تجري في العاصمة القطرية الدوحة منذ أيام مفاوضات وصفت بـ”المعقدة والشائكة” بين حركة “حماس” وإسرائيل، بشان صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن دون أي تقدم ملموس يذكر حتى هذه اللحظة وسط غموض كبير يُحيط بالملف.
ورغم التصريحات المتناقضة التي تصدر بين الحين والآخر من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني حول الصفقة، إلا أن الترجيحات والقراءات التي تخرج من العاصمة القطرية تؤكد أن الفجوات لا تزال بعيدة، وهناك الكثير من العقبات تعترض التوصل لاتفاق رسمي، وأن ما يجري فقط محاولة لـ”تلطيف” الأجواء والهروب من الضغوطات.
وآخر مستجدات ملف مفاوضات تهدئة غزة، ما نقلته صحيفة “يديعوت احرنوت” العبرية، بأن المحادثات في قطر لم تصل بعد إلى نقاشات حول اسماء الاسرى الفلسطينيين، وتنتظر إسرائيل رد “حماس” على المقترح الجديد الذي طرحه الوسطاء، والذي يتضمن خرائط جديدة ومفاتيح جديدة للإفراج عن المزيد من الأسرى مقابل كل اسير اسرائيلي.
لكن الفلسطينيين ينتظرون إطلاق سراح عدد من كبار القادة في السجون الإسرائيلية، وعلى رأسهم مروان البرغوثي، الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد وأربعين عامًا.
ونقلت صحيفة “يديعوت احرنوت” عن مصادر فلسطينية قولها “إن حماس لا تنوي التنازل عن إطلاق سراح البرغوثي، لكن إسرائيل أوضحت أن اسم البرغوثي لم يرد في المحادثات حتى الآن، وقال أحد المصادر: “وعد يحيى السنوار شخصيا زوجة البرغوثي، فدوى، بإخراجه من السجن. حتى أنه أقسم لها على القرآن الكريم”، مشيرًا إلى أن قيادة غزة تعتبر البرغوثي “ورقة تفاوض” أساسية لا يجوز التخلي عنها.
ومروان البرغوثي عضو في حركة “فتح”، ويحظى بشعبية واسعة في الضفة الغربية، ومن بين الفلسطينيين، هناك من اعتبره أحد المرشحين لقيادة السلطة الفلسطينية بعد “أبو مازن”.
تضيف الصحيفة العبرية، اذا أُطلق سراح البرغوثي، فقد يرحّل إلى قطر أو إلى بلد ثالث آخر. لكن مصادر فلسطينية أفادت بأن البرغوثي يتمتع بالقدرة على التأثير، حتى من بعيد.
وقال مصدر فلسطيني: “يستطيع البرغوثي الجلوس على كرسي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، حتى من قطر. إنه الشخصية الوحيدة القادرة على توحيد الشعب. يُذكر الجميع بياسر عرفات، بحكمته وعزيمته وجاذبيته”.
ويتضمن الاتفاق المطروح وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا؛ والإفراج عن حوالي نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء – عشرة أسرى إلى جانب ثمانية عشر جثة، على أن يُفرج عن ثمانية أحياء في اليوم الأول واثنين آخرين في اليوم الخمسين، وثلاث دفعات إضافية من الإفراج عن الأسرى القتلى على مدار الشهرين؛ والإفراج عن أسرى فلسطينيين – لا يزال عددهم مجهولًا؛ وزيادة المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة.
وقد وافقت إسرائيل على التحلي بالمرونة بشأن انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، بما في ذلك من محور موراج جنوب قطاع غزة، وزعم مصدر سياسي اسرائيلي أن “حماس” تتلكأ في المفاوضات في مواجهة عرض جديد قدمه الوسطاء لإسرائيل و”حماس”، وأضاف المصدر: “لقد قطع الوفد الإسرائيلي شوطًا كبيرًا. نقترب من نقطة الحسم في المفاوضات، لكن حماس تُشكّل عقبة في مسألة مفاتيح الأسرى”.
