما، توثّقه، تترك انطباعاً أو تعبيراً عنه. الفن ليس البتّة خارج زمنه، ولا ينبغي له أن يكون. في ضوء ذلك، لم يغب انفجار مرفأ بيروت المأساوي في الرابع من آب (أغسطس) 2020 عن التعبير التشكيليّ لوحةً ونصباً ومنحوتةً وتجهيزاً. علماً أنّ في الكثير ممّا أُنجز، استسهالاً وخفّةً وسذاجةً مباشرة، وفي القليل ما يستحقّ أن نطلق عليه فنّاً وتعبيراً. في الذكرى الرابعة الأليمة على فاجعة المدينة والوطن، بانوراما (غير شاملة بالتأكيد) لنماذج ممّا أُنتج وأسهم في حفظ الذاكرة

 

في آخر معارضه («ضوء داخلي» حزيران/ يونيو الفائت)، أعادنا أسامة بعلبكي في إحدى لوحاته إلى مأساة المرفأ، ضمن رؤاه الانطباعية والتعبيرية لمدينته بيروت التي تحيا أزماتها وفواجعها المتتالية. في لوحة المرفأ والإهراءات المدمّرة، سماء ملبّدة بسماكة اللون وحمرته النارية أو زرقته الحزينة، أسوة بباقي اللوحات لنواح من المدينة لا تمدّ بعلبكي بشعور الافتتان بل توحي له انقباضاً روحيّاً وقتامة ووحشة. بدوره، لم يغب الفنان نديم كرم عن الحدث المشؤوم. بالإضافة إلى منحوتاته المعدنية التي اشتهر بها وتملأ فضاء المدينة العام، جسوراً وساحات، أنجز منحوتته المعدنية التي ارتفعت قبالة المرفأ بعد نحو سنة من الانفجار حاملةً عنوان «مارد من رماد». تكوّنت الأخيرة من بقايا الانفجار بارتفاع خمسة وعشرين متراً وبوزن ثلاثين طناً. ولا يقتصر فنّ كرم المتعدّد، وهو مهندس معماري في الأصل، على النحت بل يشمل الرسم أيضاً بين مائيات وقلم رصاص وفحم و«غليتر» لوحات منمنمة تدور تيماتها حول الانفجار وتداعياته في ذاكرة اللبنانيين، فضلاً عن منحوتته الخشبية «ذارف الدمع» والدمعة العملاقة نفسها في أكثر من لوحة اشتمل عليها معرضه الأخير في آذار (مارس) من هذا العام.

 

من معرض جوزيف حرب

 

معرض متقدّم على الحدث زمنياً أقيم في نيسان (أبريل) الفائت ويعود إلى انفجار بيروت حصراً. إنه معرض الفنان اللبناني بسام جعيتاني في «غاليري جانين ربيز» تحت عنوان «ما يخفق في عمق الفوضى». اشتمل المعرض على جداريات ولوحات وجصّيات نافرة لتشقّقات وخراب في جسد المدينة وتجهيزات من بقايا الانفجار في منزل الفنان. قطع من الأثاث والأقمشة والشظايا المعدنية وزجاج النوافذ… ما يهب بعداً واقعياً، يذكّر ـــ بحسب الفنان ـــ بآثار المأساة الدامية. في تقديمه للمعرض، أوضح جعيتاني أنّ «الانفجار الذي هزّ قلب بيروت يتجسّد عبر تجهيز جداري يتمثل في هيكل معدني أخضر يتضمن كتابةً تعكس حجم الدمار الذي تعرضت له بيروت نتيجة هذا الانفجار المأساوي. تتداخل الشظايا المعدنية في حواجز الشرفات وأنقاض الخرسانة مع قطع الثياب، ما يخلق تكويناً مادياً وعاطفياً. وجزء آخر هو سلسلة لوحات بيضاء تمثل لقطات مربكة شهدتها الكارثة، تعكس التأثيرات النفسية والعاطفية العميقة الناجمة عنها. تتلوّن هذه اللوحات البيضاء النقية بالخدوش والجروح، كأنّها صفحة بيضاء تحمل ندوب التاريخ. المعرض رمز بصريّ للفوضى والدمار اللذين ضربا بيروت. يذكرنا بأنّ الانفجار ترك آثاراً لا يمكن محوها في حياة المتضرّرين، ويترك في الوقت نفسه أثراً مماثلاً في فهمنا الجماعي للحدث، عبر استخدام عناصر الانفجار وخلق اللوحات البيضاء التي تجسّد مفاهيم النقاء والبراءة، لكنها تعني أيضاً غياب الوضوح والحقيقة».

 

 

«شظايا بيروت» للتشكيلي الجزائريّ عبد الحليم كبيش

 

بالعودة إلى زمن وسطيّ بين الانفجار وذكرى اليوم، يمكن استعادة معرض عمر فاخوري «أشياء وأشياء أخرى» الذي احتضنته صالة «مرفأ» في شباط (فبراير) 2022، إذ يهتمّ الفنان بالأشياء الصغيرة والمهمّشة التي خسرها الناس في الانفجار، كأنّه يحمل صندوقاً لجمع الكؤوس والأواني المكسورة والقمصان المتدلية العالقة بين الطبقات أو حتى السيجارة التي لم يكملها مدخّنها. يحوّل المتروكات والمهملات التي كان يجمعها رافعو الأنقاض إلى مادة تشكيلية لإيصال هول الفاجعة وآلامها. يتناول الجزء ليدلّ على الكلّ. أجزاء من الأجساد والمنازل والغرف والأدراج والأشياء الخاصة والبسيطة تتحوّل إلى لوحات بالأكريليك ذات أحجام صغيرة أو متوسطة أو كبيرة. منمنمات فجيعة وخسارة وذكريات تنفذ إلى عمق الألم لضحايا أو ناجين. يرسم فاخوري جروح المدينة وانكساراتها، تفاصيلها وجزئياتها، صمتها ودويّها واهتزازاتها ما بعد الانفجار.

في المدة نفسها، أقام الرسام والنحات جوزيف حرب في «غاليري جانين ربيز» (نيسان/ أبريل 2022) معرضه «هنا والآن» ناحتاً الأيادي والأرجل والرؤوس المبتورة داخل مكعّبات وأوعية زجاجية تحيلنا توّاً على ضحايا انفجار المرفأ وما خلّفه من مآسٍ في البشر والحجر، فضلاً عن لوحاته في المعرض نفسه التي تحاكي فكرة الوحش الذي يفترس حياتنا ويومياتنا في الوطن المنكوب بعدد من الفواجع والمآسي. يرسم قوة متمثلة في ثيران هائجة، وتتداخل أجساد أفراد ومجموعات معرّاة كأنها ترمز إلى تلاصق حميميّ، صافٍ وحالم. وفي لوحات أخرى، تتشلّع الأجساد وسط غرائز القتل والعنف في ظل الحرب والدمار.

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_ الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...