| نقولا طعمة
يعتبر الصندوق من الصناعات المُسَهِّلة لصيد السمك، فصناعته توحي بأنه مجرّد مستوعب، لكنه في الواقع، ما هو إلا نوع من الفخّ لجذب السمكة، وحجزها تمهيداً للانقضاض عليها.
بزنودٍ مفتولة، تراه واقفاً على رصيف الكورنيش البحري، وأمامه مِنَصّة صغيرة، يركِّز عليها أسلاكه المعدنية السميكة، يصارعها، يُدخِل أجزاءها واحدة في الثانية، وتلتف فوق بعضها بتقنية تستغرق زمناً لحفظ آلياته، فيصنع منها صندوقة لصيد السمك.
اختار منير صبحية، بطل كمال الأجسام اللبناني، رصيف الكورنيش لحياكة صندوقه، كأنه ينوي الغطس مباشرة في المياه فور إنجاز مهمته، للشروع بإيقاع الأسماك في الفخّ الذي يحتوي الصندوق أسراره.
يعتبر الصندوق من الصناعات المُسَهِّلة لصيد السمك، فصناعته توحي بأنه مجرد مستوعب، لكنه في الواقع، ما هو إلا نوع من الفخّ لجذب السمكة، وحجزها تمهيداً للانقضاض عليها.
في عالم البحر الواسع، اخترع الانسان الأساليب المختلفة للحصول على السمكة. البداية باليد، وهي الأصعب لأن السمكة تتمكّن بما تتغطى به من مادة دهنيّة، من التزحلق والإفلات بسهولة، ثم اخترع لها المغرز بواسطة عصا طويلة، ثم الصنّارة، وبعدها الشبكة الصغيرة، وما يدور حولها من أساليب متنوعة.
فكرة “صندوق” السمك
مع مرور الزمن، عرف الإنسان خصوصيّات السّمكة، كيف تتجه وهي تسبح في المياه؟ راقب حركة كل صنف، ومواسمه. رافق متغيّراته الزمنيّة والجغرافيّة، وكان يتعاطى معها وفق مُسْتَجِدّات الظروف، واخترع لصيدها الأساليب المختلفة وفق المعطيات التي توافرت بين يديه.
من هذا المنطلق، جاءت فكرة “صندوق” السمك، فهو على شكلِ علبة مستديرة من الشباك المصنوع بمواد متنوعة، وبفتحات متباينة، لكن الأهم فيها هي فتحتها الأساس التي يجب أن تعلو الصندوق، بينما كل جنباتها فتحات صغيرة، والسبب بحسب صبحية أن “السمكة تسبح بصورة مستقيمة، ولا تعرف الصعود، فنضع لها الفتحة من فوق، والطعم داخل الصندوق، فتدخل من الفتحة نحو الطعم، ولا تعرف الخروج الذي يتطلب حركة تصاعدية لا تُتقنها”.
التصنيع
يصنع الصندوق من مواد متنوعة، ففي أفريقيا، حيث ولد صبحيّة قبل عودة والده إلى لبنان، تعلّم صناعة الصندوق من الخيزران، وفي فترات سابقة، وفي بعض البيئات القريبة من البحر، يُصَنَّع الصندوق من القصب الذي يتكاثر قرب الأنهر ويُستخدم كسياج، لكن كلاهما يستدعيان معالجة المواد التي يُصَنَّع منها الصندوق، بنقع القصب أو الخيزران بالماء الساخن، وعلى حرارة معينة، وما إلى ذلك من شروط.
من هنا، يقول صبحية إنه “يفضّل الاعتماد على أشرطة حديدية جاهزة لتصنيع الصندوق، وصعوبتها أنها تستدعي استخدام القوة العضلية” التي لا تنقصه، فهو رياضي، حائز على جوائز عالمية برفع الأثقال.
يُحَضِّر صبحية الأشرطة الحديد، ومعها رزمة من أشرطة النحاس للربط، يتولى قصّ الأشرطة وفق حاجته لأطوال معينة، بحسب حجم الصندوق الذي يريد تصنيعه، ويقول: “العمل مراحل، ولكل مرحلة شروطها”.
أولى الخطوات صنع “الطارة”، أي فتحة الصندوق التي يدخل السمك منها إلى داخله. والطارة شريط باستدارة مقفلة، تنطلق من محيطها أطراف بقية الأشرطة، ثم تتقاطع بأشرطة من الصنف عينه باتجاه معاكس لتشكل الأشرطة المتعاكسة شبكة من الحديد. ويتم ربط الاشرطة عند تقاطعاتها بشريط نُحاس مِطواع، يتم بواسطته تشريك الشبكة لتصبح جسماً واحداً، متماسكاً.
بعد ربط عدة صفوف من الأشرطة، قد يحتاج صبحية إلى طيّ الأشرطة، وإحداث استدارة فيها، فيتوقف عندها، ويبدأ بطيِّها واحدة واحدة.
وفي مرحلة معينة، وقبل بلوغ الربط ربع الشباك تقريباً، يلقيها أرضاً، ويبدأ بالضغط عليها بقدميه، بحركة استدارة متواصلة وبذلك، يُسَهِّل مواصلة الربط، والطيّ، ويعيدها إلى المنصة، يتابع عليها معالجة الصندوق، الذي يبدأ بأخذ شكله الحقيقي عند بلوغ منتصفه.
هذا السمك، بحسب صبحية، “نُخرِجُه حيّاً، ونَعلّقه بالصنارة لتأتي السمكات الكبيرة لتأكله، فتعلق بصنارتنا”.
أصناف أخرى من السمك يستهدفها الصيادون هي “السََّرغوس”، وسمك البحيتيرة للطعم، وهو للشَرَكات، أو للجواريف (الشِباك الكبيرة).
الحرفة “تكفي القَنوع”
يتواجد السمك حسب الموسم، فهو يقترب من الشاطىء في موسم التفقيس، ويبتعد في المواسم الأخرى، ويصطاده الصيادون على مسافة 200 إلى 500 متراً داخل البحر.
منير صبحية (50 سنة)، أب لـ 7 بنات، وصبيّ واحد، أي أن عائلته تتكوّن من 10 أشخاص مع زوجته، يعمل بالمهنة منذ أكثر من 30 سنة.
ويوضح أن الحرفة، مع الصيد، “تكفي القَنوع، وتغطي نفقات عائلة كعائلتي، وأتمنى أن يمتهنها ابني، وأفضّلها 100 مرة على أن أودّعه مسافراً للمهاجر، فعندنا ما يكفي، و”فقير مكفي، سلطان مخفي”، يختم صبحية حديثه.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين