آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ماذا بقي من المحرقة اليهودية ؟ المحرقه تأكل نفسها

ماذا بقي من المحرقة اليهودية ؟ المحرقه تأكل نفسها

 

نارام سرجون

الأحداث التاريخية كائنات حية طالما انها تعيش معنا وتمر أمامنا .. ونراها ونحس حرارتها ونشم رائحتها كلما مررنا بها في أحاديثنا .. ولكن الاحداث التاريخية .. تموت أيضا .. او تنتحر أو تنقرض او تقتل نفسها .. او أننا نقتلها ..

كم من قصة انتحرت او قتلتها قصة أقوى .. ألم تقتل خطيئة تاريخا مليئا بالفضيلة؟؟ ألم تقتل قصة غاليله وحرقه كل قصص الكنيسة المدججة بكل الرهبة والايمان المطلق بالخرافة؟؟ وقصة قبلة يهوذا ألم تقتل كل تاريخه وانه كان من تلامذة السيد المسيح وكان على مائدة العشاء الاخير مع أعظم انسان ..
كي تبقى القصة التاريخية حية يجب ان لاتتعرض للكذب وألا تقع في الخطيئة وألا تخضع لأهواء الانسان .. لأنها اذا أكلت من لحم الكذب فان لحمها سيكون متفتتا ومريضا .. وستسقط كلما أصابها مرض ..

ولكن القصص تقتل القصص ..

 

لن ندخل في جدال حول المحرقة ولكن يجب ان يدخل الاسرائيليون مع أنفسهم في جدال حول المحرقة التي احترقت وأكلت نفسها في غزة .. وصارت قصة المحرقة كالأفعى التي تعض نفسها الى ان يتعفن جرحها وتموت ..

محرقة غزة أكلت قصة الهولوكوست .. وبدأت قصة الهولوكوست تفقد قيمتها الاخلاقية وتفقد التعاطف النفسي البشري بها .. لأن محرقة غزة سلبت قصة الهولوكوست مغزاها الاخلاقي .. وحرمتها منم أهم شيء وهو التعاطف الانساني والتفهم لآلام أصحابها .. الذي كان هو غاية الصهيونية من وراء حقن العقل البشري بها وحشرها فيه في التعليم والسينما والثقافة والدراما والحكايات والاحتفالات .. الا أنه عندما تعيد الخطيئة الخطيئة فان القلب لن يسامحها ..

وتأتي مشاهد محرقة غزة وتزدحم بها الاذهان .. العيون البشرية ترى مالايصدق .. وتخوض صراعا مع ماسمعت به الاذن ومع ما ملئ به العقل .. فالقصة تزيح القصة .. والدم يزيح الدم .. والحكاية تزيح الحكاية .. والصورة تزيح الكلمة .. والمشاهد الحقيقية تزيح الاسطورة والخيال ..
تختلف محرقة غزة عن محرقة الهولوكوست في أن الاولى يشاهدها كل الناس بالبث المباشر .. أما الهولوكوست فانها قصة ورواية لم ير العالم منها الا صورا وحكايات وقصصا وروايات .. ولكن محرقة غزة لايقدر أحد في الكون أن يشكك بها أو أن ينكرها كما تتعرض له هولوكوست الصهيونية .. انها الحدث التاريخي الوحيد في التاريخ كله الذي لايقدر احد على التشكيك فيه او أن يفهم القاتل ..
لاتقدر كل حكاية الهولوكوست الصهيونية ان تقهر صور آلاف الاطفال في أكفانهم البيضاء او صورة طفل فلسطيني ينزف وهو ينظر في عينيك .. ولاتقدر كل أفلام هوليوود عن الهولوكوست ان ترفع أشلاء عشرين ألف ضحية عن وجه اسرائيل وأن تنظف أسنانها الملطخة بالدم ..

العالم كله يرى القنابل تنفجر في البيوت .. ويرى لحظة اعدام الأسر والاطفال والمدنيين والابرياء .. والدم الساخن لاتزال العدسات تنقل حرارته وبخاره .. ولااحد يقدر ان يشكك فيما تراه العين ..
ولكن أهم معضلة ستواجهها قصة الهولوكوست الصهيونية هي انها ستفقد قيمتها وهيبتها ورهبتها التي صنعتها بعناية الكتابات والثقافات الغربية .. وستفقد معناها .. وسـقتل حس الذنب والندم الذي يعيش في الضمير الاوروبي .. وستفقد أخلاقيتها التي تعب الغرب في صناعتها وبنائها في النفوس وتعليمها في المدارس .. فالتي كانت ضحية صارت تقتل .. والقصة قتلت نفسها بنفسها عندما أكلت المحرقة الناس الابرياء .. والعالم رأى المحرقة تأكل من لحوم الاطفال .. وتشرب من دماء البشر وتلعق الجراح كما الوحوش البرية ..

الهولوكوست بدأت تحترق .. واحتراق الهولوكوست وموتها كقضية أخلاقية بسبب خطيئة أخلاقية كبرى مرئية في وضح النهار سيكون سببا في تحرر الناس من العبء والذنب الذي وضع على أعناقهم وجعلهم يسكتون على مضض على ظلم فلسطين .. وسيكون بامكان الناس ان تقول .. ان ابن المحرقة لايحق له ان يرتكب المحرقة .. واذا ارتكب المحرقة .. فقد فقد حقه في أن يعيش في أرض ووطن ..

عقل الاسرائيليين الغبي هو عقل شايلوك الذي شخصه ويليام شكسبير .. شايلوك الذي كان مظلوما في البندقية ويعاني من اضطهاد التجار له لم يقبل الا ان يأكل من لحم غريمه .. رغم كل ما أعطي من تعويضات ..
شهيته لمضغ لحم غريمه .. قتلت حقه .. وقتلت فرصة نجاته من الغضب .. وفقد أهم فرصة ليصوب مسار التاريخ الذي كان يظلمه كما قال .. فخسر كل شيء بعد أن كان معه كل شيء ..

شايلوك الان يقطع في لحم غزة .. والدم النافر الفوار يتطاير ويلطخ وجهه وشفتيه وشاربيه ولحيته وجدائله .. والعالم كله يرى مدهوشا …
ماذا سيبقى من المحرقة .. الرواية الاثيرة لدى الاسرائيليين .. الرواية التي باتت أغلى من رواية السبي البابلي؟؟
اسرائيل تهز عمودا من أعمدة معبدها الذي تعيش فيه .. عمود المحرقة .. وعندما تهتز الاعمدة .. ينهار البناء .. واذا انهار البناء .. وقع الخراب …
قدر هؤلاء القوم انهم لايعرفون كيف يتغلبون على أهواء نفوسهم .. ولايتعلمون من تاريخهم .. وكأنهم يحبون الشتات .. ويتلذذون بمضغ الكراهية .. وتكرار النهايات …

 

 

(سيرياهوم نيوز ٢-مدونة سرجون)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن إعادة التموضع.. ودور النُخَب

      بقلم :بسام هاشم   هفي مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب، وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية، تجد سورية نفسها أمام تحديين ...