بيروت حمود
لو أن في الإمكان اختصار ما حصل ليل الإثنين – الثلاثاء في إسرائيل، بكلمة، لحضرت كلمة «الجنون» أو «الفوضى»، أو لعلها «التفكك»، وفقاً لما اختارته «يديعوت أحرونوت» أن تُعَنْوِنَ به غلافها، أو ربما «الحرب الأهلية»، بحسب ما ذهب إليه زعيم المعارضة، يائير لبيد، في وصفه لـ«طنجرة الضغط» الإسرائيلية. فما حدث في مسلخ «سديه تيمان» بداية ليس معهوداً في دولة «القانون»، وما جرى بعده في محكمة بيت ليد العسكرية في نتانيا، هو زُبدة هذا «القانون» الذي يحكم الغابة الإسرائيلية باسم شرائع «يهوى».متطرفون من أتباع «الصهيونية الدينية»، وكوادر تنظيم «لافاميليا» المناصر لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بينهم نوّاب ووزراء من «الصهوينية الدينية» و«عوتسماه يهوديت» و«الليكود»، أعلنوا ببساطة شبه «انقلاب»، على وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس الأركان، هرتسي هليفي، بعدما وصلت الشرطة العسكرية لاعتقال 10 جنود من جلّادي «سديه تيمان»، مشتبه بهم في تنفيذ اغتصاب جماعي لأسير فلسطيني من غزة، بواسطة عصا، ما تسبب في شلله. وتسبّب رفض الامتثال لأوامر الاعتقال في فوضى غير مسبوقة، خصوصاً مع وصول النبأ إلى المتطرفين، الذين هبّوا لحماية الجنود العشرة والحؤول دون اعتقالهم. وخلال ذلك، اقتحم هؤلاء السجن، قبل أن يكملوا الهستيريا في المحكمة العسكرية في بيت ليد، حيث اقتحموا هذه الأخيرة أيضاً، وهم يشتبكون مع الجنود الذين «وصلوا لكي يدافعوا عنهم». وجرى هذا رغم أن غالانت وهليفي أعلنا دعمهما لجنود الجيش، وأن التحقيق فُتح أصلاً لإظهار «استقلالية» القضاء الإسرائيلي، والنجاة من «مقصلة» المحكمتين «الجنائية الدولية» و«العدل الدولية»، خصوصاً بعد تتالي التحقيقات الاستقصائية وشهادات المعتقلين حول التعذيب.
وبما أن الأسير الفلسطيني كان قد وصل قبل ثلاثة أسابيع إلى المستشفى، وأن أوامر الاعتقال لا تصدر بين ليلة وضحاها، وبالتأكيد كان هناك «علم وخبر» لدى الوزراء والنوّاب والمعنيين بقضية الاشتباه بحد ذاتها، والتحقيق فيها، فإن نظرية «المؤامرة» سيطرت على الشارع الإسرائيلي، الذي اعتبر أن ما حدث مجرد «مسرحية» لحجب الأنظار عن «الرّد المُزلزل» الذي تتوعد به القيادة الإسرائيلية لبنان، والذي يبدو أنه «تأخّر كثيراً» بنظرهم. وبمعزل عن صحة هذا الافتراض من عدمها، فإن ما حصل، ورغم كونه غير مألوف، فهو النتيجة الطبيعية لتولي «المعسكر المؤمن» السلطة. فهؤلاء الجنود ليسوا أوّل من يرتكب جريمة جنسية مروّعة بحق أسير؛ إذ سبقهم إلى ذلك «كابتن جورج»، الذي ارتكب جريمة شنيعة بحق الأسير اللبناني المحرر مصطفى الديراني. ومع تكشّف تفاصيل ما قام به، أقيل «كابتن جورج» وانتهت القضية بهدوء من دون أي احتجاج، ولكن يومها لم يكن هناك إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وأمثالهما في السلطة.
