| هالة نهرا
في مئوية كتاب «النبي» (1923) لجبران خليل جبران، نظّم «مركز التراث اللبناني» في «الجامعة اللبنانية الأميركية» مؤتمراً دولياً في حرَم الجامعة في بيروت، تُوّجت جلساته الأكاديمية النقاشية بقراءاتٍ مُمَسْرَحة إبداعية من الكتاب (أداء الممثل القدير رفعت طربيه ـــ إعداد موسيقي: إيلي برّاك، إخراج لينا خوري). في هذا الفضاء الثقافي، أُطلق كتاب «النبي» بترجمته العربية الصادر عن منشورات «مركز التراث اللبناني» الذي صاغه وقدّم له باللغة العربية الشاعر اللبناني هنري زغيب.
واءمت الترجمة المتقنة بين البلاغة ولغة العصر الحديثة، مكتنفةً اجتهادات زغيب، ,خصوصاً أنّ اللغة العربية خصبة بمروحةٍ شاسعة من المرادفات والتورية والمجازات والاستعارات. فراوح هنري بين النأي عن محدودية الحرفيّ وكاريكاتوريته التي نلحظها تاريخياً في الكثير من الترجمات، وبين الحرص على عدم خيانة الأصل. حول حدود أمانة الترجمة الأدبية وتحدّيات المعادلة التي اقترَحها، ودقّة تجانساتها، ومدى اختلافها وتميُّزها، قال زغيب لنا إنّه كان ضرورياً أن يضع ترجمته حديثةً بلغة هذا العصر، فجبران وضَع كتابه في العقد الثاني من القرن العشرين، معتمداً لغةً تبشيرية سكَبَها بإِيقاع عصره، وبلغةٍ لا تخلو من البطء والتراكيب التي كانت رائجة حينذاك بين القرّاء. ولأنه كان يترجم المعنى لا المبنى، سكَبَ النصّ في لغةٍ رشيقة هي بنتُ عصره، لا عصر جبران. وأردف قائلاً: «اللغة كائنٌ حيّ يتطوّر مع العصور والأجيال المتعاقبة. لذا ترجمتُ إِنكليزيةَ جبران الأمس بعربيةِ اليوم وإيقاعها العصري، بإيجازٍ بليغ أمين لمبناها وأمين للمعنى الجبرانيّ في نسيجه التأليفيّ لا اللغوي. وبذلك أنقذتُ ترجمتي من تراكيب النص الأصلي بإيقاعها العتيق، ومن غبار العربية وما يعتَريها من تراكيبَ مألوفةٍ ومفردات مكرَّرة وحواشٍ عتيقة مستعمَلة تُثقل انسياب النص. الترجمة بنتُ تقدُّمِ اللغة، لذا يجب أن تكون سلسة ونضرة وقريبة من القارئ، ولو كان الأصل في لغةٍ قديمة أو متحذلقة وذات أدوات واصطلاحات عتيقة بطُلَ استخدامها. كل ذلك من ضمن الأمانة الأدبية الصارمة».
أُطلقت ترجمة جديدة للكتاب صاغها وقدّم لها الشاعر هنري زغيب
وعن دَوْر الحدس الأدبي الإبداعي في القبض في الترجمة على التعبيرات السديدة بالعربية التي تعكس وتختزن الصفو الدلاليّ المعبّر عن الجوهر، ولا سيما أنّ الأدب يبقى قابلاً للتأويل مُذّخِراً أحياناً مراوحَ دلاليةً في بطانته وطبقات النص الداخلية، أفادنا زغيب بأنّ الحدس الأدبي هو دوماً ابن بيئته المتطوّرة لغةً مكتوبةً وشفاهةً رائجة. لذا على الكاتب، مترجِماً أَو مؤلِّفاً، أن يخلع عنه التعابير المستهلكة المكرّرة في النصوص السالفة، معتمداً نبضه العصري بما فيه من إيجازٍ وضّاء، وبلاغة تعتمد حذف مفردات بالية وكلمات عتيقة.
وختم زغيب: «عبقرية اللغة العربية تولِّد الكثير من الدلالات المضيئة التي لا تخون اللغة الأمّ ولا قواعدها ولا أصولها، بل تكون منبثقة من جذورها الحية وتراكيبها التي حين يتناولها فارسٌ في اللغة، يُخرج منها نجوماً آتية من لغة الغد لا من لغة القواميس ومجامع اللغة. صحيح أنّ التأويل متاحٌ ووارد، لكن هذا التأويل يجب أن يخدم لغة العصر البهية، وطبقات النص الداخلية وما أكثرها وما أبهى استعمالاتها، فتتمكّن المراوح الدلالية من تأدية جديدها الذي هو بالذات ما يُعَصْرِنُ اللغة ويجعلها حيّةً من جيلٍ إلى جيل، ومن عصرٍ إلى آخر. هذه هي صورة الأدب الحيّ، وهذا هو الأديب الحديث الذي لا يعيش اليوم فيما يلبس عباءةً من العصور الغابرة».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار