رحاب الإبراهيم
في وقت كان ينتظر اتخاذ قرارات تدعم الصناعة الوطنية بما فيها المنشآت المتناهية الصغيرة والصغيرة والمتوسطة، كونها طوق النجاة من الواقع الاقتصادي والمعيشي المتأزم، والسبيل لصون القرار الاقتصادي ولقمة العيش بعيداً عن فخ الاستيراد المكلف، وجهت ضربة ثقيلة لصناعة وحرفة الأحذية والجلديات، التي كانت تعد من أهم الصناعات الرابحة في سورية وخاصة أنها تلقى رواجاً وطلباً في الأسواق الخارجية، عبر السماح باستيراد أوجه الأحذية والنعال والكعب الخطير في مضمونه وتداعياته.
وهذا من شأنه تحويل هذه الصناعة بعد ما كانت مصنعة محلياً من ألفها إلى يائها، إلى صناعة مجمعة تهدد بإغلاق مئات الورش في مدينة حلب وخسارة الكثير من الحرفيين والعمال مصدر رزقهم لصالح بعض المعامل لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فأين سياسة دعم الانتاج ودعم المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، المعول عليها في النهوض بالاقتصاد المحلي وتمكينه من الوقوف على رجيله من جديد.
يوجد في حلب 750 حرفي مسجل في الجمعية الحرفية مع وجود 1400 ورشة مرخصة في مديرية صناعة حلب، يراجع منهم مديرية صناعة حلب حوالي 700 ورشة وحوالي 1550 ورشة غير مسجلة تعمل في مناطق العشوائيات من أجل تنظيم هذه الورش، بذلك يصبح عدد ورشات صناعة الأحذية بحلب 3000 ورشة بين منظمة أصولاً وغير منظمة سيتم تنظيمها بعد تعديل 250.
ويقدر عدد العاملين في هذه الورشات بما يقارب 30 ألف عامل كحد أدنى وعدد من يعمل في صناعة متممات صناعية الأحذية 20 ألف عامل عامل كحد أدنى، حيث يعمل في كل ورشة أو معمل ما بين 10 إلى 15 عامل.
قرار كارثي
بسبب قرار السماح باستيراد أوجه الأحذية جميع هذه الورش والمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة مهددة بالإغلاق مع جعل حرفييها وعامليها تحت رحمة البطالة، لذا توجه صناعيو وحرفيو مهنة الأحذية إلى تقديم شكوى لـ”سيريا هوم نيوز” على أمل المساهمة في تغير قرار السماح باستيراد أوجه الأحذية والنعال والكعاب، حيث وصفوا القرار بـ”الكارثي”، علماً أنهم رفعوا مذكرات ومقترحات عديدة للحيلولة دون إصدار هذا القرار وتفادي تأثيراته السلبية، وسط حالة من التجاهل لطلباتهم المحقة الهادفة إلى الحفاظ على هذه المهنة العريقة والمجدية، علماً أن التوجيهات الرئاسية تشدد على دعم المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
ضرر كبير
حسن كناس رئيس الجمعية الحرفية للأحذية والجلديات بين لـ”سيرياهوم نيوز” تأثير القرار السلبي على واقع هذه الحرفة الهامة التي تشغل آلاف العمال وترفد الخزينة بالقطع الأجنبي، حيث يوجد أكثر من 700 حرفي منتسب إلى الجمعية، إضافة إلى قرابة 4 آلاف ورشة تعمل في المناطق الشعبية، جراء عدم منح أصحابها تراخيص مؤقتة، مطالباً بمنح هذه الورش تراخيص مؤقتة بموجب الشهادة الحرفية من أجل تنظيم هذه الورش وتقويتها، مع العمل على تخصيصها بأرض على المدى المتوسط بغية تجميعها في منطقة حرفية محددة، بدل اتخاذ إجراءات تقضي عليها بشكل نهائي وتسرع في إغلاقها رغم أهميتها ودورها الاجتماعي والاقتصادي، مبيناً أن الضرر لا يقتصر على ورش الأحذية، حيث ستتضرر صناعات أخرى ممتمة لصناعة الأحذية كالتريكو مثلاً.
صناعة تجميع
واعتبر كناس أن السماح باستيراد أوجه الأحذية والنعال والكعاب دون اتخاذ إجراءات تحمي الصناعة الوطنية سيؤدي إلى تحويل هذه الصناعة الهامة إلى صناعة مجمعة، فالصناعة لا تكون منتجة محلياً إلا إذا كانت مصنعة بنسبة تتجاوز 55% ودون ذلك ستكون مجرد تجميع لمواد أولية مستوردة، وهذا يضر بالاقتصاد المحلي ولا ينفعه.
وشدد كناس على ضرورة دعم المنشآت الحرفية المتناهية الصغر والصغيرة، التي شبهها بـ”البرعم” التي تحتاج إلى الرعاية والدعم حتى تقوى وتكبر وتصبح منشآت متوسطة وكبيرة تسهم في نهضة الاقتصاد المحلي.
تأثير سلبي مضاعف
واعتبر حسين جليلاتي أمين سر الجمعية الحرفية للأحذية والجلديات لـ”سيريا هوم نيوز” أن السماح باستيراد أوجه الأحذية غير قانوني ويضر الاقتصاد المحلي، ولا سيما أن سورية عموماً وحلب خصوصاً مصنعة لهذا المنتج، الذي كان يصدر إلى الأسواق الخارجية ويلاقى رواجاً كبيراً لجودته وصناعته المتقنة، بالتالي إدعاء قول أن الورش لا تنتج بضاعة جيدة ليس صحيحاً رغم التكاليف المرتفعة التي يتحملها أصحاب الورش من المحروقات والكهرباء علماً أنهم يعتمدون على الطاقة البلدية ولا يطالبون بتأمين الكهرباء كغيرهم، مع أن ذلك يضعهم في شروط منافسة غير متوازنة.
وبين جليلاتي أن قرار السماح باستيراد أوجه الأحذية، الذي صدر منذ سنتين وأعيد إصداره مجدداً بشروط جديدة سيفاقم الوضع أكثر بدل اتخاذ إجراءات تدعم هذه الصناعة لتعاود التصدير كما كانت سابقاً، حيث أدى القرار السابق إلى إغلاق أكثر من 700 ورشة صناعية يعمل في كل ورشة على الأقل ما بين 10 إلى 15 عامل، ما دفع بعضهم إلى السفر خارج البلاد، مع انخفاض إنتاج عدد كبير من المعامل المتممة لصناعة الأحذية وانخفاض مبيعات لوازم الأحذية الأولية مع انخفاض المستوى المعيشي لعدد كبير من عمال صناعة الأحذية المقدرين بـ50 ألف عامل وأكثر موزعة على ورشات صناعة الأحذية والمقدرة بـ3 آلاف ورشة وكذلك الورشات والمعامل المتممة لصناعة هذه الأحذية، إضافة إلى هدر في القطع الأجنبي.
مصالح تجارية
وتحدث سمير عثمان عضو مجلس إدارة بالجمعية الحرفية للأحذية والجلديات عن التحديات الصعبة التي تواجه أصحاب ورش صناعة وحرفة الأحذية في ظل تكاليف الإنتاج الأولية وأسعار الطاقة والمازوت، ليأتي هذا القرار ليزيد الطين بلة ويطلق رصاصة الرحمة على هذه المهنة العريقة، بينما التوجهات الرئاسية تشدد على دعم المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة، لافتاً إلى أن إصدار هذا القرار يخدم مصالح بعض المعامل في دمشق وحماة، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، مقابل آلاف الورش الحرفية العاملة بهذا المجال، فهل الأجدى اقتصادياً دعم معامل قليلة تفكر بمنطق تجاري عبر تحصيل أرباح كبيرة وسريعة عند تجميع مستلزمات هذه الصناعة بعد استيرادها أم دعم منشآت تصنع الأحذية من الألف إلى الياء.
وذكر عثمان بتجربة العراق الشقيق، حينما سمحت حكومته خلال سنوات الحرب باستيراد الأحذية ريثما تعود صناعة الأحذية إلى عهدها لكنها لم تعد حتى الآن وانقرضت تلك المهنة بالتدريج وتحولت العراق تدريجياً إلى بلد مستورد للأحذية بعد ما كان مصنعاً لها.
مقترحات منقذة
واقترحت الجمعية الحرفية للأحذية والجلديات اتخاذ الإجراءات المطلوبة لإنقاذ مهنة عمرها أكثر من مئة عام، من الزوال وإذا كان لا بد من استيرادها يجب أن يكون ذلك مشروطاً بحيث يسمح باستيراد أوجه الأحذية فقط لمصنعي الأحذية الرياضية مع تمويلها عبر المنصة وأن يعامل استيراد أوجه الأحذية على أساس القطعة وليس الوزن “كغ” كونها تباع بالقطعة وأن تكون كمية الأوجه المستوردة فقط وفقاً لمعايير الإنتاج المرخصة في وزارة الصناعة لكل صناعي أحذية رياضية مرخصة أصولاً، وأن يمنع استيراد أوجه المصنعة من الجلد الطبيعي مع فرض ضميمة عالية على القطعة المكونة من هذه الأوجه المستوردة لصالح الدولة كونها ستوازن الأسعار بين الأحذية المستوردة والأحذية المصنعة محلياً، مع إلزام معامل صناعة الأنعال بتصنيع هذه الأوجه في معاملهم أو محلياً في ورشات صناعة الأحذية عبر التشارك والتشبيك مع الحرفيين لما يخدم المصلحة الاقتصادية العليا ويؤمن هذه المنتجات بأسعار مقبولة للمواطنين.
(موقع سيرياهوم نيوز-1)