آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » مئة خطوة إلى الوراء..!!

مئة خطوة إلى الوراء..!!

 

 

مالك صقور

 

إن كان لينين كتب ذات يوم ” خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء ” ؛ فيقتضي الإنصاف اليوم أن يُكتب : ” مئة خطوة إلى الوراء “.

وكذلك فكرة ” التقدّم ” الذي يزعم المفكر الفرنسي فرنسيس بيكون أنه هو الذي أبدعها و أطلقها في القرن السابع عشر لتتحد مع نظرية ” التطور ” – ففي الربع الأول من القرن الحادي والعشرين – لم ينفصل التقدم عن التطور فحسب ، بل يمكن القول : إن الإمبريالية قد تمكنت من سحق التقدم والتقدمية ، مستغلة ” التطور ” ذاته في حربها ضد كل ماهو تقدمي . ولا يتسع هذا الحيز للتفصيل في فكرة ومفهوم ” التقدم ” عبر التاريخ ، وكيف تماهى مع ” التطور ” . ولكن اعتقد أن الكثيرين لا يفرقون بين التقدم والتطور . مع أن تقدم وتطور الحضارات كان بفضل الأثنين معاً . فمن البديهي أنه لا يوجد تطور من غير تقدم ، لكن هذا كان في زمن انتصارالعقل التنويري والفلسفة والعلم حين تم فرض قيم الفضيلة والأخلاق . والمقصود فلسفياً : التقدم – في الفكر والمعرفة والفلسفة .أما التطور- ففي مجال التكنولوجيا ، والابتكار والإختراع .

مثلاُ : تجد شخصا ً يقود أحدث أنواع السيارات ، ويستخدم في منزله كل أدوات الترفية الضرورية وغير الضرورية من الثلاجة والتلفاز والمصعد وكل الوسائط والوسائل الكهربائية والإلكترونية ، لكنه رجعي الفكر ، عديم المعرفة ، ويقول بصراحة : لم أقرأ كتابا واحداً في حياتي . هو يستخدم ما قدمه العلم من تطور . لكنه ليس تقدمياً .

إن فكرة التقدم التي طُرحت في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا ، وخاصة في فرنسا وبريطانيا ، كانت أساساً ومنطلقاً للفكر التحرري ، التنويري ، العلمي والعلماني . والتقدمية – كمصطلح ، اشتغل عليه كثيرون من المفكرين الأوروبيين غير بيكون مثل فونتفيل والراهب دوسان بيير وفولتير وتورغو و رسو وسان سيمون . والتقدم و التقدمية كانت تعني : العدالة والمساوة و التنوير وفصل الدين عن الدولة والإشتراكية . فيما بعد تبنّت الماركسية فكرة التقدم ، لأن التقدم هو نواة الماركسية . وصار تحصيل حاصل ، كل ماركسي يفترض أن يكون تقدمياً . ومن البديهي ، صارت التقدمية العدو اللدود للرجعية والرأسمالية والإمبريالية والأستعمار .

ولكن مع الانزياحات والانحرافات والتغييرات والرياح الصفراء ، منذ تسعينات القرن الماضي ، غاب مصطلح الرجعية من قاموسنا السياسي ومن صحافتنا . وإذا ماالتفتنا قليلاً إلى الوراء ، لا سيما إلى منجزات القرن العشرين وجدنا الأمل المنشود في حركات التحرر العالمية ، وسقوط الأمبراطورية العثمانية ، وانتصار الإشتراكية أول دولة عمال وفلاحين ، وانكسار الفاشية والنازية و هزيمتهما ، وتأسيس هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن و إعلان حقوق الإنسان إلى آخر ما انتجه التقدم والقوى التقدمية ، لكن الاستعمار بقي ذاته ، والإمبريالية غيّرت جلدها واستبدلت أدواتها وشحذت مخالبها وسخرّت كل ماانتجه التطورالمذهل في حقل التكنولوجيا العسكرية والتقانات الإلكترونية على حساب التقدم الذي انحسر وتراجع . التقدم الذي كان وعاء الأخلاق و الفضيلة والتنوير وتحرير العقل من ربقة الخرافات والعقل الظلامي .

وإن كانت أوروبا المتحضرة جداً قد أمضت أكثر من ثلاثة قرون للانتقال من عصر الظلمات عصر القرون الوسطى إلى عصر النهضة والتنوير والثورة الصناعية والثقافية والعقل النيّر والمستنير وفصل الكنيسة عن الدولة ، فإن الردّة الرجعية على النهضة العربية وعلى ثقافة النهضة العربية ورواد النهضة العربية استغرقت ثلاثة أوأربعة عقود وسرعان ما تمّ انتشار التكفير-( وكان الضحية المفكر فرج فودة ونصر حامد أبي زيد في مصر ، وغيرهما كثيرون) – وتعميق الطائفية البغيضة والمذهبية المقيتة ، بعد أن نسيها الناس . ولم يعد احتلال الأرض شيئاً يُذكر أمام احتلال العقل ، وغسل الأدمغة . ربما توافقني عزيزي القارئ ، أو لا توافقني .. لكني أرى أننا رجعنا مئة سنة للوراء ، و للخلف أكثر من ألف خطوة .

(أخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ماذا عن إحداث نقابة الاقتصاديين السوريين ؟

    عبد اللطيف شعبان     وجود النقابات حالة حضارية، ومن الطبيعي بل ومن الضروري أن ينتسب كل مواطن إلى النقابة التي تتوافق مع ...