| مصعب أيوب
برعاية وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح وبحضور وزير السياحة محمد مارتيني عقد صباح أمس الأحد مؤتمراً دولياً لبحث آخر نتائج الأبحاث الأثرية السورية وتداعيات الزلزال وقد تخلله معرض على سور حديقة المتحف الوطني لبعض نماذج مشاريع ترميم التراث الأثري السوري بمشاركة نحو 30 باحثاً وباحثة من عدة دول وذلك في المتحف الوطني بدمشق ضمن القاعة الشامية.
سورية قلب العالم
ومما جاء في كلمة وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح «هذه ليست المرة الأولى التي ننظم فيها مثل هذه المؤتمرات، لكنها بالتأكيد المرة الأولى منذ بداية الحرب الإرهابية الشرسة على وطننا التي يشارك فيها هذا العدد المهم من الشخصيات العلمية والبعثات الأثرية الأجنبية التي تعمل في سورية، بعضها لم يغادرها في أحلك وأصعب الظروف التي مرت عليها، وأصر على الاستمرار في البحث وفي تأهيل الكوادر والطلاب (كالبعثة الهنغارية التي تابعت أعمالها في قلعتي الحصن والمرقب). وبعضها الآخر عاد إليها عام 2019. وهناك خمس بعثات إيطالية تعمل في عدد من التلال (تل إيبلا وطوقان، وفرزت ريف دمشق، وعمريت، وتل الكزل كركوس…) وإننا إذ نرحب بكل جهد شريف مخلص يقدَّم لنا لمساعدتنا في تأهيل كوادرنا والكشف عن كنوزنا الحضارية، ندرك الضغوط التي مورست على الكثيرين من محبي سورية والعقبات التي حالت دون وجودهم فيها لمشاركتنا الدفاع عن تراثها الإنساني العظيم».
وتابعت مشوح إن العقبات لا تزال قائمة، والضغوط لا تزال تمارس وبمختلف الأشكال، لكن وجود هؤلاء الخبراء يتزامن مع بداية مرحلة التعافي هو دليلُ رغبتهم، أفراداً علماء وباحثين ومؤسساتٍ علمية، بمدّ يد العون لسورية التي عانت من حرب فرِضت عليها، نال تراثَها ما نالَه من ويلاتها ومن تبعات حصار أحادي يريد أن يستنزف طاقاتِنا وصبرَنا، كما يستزف خيرات وطننا، وأن يُضعِف إرادتنا.
وفي حديث للإعلام أكدت مشوح أن المؤتمر ذو أهمية كبيرة لأنه يحضره علماء من دول متعددة منها التشيك وهنغاريا وإيطاليا بواقع خمس بعثات تعمل في سورية بالتعاون مع الخبراء السوريين في المديرية العامة للآثار والمتاحف لتأهيل الكوادر والطلاب للمشاركة في الترميم، وأشارت إلى أن الجمع الغفير الذي يحضر المؤتمر يدرك أن سورية مهد الحضارات ولا غنى للجميع عنها فهي قلب العالم كله وليس فقط قلب العروبة النابض.
جهود كبيرة للحفاظ على التراث
وفي تصريح للصحفيين أفاد وزير السياحة محمد مارتيني أن الدولة السورية بكل مؤسساتها تبذل جهوداً كبيرة لاستعادة أوابد التراث والحضارة الإنسانية ونحن نسعى دائماً للمساعدة في استعادة وإصلاح ما تم تدميره أو سرقته أو حتى الإساءة له التي قامت بها بعض المجموعات الإرهابية، ولدينا قائمة بحجم الضرر الذي لحق بآثارنا بعد الزلزال المدمر ولا بد من تضافر جهود كبيرة ودولية لمساعدة الحكومة السورية، لأن هذه الأوابد وما تحتضنه الأراضي السورية من تاريخ ثقافي مشترك وما نملكه من كنوز حضارية وأثرية وأماكن مقدسة لكل أطياف وشعوب الكرة الأرضية حافظنا عليها لأنها لكل الإنسانية وتعتبر ملكاً للعالم كله، وهذا المؤتمر ذو أهمية عالية لما سيقدمه من تطلعات ودراسات وتقييمات لإعادة ترميم الأضرار في تدمر وما خربه الإرهابيون والأضرار التي أصابت بعض الأوابد الأثرية مثل قلعة حلب وفي جبلة واللاذقية والجهود مستمرة في مدخل قلعة حلب وقريباً سيتم الإعلان عن عودة المدخل لسابق عهده بالشكل الذي يليق به، والمشروع مستمر لكل أرجاء القلعة ولجميع المعالم التي تحتاج لترميم وإعادة تأهيل.
ولا بد للجهات المختصة والمنظمات الدولية من المساهمة في رفع العقوبات أحادية الجانب عن سورية حيث إنها سبب في الضغط الاقتصادي على الشعب السوري، إضافة إلى أنها تقف في وجه وصول الدعم التقاني والتكنولوجي والخبرات اللازمة والمواد والتجهيزات المتطورة لإعادة ترميم ما تضرر، وصرح أنه قريباً سيتم افتتاح الجامع الكبير في حلب.
وتوجه مارتيني في معرض حديثه بالشكر لوزارة الثقافة التي لم توفر أي جهد للحفاظ على التراث والآثار بالتعاون مع المؤسسات الوطنية.
التراث السوري مهم وأساسي
مدير معهد الآثار في جامعة بيتر بازماني الكاثوليكية د. بالاج مايور بين لـ«الوطن» أنه لا يوجد أدنى شك حول أهمية الآثار السورية والتراث السوري وهي عنصر مهم جذب اهتمام منظمات عالمية إليه وأهمها اليونسكو، وشدد على أنه من المؤسف أن تتعرض هذه المعالم للتدمير أو تصاب بالانهيارات نتيجة عوامل طبيعية وكوارث مثلما نتج عن الزلزال أو نتيجة عوامل بشرية من المخربين، فقد تم تدمير الكثير من المعابد والقصور والمنحوتات التي صممت بأشكال رائعة تدل على القدرة المعمارية المميزة، كذلك فقد تعرضت الآثار السورية للتدمير على يد المجموعات الإرهابية، وبعد أن عادت لسيطرة الحكومة السورية قامت المديرية العامة للمتاحف بتقييم الأضرار بالكامل، وتبين أن هناك العديد من المواقع التي تحتاج إلى تدخل سريع ومباشر وكذلك بالضبط بعد كارثة الزلزال، وقد بذلنا جهوداً كبيرة بالتعاون مع الآثار والمتاحف لحماية أهم المعالم والآثار الشاهدة على عراقة الحضارة السورية وقد جهزنا المواد اللازمة للترميم وإعادة التأهيل إلى متحف حماه واستقدمنا مواد جديدة في الأشهر الأخيرة ويتم الآن العمل على إصلاح العديد من القطع.
الحفاظ على التراث السوري مهم وأساسي لأن سورية مهد الحضارات كما يعلم الجميع وهو تراث مشرف لكل العالم وليس فقط للسوريين والحفاظ عليه وظيفة كل شخص في هذا العالم، المؤتمر اليوم ونحن نتعاون مع الآثار والمتاحف منذ زمن بعيد وعملنا سابقاً في قلعة المرقب وقلعة الحصن وعمريت واليوم فرصة ذهبية للتعرف على بعضنا، وبين أن المؤتمر سيعرض نتائج الأبحاث خلال الفترة الماضية والأعمال اليومية التي كانت تتم ومناقشة خطط للمراحل القادمة وتقييم التقارير والوثائق.
خبراء رواد
مدير عام الآثار والمتاحف محمد عوض في تصريح لـ«الوطن» صرح أن المؤتمر اليوم ليس غريباً عن نشاطات وزارة الثقافة حيث إنه يجمع كوكبة من الباحثين من جيل الرواد وباحثين سوريين والمهتمين الذين جاؤوا لحضور هذا الملتقى العلمي الذي تم التحضير له بدعم من وزارة الثقافة ووزارة السياحة، وجاء اليوم ليعرض أعماله التي أنجزها الرواد الأوائل ممن أسسوا ما يسمى تاريخ الشرق القديم وعملوا بجهد كبير لتعريف العالم بالحضارة السورية من خلال أبحاثهم ومحاضراتهم التي كانوا يلقونها في أهم المراكز العلمية والبحثية وعبر نشر الكثير من المقالات التي ضمت العديد من الاكتشافات والمعلومات حول المواقع الأثرية السورية التي عملوا فيها طوال سنوات كثيرة، وقد حضرت اليوم أسماء لها وزنها وتاريخها العريق في الآثار والتراث ومنها من تقدم في العمر ليلقوا محاضرات مهمة حول الحضارة السورية والتراث السوري المهم، وشدد على أن الباحثين كان لهم دور كبير في التعريف بالحضارة السورية والكشف عن معالمها من خلال عملهم في كل أنحاء العالم، وسيكون في المؤتمر مجموعة محاضرات حول الآثار السورية إضافة لبعض المحاضرات حول أضرار الزلزال على المباني الأثرية وهو أمر مهم للغاية وسنخرج بعدة توصيات علمية ومهمة لترسل إلى مؤسسات بحثية وأكاديمية وأممية ومنها اليونسكو، ونتطلع إلى أن تكون نتائجها ذات أثر إيجابي مهم نظراً لوجود عدد مهم من الخبراء العريقين الذين آمنوا بالحضارة السورية والتراث السوري وبالتالي كانوا أوفياء لهذا التراث حتى خلال فترة الحرب.
مدير التنقيب والدراسات الأثرية همام سعد أوضح لـ«الوطن» أن المؤتمر ذو أهمية عالية لأن أغلب البعثات الأثرية الإيطالية عادت إلى سورية إضافة للبعثة الهنغارية والتشيكية، وهناك العديد من الباحثين الذين غادروا سورية منذ 2011 عادوا مؤخراً وهذا يدل على عودة الحياة الثقافية ويفتح المجال أمام الحياة السياحية للعودة كما كانت سابقاً، وهناك رسالة مهمة للطلاب والعاملين في هذا الميدان تفيد أنه بإمكانهم استئناف ممارسة نشاطهم الأثري بالتعاون مع هذه البعثات، وبين أن هناك محوراً خاصاً حول تداعيات الزلزال المدمر سيعرض خلال مجريات المؤتمر ومن المهم أن يعرض المجتمع الدولي ما آلت إليه الأضرار نتيجة الزلزال.
سيرياهوم نيوز1-الوطن