| خالد العبود
-من مستويات الحرب المركّبة التي شُنّت علينا، في ظلّ ما سمّي “الربيع العربيّ”، كانت الحرب الثقافيّة، وصولاً إلى صناعة وعي الجمهور، وتحديد أولوياته واهتماماته وخياراته وقراءاته الضيقة جدّاً!!..
-لم يكن نزول قسمٍ من السوريّين إلى الشارع، ولم يكن اصطفافه الدينيّ والمناطقيّ، ولم يكن خروجه على الدولة وعلى مؤسّساتها، ولم يكن تواصله مع العدو، وتنسيقه وتعاونه معه، ولم يكن حمله للسلاح، ولم تكن هجرتُهُ، إلاّ ناتج هذه الثقافة!!..
-هذه الثقافة أنجزت وعياً، حدّد خيارات قسمٍ كبيرٍ من السوريّين، منذ اللحظات الأولى، بعيداً عن معاناتهم وحاجاتهم وآلامهم، الموضوعيّة وغير الموضوعيّة، وهو وعيٌ خطيرٌ يقودهم ويحرّكهم حتى هذه اللحظات!!..
-كلُّ الظروف الحقيقيّة وغير الحقيقيّة، التي عاشها السوريّون، خلال سنوات هذه الحرب، لم تُساهم وحدها بتحديد خياراتهم ومساراتهم، بمقدار ما كانت هناك ماكنة تقودها جيوشٌ من الاستخبارات، لتعميق تلك الثقافة في وجدان الناس!!..
-تذكّروا أنّ موضوع الهجرة، وهجرة السوريّين تحديداً، مرَّ بمراحل عديدة وغير متجانسة، وكان رئيسيّاً في جميع مراحل هذه الحرب ذاتها، ومنذ لحظاتها الأولى!!..
-قبل السلاح وقبل دخول الجيش وقبل “الفرقة الرابعة”، وقبل الاسطوانة المشروخة “قاتل شعبه”، كانت الهجرة من جنوب سوريّة وشمالها، نعم منذ اللحظات الأولى لعدوان “ربيعهم العربيّ”، كانت هجرة أبناء درعا باتجاه الأردنّ، وكانت هجرة أبناء إدلب ومحيطها باتجاه الحدود مع تركيا..
-وقبل صواريخ “جيش الإسلام” على العاصمة دمشق، وهاونات “الجيش الحرّ” على أكثر من مدينة سوريّة، وقبل سقوط تلال الجنوب السوريّ، والسيطرة على أكثر من قاعدة جويّة للجيش السوريّ، كانت هناك هجرةٌ خارجيّةٌ للسوريّين!!..
-وقبل مذابح “داعش” وجرائمها، وقبل التنكيل الذي مارسته “جبهة النصرّة” وعشرات المجموعات المشغولة على مقاييس حريق السوريّين، كانت هناك هجرةٌ خارجيّةٌ للسوريّين!!..
-وقبل دخول الجيش وتحريره لكثيرٍ من المدن والبلدات السوريّة، وقبل استعادة الدولة سيطرتها على مساحات واسعة كانت تحت سيطرة المجموعات الإرهابيّة، كانت هناك هجرةٌ خارجيّةٌ للسوريّين!!..
-وقبل البطاقة الذكيّة، وكثيرٍ من الإجراءات التي لم تكن كذلك، من قبل كثيرٍ من مؤسّسات الحكومات المتعاقبة، بحقّ الغاز والكاز والبنزين والمازوت والأسعار، كانت هناك هجرةٌ خارجيّةٌ للسوريّين!!..
-هجرةُ السوريّين، منذ لحظات الحرب الأولى، لم تكن ناتج ظروف الحرب، وإنّما كانت تفصيلاً من تفاصيلها، فهناك طابورٌ كان، وما زال، يدفع دائماً بهذا الاتجاه، منذ لحظات العدوان الأولى، وهناك من يستجيب من السوريّين لذلك، بعيداً عن الظروف الداخليّة لهم، وبعيداً عن ظروف الحاجة أو الأمن والاستقرار الداخليّ للبلاد، لقد كانت الهجرة السمة الوحيدة التي اشتركت بها مراحل هذه الحرب!!..
-نعم التهجير الذي يتعرّض له السوريّون، تهجيرٌ مدروسٌ ومنظّمٌ، منذ اللحظات الأولى للعدوان، من قبل ماكنة استخبارات أطراف العدوان، لأهدافٍ خطيرةٍ جدّاً، وهي جزء أساسٌ من أهداف الحرب ذاتها!!..
(سيرياهوم نيوز3-الصفحة الرسميّة للكاتب25-9-2022)