على الرغم من ذلك، تدرس إسرائيل إرسال وفد رفيع المستوى إلى الدوحة لتسريع المحادثات، إذا وافقت حماس على مناقشة القضايا الرئيسية.
وقد يتوجه الوفد الإسرائيلي رفيع المستوى إلى الدوحة إذا وصل ويتكوف إلى العاصمة القطرية الأسبوع المقبل.
مصدر فلسطيني مطّلع على المفاوضات أكد أن الوفد الإسرائيلي أمضى بضعة أيام وهو يرفض أساساً تقديم خطوط وخرائط إعادة تموضع، فيما تمسّك المفاوض الفلسطيني بالتوافق على خرائط واضحة ومكتوبة. وبعد نحو أسبوع، قدّم الوفد الإسرائيلي خرائط تقضم 40% من مساحة القطاع، وبدأ في جولات ماراثونية للتفاوض حولها.
في المقابل، فإن المقاومة التي أكّدت تمسّكها بخريطة انسحاب 2 آذار الماضي، قدّمت تنازلات للوصول إلى صيغة توافق، أفضت وفق المصدر ذاته إلى تقليص عمق المنطقة العازلة إلى 1200 متر وأقل من ذلك في بعض المناطق، والانسحاب من محور “موراغ” إلى محور “فيلادلفيا”.
ويوضح المصدر أن المفاوض الإسرائيلي يضع عقبات وعراقيل، ثم يبدأ بالتفاوض عليها، في ما يشبه لعبة إدارة الوقت. هم يحدّدون مدة زمنية يجب استهلاكها لحل نقطة عالقة، ثم مدة أخرى لحل عقبة ثانية يستحدثونها بأنفسهم ثم يتراجعون عنها.
ويتابع في حديثه أن فصائل المقاومة تسابق الوقت لتوقيع اتفاق، لكنّ الصيغ التي قدّمها الإسرائيليون للوسطاء مفخّخة، والتوقيع عليها بدون تمحيص وتحليل وتفكيك لكل بند فيها، كان كفيلاً باستدامة احتلال مساحة واسعة من أراضي قطاع غزة، بما يسمح للعدو بالمضي قدماً في مشروع مدينة الخيام في رفح، ويبقي ورقة المساعدات أداة ابتزاز بيد مصائد الموت الأميركية، ولا يعطي أي أفق لنهاية الحرب، أي إن الاحتلال يريد استرجاع أسراه من دون أي مقابل.
والأخطر من ذلك، أن ثمة ما يشير إلى أن ما يتم الاتفاق عليه في هذه الجولة، قد يبقى نقطة ارتكاز لوضع طويل المدى إذا ما أفضت هذه التهدئة إلى وقف مستدام وطويل الأمد للقتال. وبناءً عليه، تتنازل المقاومة بما لا يؤثّر على مستقبل القطاع في سبيل وقف المقتلة، وتتمسّك بقضايا قد تبدو استدامة الحرب أخفّ وطأة من القبول فيها.
أما عن السلوك الإسرائيلي والأميركي، فهو الإغراق في فيض من الأخبار المتفائلة التي تزعم تقديم مرونة وتنازلات، واتهام حركة “حماس” بالعناد والتعنت. ومن ذلك 6 تصريحات أعلن فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في غضون أسبوعين “أننا نبلي بلاءً حسناً في ملف غزة… متجهون إلى صفقة”، وما قاله مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، آدم بولر، من أن “حماس تبدي مقاومة وتضع العقبات في طريق التوصل لصفقة، وتصريحات متكرّرة للمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قال فيها “إننا أقرب إلى الصفقة من أي وقت مضى.
أما رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فقد كرّر “أننا نتجه إلى صفقة 60 يوماً”. وإلى جانب ذلك، ثمة إغراق في وسائل الإعلام العبرية عن المدى الذي وصلت إليه المفاوضات، وما يحيط بهذه الصفقة من حسابات سياسية داخلية ومواقف الائتلاف الحكومي منها.
وامام هذه التطورات.. هل حان وقت إنهاء حرب غزة؟.. وماذا ربحت “حماس”؟ وهل ستقطع في الفخ؟
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم