آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ماذا يعني إعلان الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك؟

ماذا يعني إعلان الاعتراف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك؟

خلط الاعتراف الروسي باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الأوراق بالنسبة إلى الغرب، إذ دخلت الدول الأوروبية في حالة من الحيرة والذهول نتيجة هذه الخطوة الروسية، على الرغم من توقع كلّ الخبراء والمحللين المختصين بالشأن الأوروبي والباحثين في مسار العلاقات الدولية الوصول إلى هذه الخطوة. 

لا شكَّ في أنّ هذا الإعلان سيزيد تسارع الأحداث ويراكم أسباب تفاعل الأزمة في أوكرانيا، كما سيزيد توتر العلاقات بين موسكو وكييف، وخصوصاً أن هذا التوتر يُظهر بشكل جلي أنّ البلدين يعيشان على صفيح ساخن، فالعلاقات بين موسكو وكييف دائماً ما كانت متأرجحة ومتباينة، إذ شكلت كييف مصدر قلق لموسكو في محطات عدة. 

علاقات متوترة

الأزمة الحالية التي تعصف بالعلاقات بين الطرفين ليست نتيجة توترات مستجدة، إذ تعود إلى ما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا. عندها، ظهرت دولة كييف صاحبة السيادة للمرة الأولى في تاريخها السياسي، وهو ما جعلها تنحو نحو التمرّد على موسكو، وخصوصاً بعد أن بدأت تظهر رؤيتان سياسيتان متناقضتان؛ إحداهما ترى أنه لا بد من التقارب مع روسيا، لأنها شريان حياة الأوكرانيين، والأخرى تدعو إلى محاصرة الدور الروسي في التوجه نحو الغرب.

لم يتمكَّن الأوكرانيون من بناء دولة مستقرة، وبدأت المحاولات منذ العام 2004 لجعل أوكرانيا حليفة للغرب، لكنْ برز مستجد مهم جداً في هذه المرحلة، هو وجود الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين، والذي يطمح بطبيعة الحال إلى تعزيز مكانة روسيا الدولية والإقليمية، ما يحتم توسع نفوذها في الدول القريبة منها.

أما ما راكم الأزمة، فهو الدعم الغربي والأميركي الواضح والعلني لـ”الثورة البرتقالية”، وإبعاد يانكوفيتش عن الوصول إلى السلطة، وخصوصاً في ظلِّ توسع انضمام دول شرق أوروبا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي.

استغلّت واشنطن بحث أوكرانيا عن شريك اقتصادي أساسي لجعلها بؤرة تؤرق حلم بوتين، إلا أنَّ ذلك لم يحصل بعد وصول يانكوفيتش إلى رئاسة الدولة في انتخابات رئاسية في العام 2010، وتعليقه اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في العام 2013، ومن ثم عقده اتفاقية شراكة اقتصادية مع روسيا. وبذلك، توجّه بشكل رئيسي نحو الخيار الروسي. بعد ذلك، اندلعت احتجاجات منددة بخطوته، وقرر البرلمان الأوكراني عزله، فهرب إلى روسيا التي عدّت عزله محاولة انقلابية بدعمٍ غربي لإزاحته وإبعاد موسكو عن كييف.

تمثَّل رد الفعل الروسي بإرسال الرئيس بوتين قواته العسكرية إلى شبه جزيرة القرم. وفي 16 آذار/مارس 2014، استعادت روسيا شبه الجزيرة التي تتمتع بحكمٍ ذاتي من الدولة الأوكرانية، فضُمّ القرم إلى موسكو بعد استفتاء أجرته روسيا فيه. 

فضلاً عن ذلك، دعمت روسيا نزعات استقلال في شرق أوكرانيا وجنوبها، لتقاتل وتحاول الاستقلال عن الحكومة المركزية في كييف. ومنذ آذار/مارس 2014 وحتى تاريخه، تمُر العلاقات الروسية الأوكرانية بتوترات دائمة.

أهمية دونباس وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك

يقع إقليم دونباس الذي يضمّ دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا. وقد اشتهر في الأصل باستخراج الفحم من المناجم، وأصبح ذا نشاط اقتصادي كثيف. وتغطي منطقة حوض دونباس أقاليم أوبلاستس شرق البلاد، وهو الجزء الواقع أقصى الشرق دنبروبيتروفسك أوبلاست حول مدينة بافلوراد. وما يُسمى بدونباس الغربية الجزء الشمالي والأوسط من دونيتسك أوبلاست، الجزء الجنوبي يُعرف بمنطقة برايزوفيا الساحلية، والجزء الجنوبي من لوغانسك أوبلاست يُعرف الجزء الشمالي بمنطقة سلوبوزانشينا. وتضم منطقة دونباس اليوم الأجزاء التي كانت تسيطر عليها كييف من ولايتي دونيتسك ولوغانسك.

يضم الإقليم 60 مليار طن من احتياطيات الفحم، وكان ينتج ما يقارب 75% من إجمالي الفحم المنتَج في أوكرانيا، كما كانت منتجات دونباس تستحوذ على 30% من إجمالي الصادرات الأوكرانية، وذلك قبل إعلان الجمهوريتين استقلالهم عن كييف.

ويشكل الروس نسبة تزيد على 40% من السكان في دونيتسك مع بقية ممثلي القوميات الأخرى، ومنها التتار والأرمن واليونانيون واليهود الناطقون بالروسية، فيما يوجد ما يقارب 650 ألف نسمة من حاملي الجنسية الروسية، وهم الذين حصلوا على جوازات السفر الروسية بموجب تعليمات صريحة من الكرملين عقب اندلاع الحرب في المنطقة، ما دفع كثيرين منهم إلى أن يلوذوا بالفرار إلى روسيا المجاورة. 

وتقع لوغانسك شمال دونيتسك، وتحدها روسيا من جهة الشرق، ويبلغ تعداد سكانها ما يزيد على مليوني نسمة، ويقترب عدد الروس فيها من المليون نسمة. وكان الرئيس فلاديمير بوتين تحدَّث في أكثر من مناسبة عن وحدة التاريخ والجغرافيا والعقيدة بين سكان هذه المناطق، بحكم ما يربط روسيا مع أوكرانيا من تاريخ مشترك ووحدة عرقية.

ماذا سيحصل بعد الاعتراف بالجمهوريتين؟

لا شكّ في أن هناك تبعات ستتحمّلها أوكرانيا بعد إعلان روسيا الاعتراف بالجمهوريتين، إذ إنّ ذلك يخوّل الحكومة الروسية حماية السكّان فيهما من التهديدات الخارجية، ويمكن أن يعزّز النزعة الاستقلالية في دونباس والمطالبة بمساحات أكبر. كما أن هذا الاعتراف الروسي لا يعني أن الأزمة ستنتهي.

ومن المعروف أن الاعتراف بدولة ما يعني الاعتراف باستقلالها وسيادتها وسلامة إقليمها، ما يعني إمكانية تقديم روسيا الدعم للجمهوريتين لاستعادة السيطرة على كلِّ أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك، فضلاً عن إمكانية طلب الجمهوريتين تدخّل روسيا في الأزمة، وبالتالي دخول قوات روسية إلى المنطقة من أجل مساعدتها في الحصول على الاستقلال التام، وهو ما يُعرف في القانون الدولي بـ”التدخّل بناءً على دعوة”، كما حصل في تدخّل روسيا في سوريا أو في كازاخستان. هذا الأمر سيشمل أيضاً مدينة ماريوبول التي حاولت قوات الجمهوريتين السيطرة عليها في العام 2014، حتى تربط البر الروسي مع برّ القرم.

الأمر الثالث الذي يمكن أن يحصل بعد الاعتراف بالجمهوريتين، هو محاولة ضمّ دونباس إلى روسيا، على غرار القرم، بناء على استفتاء وطلب من الإقليم وسكانه، ما يعني اقتطاع كامل المساحة الجغرافية من أوكرانيا، وهو ما قد يحصل وفق ما فُهم من خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي توجَّه فيه إلى الشعب الروسي، وهذا يعتبر جزءاً من الرد الروسي على تصرفات أوكرانيا والولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو.

بهذه الخطوة الذكية التي يمكن أن تكون جزءاً من الحرب الهجينة، تحاصر روسيا أوكرانيا عبر الشرق الَّذي كان يعدّ 40% من مساحتها، كما أنها – وإن كانت ستزيد التوتر واحتمال حصول عنف في الشرق الأوكراني – تمنع جر روسيا إلى حرب شاملة في لحظة حسّاسة جداً يريدها الغرب لتحميلها تبعاتها، فيما تقطع الطريق على الرد العسكري الغربي أيضاً، إذ سيكتفي الغرب بالعقوبات، بينما روسيا واقعة في الأصل تحتها. وموضوع العقوبات ليس جديداً، وقد أكّده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ إنه لن يقدّم شيئاً وفق الرؤية الروسيّة.

(سيرياهوم نيوز-الميادين23-2-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لودريان… ديبلوماسيّة الحقيبة الفارغة

  نبيه البرجي     جان ـ لوك ميلانشون، رئيس حركة “فرنسا الأبية”، وصاحب شعار “أوروبا امّا نغيّرها أو نغادرها”، قال له “لو كان هناك ...