آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » ماذا لو لم يلتق هيكل بعبد الناصر؟

ماذا لو لم يلتق هيكل بعبد الناصر؟

| خلف جابر

الروابط التي جمعت هيكل بالرئيس عبد الناصر كثيرة.. ما هي؟ وكيف شق هيكل طريقه من الصحافة إلى التاريخ؟

في فلسطين.. اللقاء الأول

في صيف عام 1948 جرى اللقاء الأول بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والصحافي محمد حسنين هيكل . كانا لا يزالان شابين. الأول ضابط مصري برتبة صاغ، كان ضمن الجيوش العربية التي توجهت إلى فلسطين لصدى الهجوم الصهيوني، بينما كان هيكل المصري الوحيد الذي اخترق قرار وزير الحربية محمد حيدر باشا بمنع سفر الصحافيين لمرافقة الجيش، على أن يكتفوا بما يصدر عن إدارة الشؤون المعنوية للجيش.

هكذا استطاع أن يكون هيكل في قلب الحدث، بعدما انتقل إلى عمّان ومنها إلى القدس ثم بيت لحم ومنها إلى الخليل، وهناك عرف أن الكتيبة السادسة التابعة للقوات المصرية، بقيادة جمال عبد الناصر، استطاعت صد الهجوم الصهيوني الذي كان يستهدف السيطرة على عراق المنشية، ومن ثم حاول لقاءه، ففوجئ به شاباً صغير السن طويل القامة، رافضاً إجراء الحوار اعتراضاً على التغطية الإعلامية المصرية وتقييمها لأداء الجيش في حرب فلسطين.

ووفق ما ذكره الإعلامي فؤاد مطر في حواره مع هيكل عام 1974 ودوّنه الصحافي جمال البنا، التقى الطرفان مرة أخرى بعد عودتهما إلى مصر في إثر الهدنة الأولى، وقد زاره عبد الناصر وبرفقته الصاغ صلاح سالم، في مكتبه بمؤسسة “أخبار اليوم”؛ بعدما اطلعا على سلسلة التحقيقات التي كتبها الصحافي الشاب حول الانقلابات التي شهدتها سوريا آنذاك وكيفية استقبال السوريين لها.

ولما نشر هيكل كتابه الأول “إيران فوق البركان” ذهب إليه عبد الناصر بشكل مفاجئ، ليحصل على نسخ منه، لأنه كما قال، بحث عنها طويلاً ولم يجدها في الأسواق. بعدها تكررت اللقاءات في منزل الرئيس الراحل محمد نجيب بسبب قرار الملك فاروق بحل مجلس إدارة نادي الضباط بعد نجاح المجموعة التي رشحها الضباط الأحرار في انتخابات النادي. ربما قرأ الصحافي النبيه في أعين الضابط الشاب، أن ثمة شيئاً يعد في الكواليس، ومن ثم راح يحثهم على توجّه ألف ضابط إلى السرايا، وضرورة معالجة الوضع المتردي.

واحد من صانعي القرار

بعد وقوع ثورة 1952، أصبح لهيكل دور أبعد من كونه مجرد صحافي يسعى خلف الحادثة، وربما رآه البعض أحد صنّاعها، بل وواحد من صانعي القرار السياسي في المنطقة، باعتباره “عقل” عبد الناصر، وربما استمد الأخير ثقته في صاحبه من كونه الأكثر معرفة بمصير الانقلابات السابقة في المنطقة، والمتابع الأول لها عبر تحقيقات صحافية ضمّتها كتبه بعد ذلك.

قبل معرفته بعبد الناصر، كان هيكل صحافياً سياسياً في الأساس. لكن المفكّر المصري طارق البشري يرى في مقال له نشر بصحيفة “العربي” عام 2000، أنه بقيام ثورة 23 يوليو، وارتباطه بها وتوليه رئاسة تحرير صحيفة “الأهرام”؛ صار هيكل سياسياً حركياً يستخدم الصحافة في التعبير عن موقف ثورة 23 يوليو أو عن موقفه السياسي في هذا الإطار. وأن مع تركه صحيفة الأهرام في 1974 صار مفكّراً سياسياً في الأساس. وإن كان يرى أن “هذه الملامح العامة لا تقتضي فصلاً صارماً بين المراحل”.

