لا تزال العقبات ماثلة على طريق إجراء الانتخابات البرلمانية الليبية، بالتزامن مع تلك الرئاسية، بعد قرابة شهرَين من الآن. وعلى رغم اجتهاد الأطراف الدولية المعنيّة في تجاوُز تلك العقبات، إلا أن نجاحها في ذلك لا يعني أن المستقبل سيكون وردياً، إذ إن الخلافات الأساسية بين الفرقاء الليبيين لم تَجد سبيلها إلى الحلّ بعد، وعلى رأسها الخلاف حول مسألة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، فيما يُنذر الحديث عن محاصصة على أسس قبلية وتقسيم جغرافي بين الأقاليم الثلاثة، بمشكلات إضافية كثيرة ربّما يكون هذا البلد مقبلاً عليهاطرابلس | يسابق عدد من قادة دول العالم المعنيّة بالملفّ الليبي، الزمن، للاتفاق على الإطار الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات النيابية في الـ24 من كانون الأول المقبل، بعد اعتماد قانون الانتخابات الرئاسية. وإلى الآن، تبدو فرص إجراء الانتخابات في موعدها، والذي تدفع في اتّجاهه عواصم عدّة على رأسها واشنطن التي ألقت بثقلها أخيراً في هذا الملفّ، متساوية مع فرص تطييرها، وبالتالي إطاحة مسار سياسي أنهى نحو 3 سنوات ونصف سنة من الاقتتال بين الشرق والغرب. وما يصعّب المهمّة على المعنيّين أن الخلاف ليس محصوراً فقط بـ«القاعدة الدستورية» لإجراء الانتخابات، بل يتعدّاها إلى صراع على المناصب لن تستطيع «العملية الديمقراطية» إنهاءه، حتى بين الحلفاء الذين يشتركون في أهداف مؤقّتة من أجل الوصول إلى السلطة، لكن يختلفون على كلّ ما عدا ذلك، في وقت يتزايد فيه الحديث عن محاصصة على أسس قبلية وتقسيم جغرافي بين الأقاليم الثلاثة. وعلى رغم أن رُعاة المسار السياسي يعتقدون أن إجراء الانتخابات في موعدها سيضمن استقراراً سياسياً خلال السنوات الأربع المقبلة، وولادة برلمان جديد يكون له حق تسمية رئيس الوزراء، وانتخاب رئيس يكون له حق تمثيل البلاد في الخارج، في ظلّ نظام يسمح بالشراكة في الحكم بين مجلس النواب ورئيس الجمهورية، إلّا أن الحقيقة التي تغفلها تلك الأطراف هو حجم الخلافات التي ستبقى إلى ما بعد ولادة السلطة المنتخَبة، حتى لو تمّ تجاوز العوائق الحالية التي تهدّد بإطاحة هذه العملية من أساسها.
وسجّلت الفترة القصيرة الماضية تسارعاً في تحرّكات الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية، وعلى رأسها الدول الأوروبية ومصر، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي أعادت تفعيل حضورها في هذا الملفّ في ظلّ إدارة جو بايدن، سعياً إلى ضمان استمرار المسار السياسي. لكنّ تلك المساعي تبقى مظلّلة بمخاوف من أن النظام العتيد قد لا يَعتبر نفسه ملزماً بالتفاهمات التي بُني عليها ذلك المسار، وهو ما من شأنه المسّ بمصالح فرنسا ومصر من جانب، وإيطاليا وتركيا من جانب آخر. وما يزيد المشهد تعقيداً استمرار الخلاف حول مسألة انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية في البلاد، الأمر الذي تُرجم في جلسة مجلس الأمن الدولي أول من أمس، حيث أخفق الأخير في تمديد مهمّة بعثته إلى ليبيا، ليقتصر الأمر على تمديد تقني حتى نهاية كانون الثاني المقبل، بعد خلاف بريطاني – روسي حول مسألة الانسحاب (أرادت لندن النصّ صراحة عليها. وسينعكس هذا الإخفاق، حتماً، على سلاسة عمل البعثة، التي تقترح كينيا تسليم قيادتها لمسؤول أفريقي، بدلاً من المبعوث الحالي يان كوبيتش، الذي تولّى منصبه بداية العام الجاري.
