أحمد رفعت يوسف
بشكل مفاجئ، وغير متوقع، سحب الرئيس الأميركي جو بايدن، قانون “مناهضة التطبيع مع النظام السوري” من التداول، وجمد إجراءات التوقيع على القانون.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، التي نشرت الخبر “إن الفريق المسؤول عن الشرق الاوسط، في البيت الابيض، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الاميركي، السيناتور بين كاردين، قاما بتجميد التوقيع على القانون، وسحباه من الحزمة المستعجلة، من القوانين التي طرحت للمصادقة”.
الإجراء المفاجئ من الرئيس بايدين، والسناتور كاردين، أثار حملة كبيرة من التساؤلات، حول أسباب ومبررات سحب مشروع القانون، في وقت تشهد العلاقات السورية الأمريكية، أسوأ مراحلها، كما أوجدت هذه الخطوة، إحباطاً وغضباً، في صفوف المعارضة السورية، ومجموعات العمل السورية داخل واشنطن، التي بذلت كل ما تستطيع من جهود لإقرار القانون.
وكان القانون لو تم إقراره، من قبل الرئيس بايدن، هو الأخطر، في سياسات الحصار والضغوط، التي تمارسها الإدارة الأمريكية، على دمشق، لأنه يخضع لعقوباته، أي عملية تواصل، ومن أي نوع مع القيادة السورية، وحتى السفر الجوي، من وإلى دمشق، والمطارات السورية.
ومع غياب أي تفسير أو توضيح رسمي لهذه الخطوة، سواء من واشنطن أو دمشق، فمن المؤكد أنه يرتبط بالتطورات المتسارعة التي تجري في المنطقة، وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى، في 7 تشرين الأول/اكتوبر من العام الماضي، والعدوان الإسرائيلي الأمريكي الشرس، على الشعب الفلسطيني في غزة، والتداعيات الكبيرة لهذا الصراع، إضافة إلى التواجد الأمريكي غير المشروع في سورية، وعمليات المقاومة التي تطال قواعدها فيها، إضافة إلى التعقيدات التي تطال العلاقات السورية الأمريكية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار كل هذه التشابكات، يمكن قراءة احتمالات عديدة، تقف وراء القرار أهمها:
** الفشل الكبير الذي يلاحق العدوان الإسرائيلي الأمريكي على غزة، وإدراك واشنطن، لأهمية موقف ودور دمشق المحوري، وكنقطة ارتكاز رئيسية لمحور المقاومة، وحاجتها لتبريد الأجواء، بالتزامن مع سعيها للتوصل، إلى اتفاق حول الوضع في غزة.
** حساسية الأوضاع في الداخل الأمريكي، والتي يتم التعبير عنها، في حراك طلاب الجامعات الأمريكية، المناهض لدور الإدارة الأمريكية، في مساندة العدوان الإسرائيلي على غزة، وانعكاس ذلك على حملة الرئيس بايدن لانتخابات الرئاسة، وتأكدها بأن إقرار القانون، سيزيد من الانعكاسات السلبية على هذه الحملة.
** وجود تدخل من دول عربية صديقة لأمريكا، وفي مقدمتها السعودية والإمارات وسلطنة عمان، والتي ترى في إقرار القانون، إحباطاً لمساعيها، لإعادة العلاقات العربية مع دمشق، وهو ما سيدفعها إلى المزيد، من تعميق وتطوير العلاقات، مع محور إيران وروسيا والصين.
** إدراك فريق كبير ووازن في الإدارة الأمريكية، بأن إقرار القانون، سيقطع أي إمكانية للحوار مع دمشق، وأنه سيلاقي تحديا ورفضاُ له، من قبل قوى إقليمية ودولية وازنة، وفي مقدمتها روسيا والصين، مما سيزيد من تراجع هيبة أمريكا ومكانتها في العالم.
** إقرار القانون، سيزيد من حالة الاستقطاب في الميدان السوري، واستهداف قوى وفصائل المقاومة، للقواعد الأمريكية غير الشرعية في سورية والعراق، في وقت تسعى الإدارة الأمريكية، إلى وقف هذه العمليات.
** وجود حوار أمريكي سوري، أكده حديث الرئيس بشار الأسد، مع وزير خارجية أبخازيا مؤخراُ، وكان آخره في العاصمة العُمانية مسقط، حول أكثر من ملف في العلاقات الثنائية، ومنها قضية الصحفي أوستن تايس، الذي اختفى في دمشق، في آب/أغسطس 2012، أثناء قيامه بالتغطية الصحفية، للأحداث في سورية، لكن يسود اعتقاد، بأنه يعمل لصالح أجهزة استخبارات أمريكية.
كما من غير المستبعد، أن يكون وراء تجميد مساعي إقرار القانون، مرونة سورية، في محادثاتها الصعبة مع الإدارة الأمريكية، أو في جهود الوساطة التي تجري وراء الكواليس، بين دمشق وواشنطن، حول مجمل القضايا المباشرة، التي تتعلق بعلاقات البلدين، بهدف مشاغلة الإدارة الأمريكية، بنوع من الوعود والمفاوضات، بهدف تقطيع هذه المرحلة الصعبة، بانتظار توضح صورة الصراع في المنطقة، خاصة وأن مسار الأحداث والتطورات، لا يسير في صالح الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، مما سيزيد من الصعوبات، في تطبيق سياسات الحصار والضغوط، التي تمارسها الإدارة الأمريكية على سورية، وتجعل من الصعب مستقلاً، العودة لإقرار القانون، أو لزيادة الضغوط على دمشق.
وهذه السياسة التي برعت فيها سورية، استخدمتها بكل حنكة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الشرقية في أوروبا، التي كانت تشكل السند الاستراتيجي لسورية، وتوقع الكثيرون، أن هذه الانهيارات ستصل إلى سورية، نظراً للتشابه بين نظامها السياسية وأنظمة دول هذه المنظومة المنهارة، ويومها شاغل الرئيس الراحل حافظ الأسد الأمريكيين، عشر سنوات، بمفاوضات السلام (المستحيل) مع الكيان الصهيوني، التي تلت مؤتمر مدريد للسلام، في30 تشرين الأول/أكتوبر إلى1تشرين الثاني/نوفمبر 1991، وشهدت فترة عسل سورية أمريكية غير مسبوقة، شهدت خلالها لقائي قمة بين الرئيسين حافظ الأسد وبيل كلينتون، و 26 زيارة لوزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت لدمشق، فيما زارت لندن وباريس ستة مرات فقط، مما أثار احتجاج دبلوماسي بريطاني فرنسي، ووصلت المحادثات في حينه، إلى موافقة إسرائيلية، على الانسحاب من كامل الجولان السوري، باستثناء بضع (مئات) من الأمتار، وانتهت هذه الفترة، بقمة جنيف، بين الرئيسين حافظ الأسد، والأمريكي بيل كلينتون، في 26 آذار/مارس من العام 2002، بالموقف المشهور للرئيس الأسد (لن أوقع) لتبدأ معها مرحلة الصدام والصراع، والتي بدأت مع مجيء الرئيسين بشار الأسد إلى السلطة في دمشق، وجورج بوش الابن، في واشنطن، وأحداث نيويورك وواشنطن، ثم غزو العراق عام 2003 ، والذي تلاه تهديد أمريكي بغزو سورية.
بالتأكيد قد تكون مجمل هذه الأسباب، وراء تجميد الإدارة الأمريكية، لجهودها لإقرار مشروع القانون، لكن وبغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء الخطوة، فهي تعني تلقائيا، إعطاء الضوء الأخضر، للدول التي ترغب بإعادة العلاقات مع دمشق، بدليل أن هذا الإجراء، ترافق مع زيارة وزير خارجية البحرين، عبد الله بن راشد الزياني لدمشق، حاملاً إليه دعوة من ملك البحرين، لحضور القمة العربية المقبلة في المنامة.
كما تؤكد هذه الخطوة، أهمية دور وموقع وموقف دمشق، وسط هذا الصراع الشرس، بين المنظومة الاستعمارية الغربية، برأسها الأمريكي، والتي تشهد، تراجعاً في هيمنتها ونفوذها، على السياسات والاقتصاديات العالمية، والمنظومة الشرقية الصاعدة، برؤوسها الصيني والروسي والإيراني، وما يطرح من مشاريع تواصل عالمية، تنتج عن هذا الصراع، مثل مشروع الحزام والطريق الصيني، ومشروع طريق الهند أوروبا، عبر الخليج والكيان الصهيوني، وأهمية موقع سورية، وقدرتها في التأثير، على نجاح أو فشل هذه المشاريع.
بالتأكيد سنحتاج لبعض الوقت، لتوضح الصورة، ومعرفة الأسباب الحقيقية، الكامنة وراء قرار الرئيس بايدن، بتجميد مشروع قانون مناهضة التطبيع مع سورية، لكن يمكن إضافة هذا الإجراء، إلى سلسة النقاط، التي تسجلها دمشق، في سجل علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، القائمة على التوتر والصدام، أكثر بكثير مما هي قائمة على التوافق والتعاون.
(سيرياهوم نيوز ٣-صحيفة لا اليمنية)