احمد رفعت يوسف
تناقلت الأخبار مساء يوم الأحد 8 الجاري، أنباء عن اعتداءات إسرائيلية، على أربع مواقع في عدة محافظات سورية، لكن العدوان الأعنف، كان في ريف مدينة مصياف، في محافظة حماه، بوسط سورية، مع تفاصيل تقول، بأن الموقع، يضم مركز أبحاث ومصانع عسكرية.
بدأت الأخبار تتوالى، مثل أي عدوان إسرائيلي سابق، على المواقع المستهدفة، لكن في اليوم التالي، وما بعد، بدأت تتوارد تفاصيل، تتحدث عن إنزال جوي إسرائيلي، في موقع مصياف، ومعركة في الموقع، نتج عنها، أسر خبراء إيرانيين، ومصادرة وثائق، وتدمير للموقع.
الغريب أن هذه الأخبار، بدأت تتحدث بشكل هوليودي عن العملية، وعلى طريقة الأفلام الأمريكية، والأغرب أن من أورد هذه التفاصيل، وبالغ فيها، ليس الإعلام الإسرائيلي، وإنما بعض المحطات والمواقع العربية، والتابعة للمعارضات السورية العميلة، وفي مقدمتها العربية والجزيرة وتلفزيون سوريا، الذي يبث من تركيا، فيما الإعلام الإسرائيلي، بقي شبه غائب عن العملية، وبقي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأعضاء حكومته، صامتين عنها، ولم يصدر أي موقف رسمي إسرائيلي، فيما تولت المحطات العربية والعملية، نشر تفاصيل وروايات ومعلومات مجهولة المصدر، ومعظمها من وسائل التواصل الاجتماعي.
والأكثر غرابة، أن بعض هذا الإعلام، بدأ يتحدث عن تعاون سوري مع القوة الإسرائيلية، التي نزلت في المكان، من خلال قطع الطرقات، وتأخر جهود الإنقاذ، وعرقلة سيارات الإسعاف، حتى تستكمل القوة الإسرائيلية، اعتقال العناصر الإيرانية في الموقع.
وبالتدقيق في آلية نقل الأخبار، والبحث عن مصدرها، تبين أن بدايتها كانت من تلفزيون سوريا المعارض، الذي يبث من تركيا، الذي أخذت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الذي نقل عنها موقع أكسيوس الأميركي، ثم بدأت مواقع وقنوات الأعراب والمعارضات، تتولى نسج الروايات الهوليودية للعملية، وتستضيف متحدثين إسرائيليين، وضباط سوريين منشقين، استقوا معلوماتهم من نفس المصادر، مع تفاصيل أخذوها من مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة لمواطنين قريبين من الموقع المستهدف، مع ذكر أسماء من الضحايا، التي نشرتها هذه المواقع، بهدف محاولة إضفاء شيء من المصداقية لرواياتهم.
اللافت في كل هذه الأخبار، وأقوال المتحدثين، وتحليلات المحللين، أن هدفها كان فقط، تثبيت الرواية الهوليودية للعملية، وكأنها تتم في الفراغ، وفي مكان خال من تواجد الجيش السوري، وعناصر الحراسة، وعن أي تصدي يفترض أن يتم للقوة الإسرائيلية لو حصلت، والاحتمال المؤكد لوقوع إصابات فيها، مع أن من البديهي، أن أي موقع عسكري، وخاصة إذا كان لمنشآت حساسة، يخضع لحراسة مشددة.
أما الواقع فهو مختلف تماما، عن هذه الرواية، فالمنشآت المستهدفة، تقع في منطقة جغرافية جبلية معقدة، ومثل هذه المواقع، تكون عادة محصنة جداً، وهى لا تختلف بذلك عن المواقع الإيرانية، ومواقع المقاومة اللبنانية، ومن شبه المستحيل، القيام بهكذا عملية، حتى لو وصلت الطائرات الإسرائيلية إليها، لأنها ستتعرض للتدمير والإبادة، والمكان يقع في وسط سورية، وبعيد جداً، عن أقرب مكان يمكن تتواجد فيه طائرات الهلكوبتر الإسرائيلية، التي يفترض أنها جاءت للقيام بالعملية، وحاجة هذه الطائرات، لقطع مئات الكيلومترات، جيئة وعودة، للقيام بالعملية، يجعلها بحاجة لمساعدات عسكرية ولوجستية ضخمة، أقلها طيران حربي، لحمايتها في سيرها، للوصول إلى المكان، والقيام بالعملية ثم الانسحاب.
كما أن مكان الموقع، يحتاج للوصول إليه، للمرور في مناطق ضمن نطاق عمل القوات الروسية في طرطوس، وفي عدة مواقع أخرى، ينتشرون فيها.
كما أن المصادر الأعرابية والإسرائيلية والأمريكية، وقعت في تناقضات كبيرة، في تحديد هوية عمل المنشآت المستهدفة، بين أنها لإنتاج صواريخ دقيقة، أو لإنتاج أسلحة كيماوية ونووية، مع أن كل المؤسسات الأممية المتخصصة، تعرف أن سورية، خالية من هذه المنشآت، وحصول العدو على وثائق من المكان، كان سيمكنه من حسم هذا الموضوع.
أيضاً لوحظ صمت إسرائيلي رسمي، عن العملية، وغياب أي مظاهر استعراضية، أو احتفالية، بتحقيق انتصار، في وقت يبحث نتنياهو وحكومته، عن أي حدث مهما كان صغيرا،ً لادعاء الانتصارات، وإعطاء رسالة، بأن الجيش الإسرائيلي، الذي تحطمت قوته وسمعته، على يد المقاومة، وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى، لايزال قوياً، ويمتلك اليد الطويلة، ولديه القدرة، على العمل وحماية أمن إسرائيل.
ومما يعطي تشكيكاً أكبر، بكل الروايات الهوليودية للعملية، أن الإسرائيليين، لم يظهروا ولا صورة واحدة، لأي من العناصر التي قالوا أنهم أسروها، أو للوثائق التي قالوا أنهم حصلوا عليها.
كما أن إيران والمقاومة، التي لم يعرف عنها، نكران وقوع عمليات استهاف وقتل، لقيادات أو عناصر لها، أو حتى أسر في حال وقوعه، أكدت كذب هذه الروايات، ونفت وكالة تسنيم الإيرانية، كل التقارير التي تحدثت، عن أسر إيرانيين في العملية.
أما حقيقة ما حدث، فلأ أحد ينكر وقوع العدوان، وقد أعلن عنه مصدر رسمي سوري، وأنه كان عنيفاً، وأسفر عن سقوط 18 شهيداً بين عسكري ومدني، على الأقل وقد تكون أصيبت بعض المنشآت، لكن ما يمكن تأكيده، هو أن الروايات الهوليودية للعملية، لا أساس لها من الصحة، وأن أي عملية إنزال، أو أسر، لشخصيات، أو مصادرة وثائق، لم تحدث، وأن المنشآت التي يريد العدو استهدافها، آمنة وسليمة، ولا يمكن لأي غارات تدميرها، والأزمة الوجودية، التي يعاني منها الكيان الصهيوني، تعاني منها أنظمة التطبيع، التي نابت وسائل إعلامها، عن الإعلام الإسرائيلي، في نسج هذه الروايات، والترويج لها، وهناك الكثير مما يمكن قوله، لكن الأفضل، أن نترك للأيام والوقائع، أن ترويها على أرض الواقع، و “إن غداً لناظره قريب”.
********
(سيرياهوم نيوز2-صحيفة “لا” اليمنية.)