آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » ماذا وراءَ استجداء اردوغان للقاء الرئيس الاسد ..؟

ماذا وراءَ استجداء اردوغان للقاء الرئيس الاسد ..؟

 

كتب د. المختار

لم يترك أردوغان وسيلةً للتعبيرِ عن رغبتِه وحاجِته للقاءِ السيدِ الرئيسِ بشار الأسد إلا واستخدمَها، فقد عبّرَ عن هذه الرغبةِ — التي هي حاجةٌ قبل أن تكونَ رغبةً — براً وبحراً وجواً، فخلالَ الأسابيعِ الماضيةِ لم يخلُ يومٌ من الدعواتِ المتكررةِ للرئيسِ الأسد، آخرُها كانت على هامشِ مشاركتِه في قمةِ حلفِ شمالِ الأطلسي (الناتو).

فقبلَ أسبوعين دعا إلى عقدِ اجتماعٍ “في تركيا أو دولةٍ أخرى، كما أعلنَ أنّه أصدرَ توجيهاتٍ لوزيرِ خارجيتِه، حقان فيدان من أجلِ التواصلِ لترتيبِ اجتماعٍ، لكي يتمَّ “التغلبُ على القطيعةِ والمضي قدماً في بدءِ عمليةٍ جديدة”.
وقبلَ حديثِه من واشنطن دعا أردوغان القائدَ الأسدَ مرتين للقاء.

لم يبقَ إلا أن يرسلَ المنادي ينادي ويقرعَ الطبولَ في الأزقةِ وشوارعِ السلطنةِ وينشر الخبر، كما كان يحصلُ أيامَ السلاطين العثمانيين.

لقد قرأتُ بعضَ التعليقاتِ والتحليلاتِ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي تتساءلُ لماذا لا تستجيبُ سوريةُ لكلِّ هذه الاستجداءات…؟
وللإجابةِ عن هذه الأسئلةِ نقولُ:

إنَّ ما يحصلُ الآن من تصريحاتٍ ودعواتٍ يقومُ بها أردوغان شخصياً تحملُ أوجهَ عدّة:

الوجهُ الأولُ: – يصبُّ في إطارِ حاجتِه الفعليةِ لهذا اللقاءِ، وهذه الوداعةُ التي يظهرُها هي أسلوبٌ إخواني خبرناه جيداً عند حاجتِهم. “يتمسكن ليتمكن”.

الوجهُ الثاني: – هو يعتقدُ أنَّ هذا الزخمَ من التصريحاتِ المكثفةِ قد يساعدُه باستعطافِ أصدقاءِ سوريةَ لمساعدتِه في إقناعِ الأسدِ بالموافقةِ على اللقاء.

الوجهُ الثالثُ: – هو يعتقدُ أنَّ هذا الزخمَ الإعلامي قد يسهمُ بإحراجِ القيادةِ السوريةِ أمامَ جمهورِها، بحيثُ لا تجدُ بداً من الموافقة على اللقاءِ، وبالوقتِ نفسِه يرسلُ رسالةً تطمين للداخلِ التركي علَّه يستعيدُ بعضَ شعبيتِه.

لكنَّ الموقفَ السوري واضحٌ وحازمٌ وحاسمٌ وبيّنٌ وجليٌّ ومنطقيٌّ ومحقٌّ.

فتلك الخزعبلاتُ لا تنطلي على السوريين، ونحن لسنا ممن يجربُ المجربَ، أو من يؤخذُ بالعواطفِ، وأنت غير موثوق ولست بموقعِ من يحدّدُ أو يضعُ أي شروط.

ونسألك ماذا عن سحبِ المجموعاتِ الإرهابيةِ والمرتزقةِ من سوريةَ، وإغلاقِ مكاتبِ المعارضةِ، وقنواتِهم الإعلاميةِ، وتسليمِ المجرمين المطلوبين، والتعهدِ بعدمِ التدخلِ بالشؤونِ الداخليةِ السوريةِ كافة، والانسحابِ من الأراضي السوريةِ، وهناك قائمةٌ طويلةٌ من المطالبِ يجب الإجابةُ عنها أولاً.