طوال علاقته بعبد الناصر، كان هيكل من أقرب المقربين إليه، ويعد المدني الأهم بين الضباط الأحرار. فقد كان صلة الوصل بين عبد الناصر وكل القضايا تقريباً. كان مستشاره الدائم، وإن لم تكن استشاراته رسمية. كما كان حلقة الوصل بينه وبين المثقفين في معارك كثيرة، أدت إلى توتر علاقتهما أحياناً.

ماذا لو لم يلتق هيكل بعبد الناصر؟

عاش هيكل صحافياً متفرداً، ويعد أحد أهم صحافيي القرن العشرين. تلك المكانة، يرى البعض أنها جاءت من كونه الصحافي الأوحد في الحقبة الناصرية، ويتهمونه دائماً بأنه احتكر ناصر لنفسه وحجبه عن الآخرين، وأنه استند على قربه منه وثقته به؛ فتجرأ على النقد وارتفع صوته وحده وخفتت أصوات الآخرين.

التهمة التي رأى هيكل أنها ظلت معلقة فوق رأسه مثل سيف المقادير، جعلتنا نسأل عن مصير ذلك الصحافي النبيه لو لم يتقاطع مصيره مع مصير رئيس الجمهورية آنذاك. كيف كان سيصبح الصحافي الشاب المولود في 23 أيلول/سبتمبر 1923 لو لم ينجح الضابط جمال عبد الناصر في ثورته؟

ثمة إجابة على هذا السؤال رددها هيكل نفسه عام 1986، أثناء لقائه بمجلس تحرير “أخبار اليوم”، بعدما دعاهم إلى أن يتذكروا أين كان هذا الصحافي الأوحد -كما يقال – قبل جمال عبد الناصر، وقبل ثورة 1952، إذ يقول هيكل: “تذكرون أن الثورة حين قامت وجدتني أحد رؤساء التحرير في صحف “أخبار اليوم”، وعضواً في المجلس الذي كان يدير شؤونها – كان عمري بضعاً وعشرين سنة، وأظن أنني كنت أصغر من تولوا هذه المواقع سناً”.

لم يصنع هيكل سجله الصحافي بالجلوس خلف المكاتب أو الوقوف على أبواب الوزارات، إنما صنعه بالبحث عن المتاعب: “في ميادين القتال والحروب، وبالقرب من وهج وحريق براكين الثورات والانقلابات، ووسط الأحداث والوقائع الكبرى التي راحت تتتالى على منطقة الشرق الأوسط كلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية”.

حكى هيكل أيضاً أنه كان الوحيد الذي حصل على “جائزة فاروق الأول للصحافيين الشبان” لثلاث سنوات متعاقبة، حيث يقول: “في المرة الأولى عن مجموعة تحقيقات عن وباء الكوليرا في مصر – كتبت التحقيقات من منطقة الوباء التي عشت فيها وسط الموت الأصفر الزاحف عدة شهور. وفي المرة الثانية عن مجموعة تحقيقات عن حرب فلسطين- ولقد كنت في الميدان مع قوات الفدائيين قبل دخول الجيوش. ثم تابعت مأساة دخول الجيوش، ثم ذهبت إلى اجتماعات مجلس الأمن في باريس لأرى الستار ينزل عملياً على الفصل الأول من القصة الهائلة”.

أما الجائزة فنالها في المرة الثالثة عن مجموعة تحقيقات عن الحرب الأهلية في اليونان. وقد امتد نطاقها فشملت البلقان كلها – يوغوسلافيا وبلغاريا وألبانيا – إلى جانب اليونان ذاتها. وكاد يتقدم للجائزة مرة رابعة بسلسلة تحقيقات عن الثورة الإيرانية بقيادة “مصدق” والتي عاشها في طهران منذ اندلاعها. لولا أن طالبته لجنة الجائزة ألا يتقدم مرة رابعة، وأن يفسح المجال لغيره؛ فقبل. وطبعت تحقيقاته في كتاب بعنوان “إيران فوق بركان” كان من أكثر الكتب رواجاً في تلك الأيام.

ما بعد ناصر.. الطريق إلى القارئ العالمي

توفي عبد الناصر في 28 أيلول/سبتمبر عام 1970، لكن نجم هيكل لم يخفت، فهو من وضع للسادات خطته الإعلامية وجزءاً من الخطة السياسية لحرب أكتوبر 1973. كما كلفه بوضع قرار الحرب، بل قَبِل منه السادات بعد ذلك الاقتراح بفتح قناة السويس رغم معارضة مستشاريه الرسميين.

حتى لما وقع الخلاف بين الرجلين، وترك هيكل مكانه في “الأهرام” بعد 17 عاماً من رئاسة التحرير، معتذراً أيضاً عن منصب مستشار الأمن القومي ومنصب نائب رئيس الوزراء في وزارة ممدوح سالم، لم يبتعد هيكل كثيراً عن الكتابة، بل جرب حظه في مجال أوسع هو النشر خارج العالم العربي.

هكذا شق طريقه إلى القارئ الغربي مع اللورد “هارتويل”، صاحب ورئيس مجموعة صحف “التلغراف”.

ويضيف هيكل خلال لقائه مجلس تحرير “أخبار اليوم” قائلاً: “في الكتاب الثالث “الطريق إلى رمضان” كانت أمامي عدة عروض متنافسة، واخترت عرضاً من دار«كولينز» وأنا لا اعرف فيها أحداً، واشترت “التيمس”، حق النشر الصحافي من الدار، وصدر الكتاب في 22 لغة”.

بعد تلك النجاحات المتتالية، طاردت هيكل تهمة أخرى. حيث قال البعض إنه لم يكتب سوى في موضوعات عاشها في مصر، وهو الأمر الذي دفعه إلى أن يختار لكتابه الخامس موضوعاً لم يعشه في مصر، وهو الثورة الإسلامية في إيران.

يقول هيكل: “لم أكتب الكتاب من منازلهم أو من مكاتبهم، كما يقولون، وإنما بدأت مع آية الله الخميني من باريس، وتبعته إلى طهران وعشت معه في قم، وكنت الضيف الوحيد الذي دعاه الطلبة الإيرانيون الذين احتجزوا الرهائن في السفارة الأميركية إلى زيارتهم في معقلهم، وقضيت أياماً أقلب في وثائق وزارة الخارجية الإيرانية والقصر الامبراطوري “نيافاران”، – وأقابل كل من أردت مقابلتهم من تبريز إلى أصفهان ومن قم إلى طهران”.

ونشرت “الصنداي تايمز” لهيكل موضوعاً رئيسياً في صفحتها الأولى، ثم تلتها “التايمز” التي خصصت له صفحة كاملة طوال أسبوع كامل، ثم صدر الكتاب في 33 لغة.

نشر هيكل الكثير من الكتب حقق بعضها نجاحاً كبيراً. كما نشر حول سيرته ومسيرته الصحافية والسياسية الكثير، لكن الحديث عنه لم ينته أبداً.  فقد عاش نجماً متوهجاً، حتى توفي يوم الأربعاء 17 شباط/فبراير من العام 2016 عن عمر ناهز 93 عاماً.

حتى بعد وفاته لم يفض الاشتباك حول علاقة الصحافي محمد حسنين هيكل بالسياسي الرئيس جمال عبد الناصر، لكن ربما حاول هو في إحدى حواراته، أن يميط اللثام عن علاقة الصحافي بالسياسي بشكل عام، قائلاً: “أريدكم أن تعرفوا أن الصحافة في الدنيا كلها جزء من الحياة السياسية في أي بلد من البلدان، وهكذا فإن الصحافة تجد نفسها وثيقة الصلة بالسياسة. الصحافي يريد الاقتراب من مجال صنع الحوادث لأنه يريد إخبارها. والسياسي يريد الاقتراب من مجال نشر الحوادث لأنه يريد أن يصل إلى الرأي العام. هناك بالطبع – إلى جانب الاقتراب المحتمل بين الصحافي والسياسي – تناقض محتمل أيضاً ينشأ من أن السياسي يريد أن يحافظ على أسراره إلا ما يريد نشره على النحو الذي يلائمه، والصحافي يريد أن ينشر على النحو الذى يلائم قرّاءه قبل غيرهم”.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المسألة اليهودية.: غزة وجمعية الخريجين السورية برئاسة د. شوكت الشطي وذكرى وعد بلفور قبل 80 سنة

  ا. د. جورج جبور. لا احد يود الكلام في ما عرف باسم المسألة اليهودية او ( اليودن فراغي ) (Die Judenfrage ) بحسب التعبير ...