تُعقَد في جنيف الأسبوع المقبل اجتماعات جديدة لاستكمال النقاش في ملفّ المرتزقة
ولا يزال النقاش بشأن إخراج المرتزقة الأجانب، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 30 ألفاً بحسب آخر الإحصائيات، جارياً، من دون التوصّل إلى تفاهمات إلى الآن. وستشهد جنيف، ابتداءً من الأربعاء المقبل، اجتماعات ستُعقد على مدار 3 أيام، بحضور المبعوث الأممي وممثّلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن ودول أخرى معنيّة بالشأن الليبي، من أجل بحث هذا الملفّ، الذي لا يزال يمثّل عقبة رئيسة أمام توحيد المؤسسة العسكرية، إذ يرفض اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، دمج قواته في جيش موحّد – على رغم إدراج رواتب مقاتليه في موازنة الحكومة عن العام المالي الحالي، والتي قدّمها أخيراً رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة -، وتسليم الأسلحة للسلطة المركزية، قبل إجراء الانتخابات وإخراج المرتزقة، الأمر الذي يعني أنه سيبقى لديه، في حال عدم تَحقّق المطلب الأخير، هامش للتشكيك في نتائج الانتخابات، ما لم يَفُز بالرئاسة التي أعلن رغبته في الترشّح لها. وسبقت اجتماعاتِ جنيف المنتَظرة مناقشات داخل الاتحاد الأفريقي، وتحديداً «مجلس السلم والأمن الأفريقي»، حول آلية التعامل مع المرتزقة، في وقت نبّه فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى أن استمرار وجود هؤلاء يمثّل تهديداً للأمن القومي المصري، داعياً إلى انسحاب كامل لجميع القوات الأجنبية في أسرع وقت. ووفق التصوّر الأوّلي الذي سيُناقَش في جنيف، فمن المفترض البدء بتجميع المرتزقة في أماكن محدّدة توازياً مع استمرار التحضير للانتخابات، على أن تتمّ عملية إخراجهم إلى وجهات متعدّدة في وقت لاحق.
على خطّ موازٍ، كثّفت الولايات المتحدة، في الأيام الماضية، تحرّكاتها على خطّ الملفّ الليبي، بدءاً من مناقشة الأوضاع في ليبيا بين قائد القيادة الأميركية في أفريقيا ومسؤولي «5 + 5»، مروراً باتصالات سرّية جرت مع كبار المسؤولين الليبيين وتعديل مجلس النواب الأميركي «قانون استقرار ليبيا» الذي يهدف إلى معاقبة الجهات الخارجية التي تتدخّل في الشأن الليبي، في إشارة إلى داعمي المرتزقة ومنتهِكي حظر تصدير السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة، وصولاً إلى مطالبة السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند، بضرورة إقرار قانون خاص بالانتخابات خلال مدى زمني لا يتجاوز أسبوعين، بما يتيح إجراء البرلمانيات والرئاسيات بالتزامن. وفي هذا السبيل، انخرط وفدا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، في مفاوضات في المغرب بمشاركة البعثة الأممية، من أجل الاتفاق على الإطار المذكور، تمهيداً لاعتماده من البرلمان أو «ملتقى الحوار السياسي» الذي أقرّ الخريطة الانتقالية الحالية. وبينما تُواصل «المفوضية العليا للانتخابات» استعداداتها اللوجيستية للعملية، حيث ستبدأ في خلال أيام طباعة بطاقات الناخبين التي سيتمّ توزيعها ابتداءً من 16 تشرين الأول الجاري، تعهّد رئيس المفوضية عماد السايح، بفتح باب الترشّح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً، وليس الرئاسية فقط، على اعتبار أن القانون الخاص بالأخيرة جرى الانتهاء منه. وفيما تتوجّه الأنظار نحو مواقف الأطراف العربية من دعم المرشّحين للرئاسة، عاد رئيس البرلمان عقيلة صالح، وأوضح أنه لم يحسم قرار ترشّحه بعد، بعدما كان أعلن تعليق مهامّ عمله كي يترشّح للرئاسة. أمّا المفاجأة الكبرى، فتَمثّلت في إعلان السايح، مساء أول من أمس، عدم وجود مانع قانوني يحول دون ترشّح سيف الإسلام القذافي الملاحَق دولياً، فضلاً عن استمرار إمكانية ترشّح الدبيبة على رغم قرار البرلمان سحب الثقة من حكومته. وكان نجل القذافي أعلن، مبكراً، نيّته الترشّح في ظلّ وجود دعم جزائري واضح له، فيما ولّد طرح اسم الدبيبة صدمة وجدلاً بالنظر إلى أن النصّ الأممي حَظَر صراحة على قادة المرحلة الانتقالية الترشّح للانتخابات.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)