فاثنا عشر عاماً من الحربِ والتآمرِ على سوريةَ وإدخالِ آلاف الإرهابيين، واحتلالِ جزءٍ من الأراضي السوريةِ، وسرقةِ مئاتِ الآلاف من المعاملِ والمصانعِ، وسرقةِ ملايين الأطنانِ من القمحِ السوري، والتسببِ باستشهادِ وجرحِ الآلاف من المواطنين السوريين، وتشريدِ غيرِهم، لا تُحلُّ ببوسةِ شارب.

بل يجبُ إزالةُ آثارِ العدوانِ عبرَ وضعِ خطةٍ يتعهدُ فيها المعتدي بشكلٍ واضحٍ بإزالةِ آثارِ العدوان كافة.

فبالأمسِ 13.7.2024 صدرَ بيانٌ عن وزارةِ الخارجيةِ السوريةِ أكدَت فيه ” أنَّ عودةَ العلاقةِ الطبيعيةِ بين سوريةَ وتركيا تقومُ على عودةِ الوضعِ الذي كان سائداً قبل العامِ 2011م، وهو الأساسُ لأمنِ وسلامةِ واستقرارِ البلدين..

فما هي العواملُ الرئيسةُ وراء استجداءِ أردوغان للقاءِ الأسد…؟

يرتبطُ هذه الاندفاعُ والاستجداءُ والترجي غيرُ المسبوقِ في تاريخِ العلاقاتِ بين الدولِ للقاءِ الأسدِ بعدّة معضلاتٍ واحتياجاتٍ تركيةٍ تستدعي الحلَّ ولا يمكنُ حلُّها إلا برضى الأسد ومنها:

أولاً: – إنَّ صمودُ وثباتُ الرئيسِ الأسد لتحقيقِ الشروطِ السوريةِ المحقةِ قبل تلبيةِ الدعوةِ لأيّ لقاءٍ هي ليست وليدةَ اليومِ، فمنذ سنواتٍ عدّة وأردوغان يحاولُ لقاءَ الرئيسِ الأسدِ كونه بات على قناعةٍ بأنَّ الرهانَ على الوقتِ لتليينِ موقفِ الرئيسِ الأسد قد سقطَ، وسقطَ معه الرهانُ على أن يتمكنَ أيُّ أحدٍ من الضغطِ على الرئيسِ الأسدِ لتغييرِ قرارِه.

ثانياً: – قضيةُ اللاجئين السوريين (حوالي 3 مليون لاجئ ) وما تسببُه من ضغوطٍ على الداخلِ التركي وحاجةُ أردوغان لإعادتِهم إلى سوريةَ، وخاصة بعد صداماتِ “قيصري” التي قرعَت جرسَ الإنذارِ باحتمالِ وقوعِ صراعٍ مسلحٍ بين الأتراكِ واللاجئين السوريين، وهذه الاحتماليةُ أصبحت تشكّلُ ضغطاً داخلياً كبيراً ومخيفاً على أردوغان الذي سعى يوماً ما إلى استقدامِهم إلى تركيا لإحراجِ القيادةِ السوريةِ في حينها.
وهنا ينطبقُ عليه المثلُ العربي القائلُ ” يداك أوكَتَاَ وفُوكَ نَفخْ”.
فأنت من بيَّت نية الغدر وبنى مخيماتِ الريحانيةِ قبل أن تبدأَ الأحداثُ بسوريةَ بأشهر.

وهنا لابدَّ من السؤالِ إلى أين يريدُ أردوغان ترحيلَهم، أإلى مدنِهم وقراهم، أم إلى مناطقَ يختارُها هو ولأهدافٍ تخصُّه…؟

ثالثاً: – شعورُه بخطرِ “قواتِ سوريةَ الديمقراطية” “قسد”، والتي تراها أنقرة امتداداً لحزبِ العمالِ الكردستاني وخشيةُ أردوغان من التحولِ القادمِ في الموقفِ الأمريكي من سوريةَ إذا وصلَ ترامب للبيتِ الأبيضِ وأقرَّ انسحابَ الجيشِ الأمريكي من سوريةَ ووجهَ قيادةِ “قسد” لوضعِ أنفسِهم بتصرفِ القيادةِ السوريةِ — وأنا أرى هذا سيتحقق قريباً — وهذا سيحرمُ تركيا من القيامِ بأيّ عملياتِ ملاحقةٍ للأكرادِ ضمنَ الأراضي السورية.

رابعاً: – أصبحت المصالحةُ مع الرئيسِ بشار الأسد مطلباً شعبياً تركياً، — كما يقالُ في الإعلامِ التركي الآن صورةٌ مع الرئيسِ بشار الأسد توصلُك لموقعِ الرئاسةِ — وهذه المصالحةُ تعدُّ إنجازاً كبيراً سيُسجلُ في خانةِ النجاحِ السياسي لمن يسبقُ لإنجازِها سواءٌ كان أردوغان أم المعارضةَ، والرئيسُ الأسدُ يدركُ هذه الحقيقةَ جيداً ويضع نصب عينيه الحقوق والمصلحة الوطنية السورية، لذلك لم يقبل أن يعطيَ هذه الفرصةَ لأردوغان قبل الانتخاباتِ ولو أعطاه إياها لتغيّرَت نتيجةُ الانتخاباتِ التي خسرَها حزبُ العدالةِ والتنميةِ، ويدركُ الرئيسُ الأسد كما أردوغان أنَّ المخاوفَ الأمنيةَ التركيةَ لا يمكنُ أن تحلَّ إلا بالتنسيقِ مع سوريةَ، وأنّ نشاطَ الاقتصادِ التركي الراكدِ لا حلَّ له إلا بالمصالحةِ مع سورية.

لذلك أصبحَ أردوغان يسابقُ الزمنَ ويسابقُ المعارضةَ لتحقيقِ هذه الخطوةِ علَّه يعزّزُ موقفَ حزبِ العدالةِ والتنميةِ بعد الانتكاساتِ الانتخابيةِ السابقة.

ولذلك بنى القائدُ الأسد الموقفَ السوري العقلاني المشرّفَ على أساسِ القرارِ الحرِّ والمستقلِّ والمنطلقِ من مبدأِ الكرامةِ والمصلحةِ الوطنيةِ للشعبِ السوري، ووحدةِ سوريةَ وسلامةِ أراضيها.

خامساً: – إدراكُ أردوغان أنّه لن يستطيعَ الخروجَ من العزلةِ العربيةِ التي سببتها مواقفُه مما سمّي “الربيع العربي” إلا بعودةِ العلاقاتِ الطبيعيةِ مع سوريةَ (وقد ذكرتُ ذلك في مقالي بعنوان الأهدافُ الأردوغانية خلفَ الترويجِ للقاءِ الأسد المنشورِ على هذه الصفحةِ بتاريخ 4.3.2024).
ويدرك أنه لادخول تركي لأسواق الخليج العربي ألا عبر سورية.

سادساً: – اقتناعُ أردوغان أنَّ حلمَه باستعادةِ أمجادِ السلطنةِ العثمانيةِ أضغاثُ أحلام.
“ولا في سلطنة ولا….. ”
واقتناعُه بفشلِ مشروعِه التوسعي وأخونةِ المنطقةِ العربيةِ بقيادتِه والتي كان دورُه فيها كمركزِ القطبِ من الرحى، وبرعايةٍ أمريكيةٍ، لذلك استبدلَ الإيديولوجيا بالسياسةِ وعاد إلى الواقعيةِ وإلى مصالحِ حزبِ العدالةِ والتنمية.

كلُّ هذا يؤكدُ الحكمةَ والعقلَ والصمودَ، وصوابيةَ موقفِ الرئيسِ الأسد، في كلِّ ما قالَه سابقاً ومايقوله اليوم، ويؤكدُ أنّه كان في قراءتِه لسلوكِ أردوغان كمن يقرأُ من كتابٍ مفتوحٍ، وبنى قرارَه بناءً على هذا الفهم ومستنداً إلى صمودِ الشعبِ الأبي والجيشِ الباسل في بلدٍ عريقٍ بحضارةٍ موغلةٍ في التاريخِ لم يهزمها غازٍ.

أخيراً أقولُ إنَّ سوريةَ تدركُ أنَّ تركيا قوةٌ إقليميةٌ وعضوٌ بحلفِ الناتو، لكنّها تستندُ في موقفِها إلى قوةِ الحق.
(سيرياهوم نيوز ٢-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

رافنيان: أبدأ عملي بحماس … القائم بأعمال سفارة إيطاليا يصل دمشق

أعلنت وزارة الخارجية الإيطالية أمس الأربعاء عبر منصة «إكس»، أن روما أرسلت سفيراً جديداً لها إلى دمشق، وأن ستيفانو رافانيان سوف يترأس البعثة الدبلوماسية الإيطالية ...