} حسن حردان
المراقب لمسار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وتداعياته لا بدّ له من ملاحظة المأزق الذي دخلت فيه حكومة الحرب الإسرائيلية في محاولاتها المستميتة لتحقيق إنجاز في الميدان، أو صورة نصر تستطيع التباهي به وتقديمه للرأي العام الصهيوني، لتبرير حجم الخسائر التي تكبّدها كيان الاحتلال وجيشه ولا يزال، وتستند اليه لمحاولة إملاء أو تحسين شروطها في عملية التفاوض بشأن إطلاق الأسرى من جنود العدو، بعد أن تكون وصلت إلى طريق مسدود في هدفها لاستردادهم من دون شروط، والذي يتطلب أولاً تحقيق هدفها بالقضاء على المقاومة أو بالحدّ الأدنى إضعاف قدراتها العسكرية.. وهو ما يبدو مستحيلاً كما تشير اليه تطورات المعارك في ساحات القتال على جميع المحاور التي يحاول جيش الاحتلال التقدّم عبرها لمحاصرة مدينة غزة…
على انّ مأزق العدوان تجلى في ثلاثة مستويات:
المستوى الاول، عجز حكومة الحرب الصهيونية عن تقديم صورة تدعم ما تزعمه من إنجازات عسكرية حققتها في مواجهة المقاومة الفلسطينية، حيث ورغم دخول العدوان شهره الثاني ونحو أسبوع على الهجوم البري، فإنّ المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي لم يقدّم في إحاطته اليومية ما يبرهن به على إنجاز حقيقي يُعتدّ به في ميدان القتال البري، سوى كلام عام عن نجاحات لاحتواء غضب الرأي العام الإسرائيلي الذي يزداد قلقاً من حجم الخسائر التي مُني بها جيش الاحتلال في الأرواح والمعدات.. وتزايد الخطر على حياة الأسرى الصهاينة.
في المقابل فإنّ المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام يعلن يومياً بالأدلة المدعومة بالصوت والصورة عن إنجازات المقاومة بإحباط محاولات تقدّم جيش الاحتلال في المناطق السكنية، بعد أن دخل إلى مناطق فارغة، وفي الوقت ذاته يعرض فيديوات تظهر لحظات نجاح المقاومين في تدمير عشرات الدبابات والمدرّعات والاليات العسكرية لقوات العدو، ومهاجمة قوات العدو من الأمام والخلف في مشاهد تجسّد بطولة الفدائي الفلسطيني ومهارته في القتال وقدرته وجرأته التي فاجأت وصدمت العدو وربيبته أميركا، وأذهلت جمهور المقاومة وأصدقاءها.
المستوى الثاني، تجلى في صور الصمود الأسطورية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بعد كلّ مجزرة رهيبة يرتكبها جيش الاحتلال، حيث يخرج الأطفال والنساء والشيوخ الناجين من بين ركام منازلهم المدمّرة وبعد فقدانهم معظم عائلاتهم، ليؤكدون ثباتهم في أرضهم واستعدادهم للاستشهاد وعدم السماح للعدو بتحقيق هدفه في تكرار نكبة فلسطينية ثانية، معلنين تمسكهم بمقاومتهم التي يعجز العدو في النيل منها، فيلجأ للانتقام بقتل المزيد من المدنيين في منازلهم، وهو الإنجاز الوحيد الذي ببرع في تحقيقه حتى الآن…
وفي مقابل هذه الصور من صمود أهل غزة، والتفافهم وتوحدهم خلف مقاومتهم، نشاهد صور التخبّط والارتباك والاتهامات المتبادلة بين المسؤولين في الحكومة الاسرائيلية، وسعي نتنياهو إلى التملص من المسؤولية عن الاخفاق في 7 تشرين الأول، بتحميل المسؤولية للاخرين، فيما شهدت تل أبيب تظاهرة كبيرة طالبت نتنياهو بالاستقالة، ودعت إلى إعطاء الأولوية لاطلاق الأسرى، خاصة بعد توارد الأنباء عن الفشل المتواصل في الهجوم البري وتزايد أعداد القتلى في صفوف الجنود الإسرائيليين على نحو كبير، وارتفاع منسوب المخاطر على حياة الأسرى بفعل القصف الصهيوني العنيف، وإعلان عائلات الأسرى عن نصب خيام أمام الكنيست للاعتصام بصورة دائمة والتظاهر كلّ يوم سبت، فيما جاء تصريح وزير «التراث» الصهيوني اميحاي الياهو عن أنّ من بين الخيارات المطروحة قصف قطاع غزة بقنبلة نووية، وإعلانه أنّ حياة الأسرى ليست أهم من حياة الجنود في الميدان، الأمر الذي عكس مأزق العدوان، وآثار غضب عائلات الأسرى، وادّى الى موجة انتقادات ضدّه، فيما أحرج حكومة نتنياهو لأنّ مثل هذا التصريح يشكل أوّل اعتراف رسمي بامتلاك «إسرائيل» أسلحة نووية مما يتسبّب بإدانات دولية من ناحية، ويؤكد الطبيعة الإرهابية النازية للكيان وقادته من ناحية الثانية والتي تتجسد في حرب الابادة التي ينفذها في غزة..
المستوى الثالث، تصاعد واتساع التظاهرات وزخم المشاركة الشعبية فيها، في عواصم ومدن العالم، وامتدادها لتشمل عواصم الدول الغربية التي دعمت العدوان وتبنت الروايات الصهيونية الكاذبة، مما أحرج الحكومات الغربية وبدأ يؤثر على مواقفها، ودفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إرسال الرسائل للحكومة الإسرائيلية تنبهها فيها إلى مخاطر الايغال في سياسة قتل الأطفال والنساء واستهداف المستشفيات، ومطالبتها بـ «التخفيف» من القتل، وليس وقف القتل ووقف النار! ودعوتها الى قبول هدن مؤقتة وزيادة حجم دخول شاحنات المساعدات عبر معبر رفح، وإجراء تبادل جزئي للأسرى، وذلك لاحتواء غضب الرأي العام والضغوط الدولية.. وهو ما رفضه نتنياهو وفريقه الحاكم حتى الآن…
من هنا يمكن القول انّ العدوان الصهيوني الأميركي يزداد عجزه ومأزقه في السعي لتحقيق ايّ هدف من أهدافه، فيما جبهته الداخلية بدأت تربكه، وزخم التظاهرات في العالم يضغط على المسؤولين الأميركيين والاسرائيليين، والوقت لم يعمل لمصلحتهم، لا سيما على ضوء ازدياد الضغط الدولي لوقف النار، والفشل في تحقيق إنجاز عسكري في الميدان وتأكد صعوبة، إذا لم نقل استحالة النجاح في تحقيق أيّ هدف من الأهداف المعلنة والعالية السقف للحرب الباهظة والمكلفة لكيان الاحتلال والسياسة الأميركية على كل المستويات…
سيرياهوم نيوز3_البناء