| سلام العبيدي
ماذا سيقول الرئيس الروسي في خطابه السنوي، بعد عام على العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا؟ هل نحن ذاهبون إلى مزيد من التحدي والتصعيد؟
بعد تأجيل لمدة 6 أشهر تقريباً، أعلن الكرملين أخيراً موعد خطاب الرئيس الروسي أمام الجمعية الفيدرالية في 21 شباط/فبراير. سيعرض فلاديمير بوتين على المشرعين تصوراته للمستقبل للمرة الثامنة عشرة منذ توليه رئاسة البلاد عام 2000، فما الأسئلة الرئيسية التي من المتوقع أن يجيب عنها؟ ولماذا وقع الاختيار على هذا التاريخ تحديداً؟ وهل سيكون خطاب تحدٍ وتصعيد؟
كان من المفترض أن يوجه الرئيس الروسي رسالته العام الماضي. ومنذ أيلول/سبتمبر من العام الماضي وحتى آخر لحظة، لم تتوقف الشائعات حول أسباب تأخير الخطاب السنوي، حتى إن بعض وسائل الإعلام توقعات إلغاءه أساساً.
ومع ذلك، كان الرئيس بوتين قد أوضح في نهاية كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي أن “الوضع يتطور بشكل ديناميكي للغاية. وكان من الصعب استخلاص النتائج والخطط للمستقبل القريب في وقت محدد، ونحن نحتاج إلى وقت وتحليل إضافي لما يحدث حتى تبدو الرسالة جوهرية وشاملة”.
كما يبدو، تم إجراء التحليل اللازم. وقد ظهر يوم 21 شباط/فبراير في جدول أعمال بوتين لتوجيه الرسالة السنوية. وبحسب التقاليد المتبعة، سيقوم رئيس الدولة بتلخيص نتائج العام الماضي وتحديد الخطوط التوجيهية الإستراتيجية، وسيشكل جزءاً كبيراً مما سيقوله أساساً للقوانين الجديدة.
وكما أصبح معروفاً؛ ففي اليوم التالي بعد الإعلان عن الرسالة، سيقام في أكبر ملاعب موسكو حفل جماهيري حاشد، ينتظر أن يصبح نوعاً من “الاستمرار” الحماسي للخطاب السنوي أمام الجمعية الفيدرالية.
القضايا الرئيسية
هناك عدد من الأسئلة المهمة التي من المتوقع أن يجيب عنها الرئيس، والتي لا يمكنه تجاهلها. ماذا سيقول بعد 5 أشهر من بدء التعبئة الجزئية التي تم الإعلان عنها في 21 أيلول/سبتمبر؟ هذا الأمر مهم للرأي العام الروسي في ضوء الشائعات التي تتحدث عن أن الموجة الثانية ممكنة، ولا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مرسوم يعلن انتهاء التعبئة؟
الشعب الروسي ينتظر من الرئيس أن يقول أيضاً إن هناك ما يكفي من الإمكانات والموارد الداخلية لتنفيذ البرامج الاجتماعية بالكامل، على الرغم من أن حزم العقوبات لا تزال تؤثر في الاقتصاد.
والشيء الأكثر أهمية الذي يجب أن تتضمنه رسالة الرئيس هو آفاق المستقبل، وهذا شيء طبيعي، فمن المهم نفسياً أن يتخيل الناس هذا المستقبل، لأن هذه الصورة هي التي تشكل الحاضر: ما يجب القيام به، وما يجب السعي إليه، والمهارات التي يجب إتقانها، وما يجب الاستعداد له. والأهم: متى؟ وكيف؟ وأين ستنتهي العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا؟
إذا أعطى الرئيس هذه الصورة للمستقبل بمواعيد نهائية محددة ومقبولة إلى حد ما، فسيكون ذلك مريحاً للناس من الناحية النفسية.
السياق الدولي والتوقيت
خطاب فلاديمير بوتين سيأتي بعد مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي، الذي لم تتم دعوة روسيا إليه، كما أنه سيتزامن مع الاجتماع الثلاثي لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي المقرر أيضاً في 21 شباط/فبراير.
على هذا الأساس، فإن رسالة بوتين مهمة، ليس للأجندة الداخلية فحسب، ولكن أيضاً للدائرة الخارجية. على الأرجح، سيوضح رئيس الدولة وضع روسيا كقوة مستقلة لها دورها الخاص في جدول الأعمال العالمي.
وهناك نقطة أخرى قد يتطرق إليها الرئيس، هي التعاون مع الشركاء الإستراتيجيين: إيران وبيلاروسيا ودول آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط والصين والهند. هذه هي الدول التي دعمت روسيا في الاستثمارات والالتفاف على العقوبات. وسبق ذلك عدد من الاجتماعات على مستوى منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
هذا الأمر ينسجم مع رؤية بوتين بأنّ روسيا تعد مركز أوراسيا الكبرى، وهو المكان الذي يسود فيه التعاون والأمن وتنفيذ الاتفاقيات.
العنصر الأيديولوجي
رسالة الرئيس ستكون بدرجة عالية من الاحتمال ذات مكون أيديولوجي من أجل توطيد ثقة المواطنين. ولهذا الغرض، كما يبدو، يتم التحضير للاحتفال في ملعب “لوجنيكي”. ظهور فلاديمير بوتين أمام عشرات الألوف من الجماهير سيكون له أثر توحيدي، وسيعزز الثقة برابطة التاريخ المشترك والمصالح والقيم الوطنية المشتركة لبلد متعدد القوميات والمذاهب والأديان.
وبما أنَّ أيديولوجية بوتين تعتبر العولمة الغربية تهديداً لجميع الدول القومية وثقافاتها وهُوياتها، فعلى الأرجح، سيتحدث الرئيس عن هذا أيضاً، ولن يكتفي بالإشارة إليه، بل سيعرض تصوراته عن هذه الفكرة بالذات، وسيهاجم النظام الأيديولوجي الذي ينشره القادة الغربيون الآن، والذي يدعمون فيه المثليين، وما بعد النسوية، والنظرية العرقية النقدية، وكل ما يتعلق بثقافة إلغاء الآخرين.
السيادة التكنولوجية
ثمة قضية إستراتيجية أخرى تتعلق بالحلول التكنولوجية والقدرة الدفاعية للدولة والمجمع الصناعي العسكري ستكون ضمن أولويات الخطاب السنوي. مما لا شكَّ فيه أن أمن المصالح الوطنية لأي دولة يضمنه وجود السيادة التكنولوجية. وفي ظروف المواجهة المفتوحة والشرسة مع الغرب الجماعي، تعد السيادة التكنولوجية ركيزة أساسية للصمود.
وعند الحديث عن مستقبل روسيا، من المستحيل عدم التطرق إلى هذا الموضوع، وخصوصاً في سياق دعم السياسة الاجتماعية المتعلقة باهتمامات الشباب بالتنمية داخل دولتهم. جولات بوتين الأخيرة في المناطق الصناعية تشير إلى أنه سيشجع على تطوير الهندسة والفضاء وصناعة الأدوات والعدات والصناعات الدفاعية، أي ما كانت روسيا تشتهر به في العهد السوفياتي. ويتوقع أن يؤكد الرئيس أن روسيا تشرع في طريق إنشاء أقوى دولة. لذلك، تحتاج إلى تعبئة جميع الموارد البشرية ورأس المال على جميع المستويات.
تغيير النظام السياسي
من غير المتوقع أن تحتوي الرسالة بيانات تشير إلى تغيير الهيكل السياسي، وخصوصاً أن الدولة مقبلة على انتخابات رئاسية عام 2024.
في ظروف المواجهة الشرسة مع الغرب على خلفية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، فإن تغيير النظام بقسوة وجذرية سيولد لدى الناس أسئلة. سيكون هناك شكّ فيما إذا كان كل شيء قد تمّ بشكل صحيح، وسيتساءلون: لماذا حدثت كل هذه التغييرات بعد عام واحد فقط؟ من المسؤول عن الأخطاء والعيوب والإخفاقات؟ ومع ذلك، فإن التحليل وإعادة التقييم قد يسمحان باستبدال بعض المسؤولين.
كذبت التوقعات ولو صدقت
هل يمكن أن نتوقع شيئاً غير عادي في الرسالة؟
ظهرت توقعات سابقة مبالغ فيها في ما يتعلق بخطب الرئيس. في الذكرى الـ80 لفكّ الحصار عن لينينغراد، غصت الشبكات الاجتماعية بالرسائل والتدوينات التي تنبأت قائلة: “يتم اليوم تحديد مستقبل البلاد”. ومع ذلك، لم يحدث شيء خارق. تكرر الوضع خلال زيارة رئيس الدولة إلى فولغوغراد في الذكرى الـ80 لمعركة ستالينغراد.
والآن أيضاً تنتشر توقعات مفرطة. وربما ستكرر مبالغات التوقعات السابقة. كقاعدة عامة، يمكن أن يخطئ أي كان أو يصيب. لذا، كذبت التوقعات ولو صدقت.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين