خالد الجيوسي:
مقتل شاب تركي على يد سوريين، هذه هي القصّة الأكثر تداولاً على المنصّات السوريّة، والتركيّة، لقد تحوّل الأمر، إلى مشهدٍ كارثيّ يطال أرزاق السوريين في أنقرة بتركيا بعد الحادثة، بل إن الأمر تحوّل إلى حرب شوارع، حيث الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت، تشي بغضب شديد من الأتراك، على خلفيّة الواقعة، وهذه ليست الحادثة الأولى التي تجعل السوريين تحت الاعتداء التركي.
عشرات الأتراك كما تحدّث نشطاء سوريّون عبر منصّة “تيك توك” الصينيّة للمقاطع المُصوّرة القصيرة، قاموا بمُهاجمة مُمتلكات السوريين، وتحطيم السيّارات، لم يخل المشهد من شماتة البعض بهؤلاء السوريين، لكنّ النشطاء انتقدوا ما وصفوهم “بالزعران”، الذين تسبّبوا في حالة الهلَع والرّعب التي أصابت الأهالي السوريين في أنقرة، والحديث عن “زعران سوريين” تسبّبوا بمقتل شاب تركي.
حي ألتينداغ في أنقرة، كان مكان الواقعة، حيث وثّقت المقاطع، خُروج السوريين من منازلهم بأعدادٍ كبيرة، تحت توصية الشرطة التركيّة لحمايتهم من اعتداء أهالي الحي الغاضبين، واللّافت أنّ الشرطة التركيّة لم تتهاون في تقديم يد العون للسوريين وأخرجتهم بحافلات كبيرة من الحي، الذين تتزايد الحملات ضدّهم، لطردهم من تركيا، فيما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يزال يتمسّك بتواجدهم، لكن هذا التمسّك يراه مُعارضون، تمسّكاً سياسيّاً، له أهداف لها علاقة بالخِلاف “الشّخصي” الأردوغاني مع نظيره السوري الرئيس بشار الأسد، والضّغط باتّجاه عدم الاعتِراف بشرعيّة النظام، وبالتّالي السّماح بعودة السوريين، وبدء مرحلة الإعمار، وهو الموقف الذي لعلّه عبّرت عنه مُساعدة رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ليلى شاهين عبر “تويتر”: “لا يمكن للوجدان تحمل مهاجمة الأطفال الأبرياء.. لا يمكن معاقبة الناس على جريمة ارتكبها شخص، المجرم سينال عقابه كائنا من يكن، يجب عدم منح فرصة لمن يعملون على تخريب وحدتنا”.
وبالرّغم من أنه جرى توجيه اتهامات لاثنين من الرعايا الأجانب (سوريين) على خلفيّة مقتل شاب تركي، إلا أنّ هذا لم يمنع حالة الهرج والمرج، ومشاهد تحطيم محال السوريين، حيث جميع بضاعتهم جرى رميها في الشوارع، ولم يُراعِ الغاضبون الأتراك حتى الأطفال السوريين، الذين دخلوا في حالة هلع، وأُصيب بعضهم بجُروح، وعبّر أهاليهم عن خوفهم على حياتهم.
مدير الهلال الأحمر التركي كريم كينيك، نشر من جهته على حسابه في “تويتر”، مقطع فيديو يُظهر إلقاء مقذوقات على منازل السوريين في الحي المذكور، وعلّق قائلاً: “أيّ من تقاليدنا تنطوي على رشق منازل الناس بالحجارة خلال الليل؟ الكثير من اللاجئين تواصلوا معنا وقالوا إنهم يخشون على حياة أطفالهم”.
زعماء الأحزاب السياسيّة التركيّة الكبيرة، دعت إلى الهُدوء وضبط النفس، والابتعاد عن مُحاولات البعض جر الأتراك والسوريين إلى فتنة عرقيّة، لكن ومع هذا تتواصل الأحزاب المُعارضة، تعهّدها بإعادة السوريين لبلادهم، حال خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة، وبطبيعة الحال استغلّ زعيم المُعارضة التركيّة كمال كليتشدار أوغلو الحدث وعلّق قائلاً: “سلسلة الأحداث التي وقعت الأيام الماضية من خلال اللاجئين الأفغان والسوريين “مؤامرة مدبرة”، معتبراً أنه “لن يسمح للنظام بإشعال البلاد”، وكتب عبر تويتر: “سنحل أزمة اللاجئين، وبالطبع سنحلها بتحكيم العقل، سوف نودعهم بالطبول والزمور، رجاءً ثقوا بنا وحافظوا على هدوئكم”.
التّحريض المُتزايد على السوريين هذه الأيّام في تركيا، نابعٌ من الملف المُعقّد للاجئين، وتحديدًا مع تصاعد وصول اللاجئين الأفغان على الحدود الإيرانيّة إلى تركيا إلى جانب تواجد السوريين مُنذ بدء الأزمة في سورية، وهو ما زاد من الضّغط التركي على السوريين، ووجوب سُرعة ترحيلهم، في أزمة لجوء، تضرب الاقتصاد التركي، والذي يُواجِه المصاعب أساساً.
وفي بيان للشرطة التركيّة قالت: “دعونا لا نسمح بزج بلدنا في هذه المؤامرة، لا تعطوا اعتباراً للأشخاص الذين يُحاولون تحريضكم”.
وعقب ليلة الجحيم وصفها السوريون بليلة اعتداء الأنصار (الأتراك) على المُهاجرين (السوريين)، أعلنت ولاية أنقرة في بيان لها انتهاء التظاهرات والأحداث التي شهدها حي “ألتين داغ” وذلك كما قالت بفضل “جهود قوات الأمن المكثفة وحكمة مواطنينا”، مُناشدةً المواطنين الأتراك بعدم التجاوب مع المنشورات والأخبار التحريضية.
وتتحدّث إحصاءات تركيّة، عن تواجد ما يقرب 10 آلاف لاجئ سوري يعيشون في حي ألتينداغ، وما بعد حادثة مقتل الشاب التركي، هؤلاء سيكونوا تحت تهديد أهالي الحي الغاضبين بشَكلٍ مُستمر، وهو ما قد يُجبرهم على الرّحيل من الحي التركي، وهو ما سيُجَدِّد مأساتهم، في رحلة لُجوء ومُعاناة وعدم استِقرار، بعد رحيلهم الأوّل عن وطنهم الأُم سورية.
التوجُهات السياسيّة بين المُوالين والمُعارضين السوريين، لعبت دورها في تقسيم آراء بعض السوريين حول الحادثة، لكن حرصت الأصوات السوريّة المُتَعقِّلة والحكيمة على الحالة الوطنيّة الجامعة، وإعلان التّضامن مع السوريين في تركيا، والتّأكيد أنّ الوطن سورية مَفتوحٌ لعودة جميع السوريين من مُختلف الانتماءات، والولاءات، في حال تقطّعت بهم السّبل في بُلدان اللّجوء جميعها، والتّذكير بحالة الصّفح التي أعلنتها الدولة السوريّة عن الجميع، ومن لم تتلطّخ أيديهم بالدّماء وفق أدبيّاتها.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم