| جلنار العلي
تتخذ الكثير من البنوك المركزية في دول العالم إجراءات نقدية عديدة لمواجهة الأزمات الاقتصادية، ومن بين هذه الإجراءات رفع أسعار الفائدة، ولكن كيف تستخدم هذه الأداة؟ ومتى؟ وما آثارها الإيجابية أو السلبية في سحب السيولة من الأسواق وحجم الاقتراض والاستثمار؟
الدكتور في الاقتصاد والأستاذ في المعهد الوطني للإدارة العامة أيهم أسد، بيّن في تصريح لـ«الوطن»، أن البنوك المركزية في اقتصادات العالم كافة، تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية من خلال أدوات السياسة النقدية، معتبراً أن هذه العبارة تكثف بشكل كبير الأسباب التي أُحدثت البنوك المركزية بموجبها والتي من أجلها تدافع عن استقلاليتها، فمن خلال السيطرة على قيمة النقد، يمكن للبنوك المركزية السيطرة على الكثير من متغيرات الاقتصاد كالتضخم والبطالة والنمو والصادرات والواردات والودائع المصرفية وعرض النقد والمديونية الخارجية والداخلية وغيرها، كما يمكن لها بعد ذلك السيطرة على المتغيرات والقطاعات الاجتماعية في الاقتصاد كالفقر والصحة والتعليم والإسكان وغير ذلك.
وفي السياق، أشار إلى أن الأدوات النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية في إدارتها للسياسة النقدية تقسم إلى مجموعتين مباشرة وغير مباشرة، وتعتبر أسعار الفائدة التي تطبقها وتحركها البنوك المركزية أحد هذه الأدوات النقدية المباشرة، حيث تتم مراقبة مراحل الدورة الاقتصادية بدقة في الاقتصاد (فترات الانتعاش والانكماش بمراحلها المختلفة)، وما يرتبط بتقلبات تلك الدورات من عوامل مؤدية إليها كارتفاع أسعار حوامل الطاقة والأزمات المالية والصدمات التجارية والتغيرات الجيوسياسية وآثارها الاقتصادية، وعندما تشعر هذه البنوك أن الاقتصاد مقبل على حالة تضخم أو أنه بدأ يعاني من ضغوط تضخمية ومن أجل الحفاظ على التضخم ضمن النطاق المستهدف في الاقتصاد، تقوم برفع أسعار الفائدة بنقاط أساس (كل 100 نقطة أساس تعادل 1 بالمئة من معدل سعر الفائدة، أي إن زيادة معدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس تعني زيادة معدل الفائدة 0.5 بالمئة)، وعندما تقوم البنوك المركزية بهذا الإجراء تستجيب المؤسسات المصرفية أيضاً برفع أسعار الفائدة على القروض.
وتابع الدكتور أسد: «عندما ترتفع أسعار الفائدة على القروض فإن تكلفة الحصول على القروض وتكلفة سدادها سوف ترتفع، وبالتالي سيقل الطلب على القروض المصرفية، وعندما يقل الطلب على هذه القروض يقل الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وبهذه الآلية يتم الضغط على الطلب الكلي في الاقتصاد نحو تخفيضه، فتنخفض معدلات التضخم وهذا ما يسمى بالسياسة النقدية التقييدية».
وأشار أسد إلى أن هذا لا ينفع في كل الحالات الاقتصادية، ففي حالة الركود أو الانكماش فإن البنوك المركزية تقوم بفعل معاكس تماماً، حيث تخفض أسعار الفائدة من أجل تشجيع المستهلكين والمستثمرين على الاقتراض والإنفاق، وبالتالي على دعم الطلب الكلي نحو زيادته ودفع العرض الكلي نحو الزيادة وهذا ما يسمى سياسة نقدية توسعية، لافتاً إلى أن نجاح تلك السياسة يتحدد بمدى وجود مجموعة من العوامل في الاقتصاد وهي، دقة بيانات البنوك المركزية حول متغيرات الاقتصاد الوطني، ودقة توقيت استخدام البنوك المركزية لأداة سعر الفائدة، ودرجة استقلالية البنوك المركزية في استخدامها لأدواتها النقدية، إضافة إلى مدى حساسية الجهاز المصرفي لقرارات البنوك المركزية، وحجم اعتماد المستهلكين والمستثمرين على الجهاز المصرفي لتمويل إنفاقهم، وماهية الأدوات النقدية المساعدة لأداة سعر الفائدة المستخدمة من قبل البنوك المركزية.
ويرى أسد أن أداة أسعار الفائدة تكاد تكون شبه معطلة في الاقتصاد السوري، وذلك بسبب ضعف العوامل السابقة كلها فيه، وخاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار الاقتصادي الراهن، إضافة إلى أن معدلات الفائدة الحقيقية في الاقتصاد السوري سالبة (معدل الفائدة الحقيقي هو عبارة عن معدل الفائدة الاسمي مخصوماً منه معدل التضخم السائد)، وذلك بسبب التضخم الكبير الذي يعاني منه، الأمر الذي يعدم أثر أداة سعر الفائدة في الاقتصاد.
وفي سياق متصل، اعتبر أن البنوك المركزية في كل دول العالم، هي بنوك تقود الدفاع عن قيمة النقد ولا تُقاد، وهذا معناه ببساطة أنها لا تتبع سعر صرف العملة الوطنية في السوق السوداء، بل يجب أن تسيطر على هذا السعر، وتُتبِع السوق السوداء لسياساتها، وألا تسمح لهذه السوق ولقلة من المضاربين بالتحكم بقيمة النقد والاقتصاد، وذلك عبر تطبيق حزمة كبيرة من أدوات السياسة النقدية التي تستهدف السيطرة على قيمة النقد، والأهم من ذلك أن البنوك المركزية في الاقتصادات كافة، هي من يُرسل الإشارات الاقتصادية والنقدية الأولى والتي تحذر من التغيرات الاقتصادية سواء الإيجابية أو السلبية، وما على الأسواق والشركات والمصارف إلا أن تستجيب لتلك الإشارات وتواكب ما تمليه البنوك المركزية عليها، كما أنها يجب أن تتابع تغيرات نشاط الاقتصاد الوطني بدقة، وأن تتوقع مستقبل ذلك النشاط من خلال ما لديها من معلومات دقيقة حول متغيراته وقطاعاته، وبالتالي تكون هي من يصدر بشكل دوري تحديثات للحالة الاقتصادية العامة، الأمر الذي يؤثر في كل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
سيرياهوم نيوز1-الوطن