استدعى خروج الأمور عن السيطرة اضطرار رئيس الأركان، هرتسي هليفي، نفسه إلى ترك مداولات مهمة حول الشمال
واستدعى خروج الأمور عن السيطرة اضطرار رئيس الأركان، هرتسي هليفي، نفسه إلى ترك مداولات مهمة حول الشمال، حتّى يحضر إلى «ساحة الحرب» في بيت ليد، واستدعاء كتيبتين من لواء «الناحال» لوضع حدٍ لأعمال الشغب، في مهمة لا يُفترض أن تكون على عاتق الجيش، وإنما على عاتق الشرطة التي يتولاها بن غفير. وبناءً على ما تقدّم، بعث وزير الأمن، يوآف غالانت، أمس، برسالة إلى نتنياهو طالبه فيها بـ«التحقق مما إذا كان بن غفير تعمّد عدم إرسال قوات الشرطة لفض الاحتجاجات والسيطرة على الموقف»، معتبراً أن على نتنياهو «التصرّف بيد من حديد مع نواب ووزراء الائتلاف الذين شاركوا في اقتحام المعسكر والمحكمة». وردّ بن غفير، من جهته، على اتهامات غالانت، باعثاً هو الآخر برسالة إلى نتنياهو طالبه فيها بـ«التحقق مما إذا كان غالانت قد عرف ليلة السابع من أكتوبر باستعدادات حماس ولم يبلغ نتنياهو، وإن كان قد عرف، فلماذا لم يرسل القوات صبيحة الهجوم؟». كما طالبه بـ«التحقق مما إذا كان غالانت قد دعم موجة الرفض في صفوف ضباط الاحتياط، وخصوصاً في سلاح الجو، والذين رفضوا الامتثال للخدمة العسكرية كجزء من احتجاجهم على مخطط الإصلاح القضائي»، وهو رفضٌ، وفقاً لبن غفير، «قاد إلى أحداث السابع من أكتوبر. وقد يكون دعم غالانت لهؤلاء نتيجة لدعمهم له في «ليلة غالانت»»، في إشارة إلى الاحتجاجات الليلية في نهاية آذار 2023 على قرار نتنياهو إقالة غالانت، والتي أفضت إلى أن يتراجع رئيس الحكومة عن قرار الإقالة.
على المقلب الآخر، أقر ممثل النيابة العسكرية العامة، أمس، في «الكنيست»، بأنه خلال التحقيق في قضية التعذيب الجنسي، تم التوجّه إلى أسرى للاستفسار منهم حول شبهات التعذيب. وهو توجه يثير جنون الإسرائيليين، على اعتبار أن «مخربين (مقاتلي حماس) ارتكبوا فظائع في غلاف غزة، لا يمكن تصديق كلمة واحدة يقولونها»، وفقاً لحديث عضو «الكنيست» من «الليكود»، طالي غوتليب، ليردّ ممثل النيابة بالإيضاح أن «هذه التوجهات تحصل فقط بعد تقديم شكاوى (من قبل المعتدى عليهم)». وخلال الجلسة التي انعقدت لبحث «غزوتَي سديه تيمان وبيت ليد»، قال رئيس لجنة الدستور والقانون، عضو «الكنيست» من «الصهيونية الدينية»، سيمحا روتمان: «يجب التوقف عن ثرثرة الهراء بخصوص سلطة القانون أو الادعاء أنه «يوجد معلومات علينا فحصها بجديّة». فالمدعي العام في النيابة العسكرية اعترف خلال جلسة الخارجية والأمن بأن النيابة العسكرية بادرت إلى التحدث مع مخربين في غزة (عبر الهاتف) كان قد أُطلق سراحهم، من أجل أخذ معلومات منهم حول جنودنا. فهل هذا ما يدافع عنه غالانت؟». أمّا بن غفير، فقال، خلال الجلسة ذاتها، إن «النيابة العسكرية توجهت إلى المخربين لتلقي شكاوى حول «التعذيب الذي مارسه جنود الجيش»، وعندئذٍ، اقتحم عناصر الشرطة العسكرية وهم ملثمون قاعدة للجيش لاعتقال الجنود». وتساءل: «هل جُننا بالمطلق؟ إن هذا التخبط الأخلاقي في قيادة الجيش يجب أن نلاقي له علاجاً من الجذور. وغالانت يجب أن يطير أولاً، وحالاً!».
إلى ذلك، قرر الجيش، أمس، نقل ثلاث كتائب لحراسة القاعدة العسكرية في بيت ليد، حيث يتوقع أن تطلب النيابة العسكرية من المحكمة العسكرية، تمديد اعتقال الجنود المشتبهين بقضية التعذيب الجنسي.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية