ناصر قنديل
يشكل يوم غد السبت أكبر فرصة لقراءة المشهد الإقليمي والدولي، حيث يقف فريقان تمتدّ تحالفات كل منهما على مساحة المنطقة والعالم، أمام حدث هو موعد تبادل الأسرى في غزة، بعد حرب تشارك فيها هذان الفريقان اختبارات القوة الخشنة على مدى ستة عشر شهراً، ما تسبّب بدمار وخراب وعمليات قتل وصفتها محكمة العدل الدولية بالأسباب الكافية لتوجيه تهمة ارتكاب جرائم إبادة لكيان الاحتلال، وكانت الحصيلة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار كثرت الاجتهادات في تفسير أسبابه وقراءة موازين القوى الحاكمة التي أحاطت بولادته.
وقفت في ضفة من الحرب، “إسرائيل” ومن خلفها كل الغرب عموماً وبصورة خاصة أميركا بكل قوتها ووزنها السياسي وحاملات طائراتها وسفنها الحربية ومخابراتها وأقمارها الصناعيّة ومواردها الماليّة ومستودعات سلاحها ومصانع ذخائرها. ودخلت على الضفة المقابلة بتشارك الحرب والخسائر بنسب مختلفة قوى المقاومة في لبنان والعراق واليمن إضافة إلى إيران، لإسناد قوى المقاومة في فلسطين وعلى رأسها حركة حماس، ولم تسمح الالتباسات والخصوصيات في كل من ساحات الإسناد بتقديم قراءة متفق عليها لحصيلة الحرب وموازين القوى التي انتهت إليها، وبقيت ساحة غزة هي الساحة الفاصلة لقراءة نتيجة الحرب ومعادلات القوة الجديدة التي ولدت منها، طالما أنّها ساحة القتال الرئيسيّة وعنوان القضية التي تموضع الأطراف على أساسها على ضفتي الحرب.
تزامن إعلان الاتفاق في غزة مع تهديدات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفتح أبواب الجحيم على الشرق الأوسط ما لم يتم التوصل لإطلاق الأسرى قبل دخوله إلى البيت الأبيض، بما فهم أنه تهديد للمقاومة وحركة حماس خصوصاً، وعندما أعلن الاتفاق برزت بنوده تقول بوضوح إن كيان الاحتلال قبل نصوصاً كانت حماس قد وافقت عليها قبل ثمانية شهور من الاتفاق، فيما عُرف بمشروع بيرنز لوقف النار في أيار 2024، الذي رفضه بنيامين نتنياهو، حيث نصّ الاتفاق على انسحاب كامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة بما في ذلك محور فيلادلفيا ومعبر نتساريم، وكذلك على عودة غير مشروطة للنازحين من جنوب القطاع إلى شماله، من دون تقديم المقاومة لأيّ تنازل حول سلاحها، وجاءت عمليّات تطبيق الاتفاق تظهر أنه استجابة لطلبات المقاومة. وهنا تدخّلت سرديّة سوّقت لها وسائل الإعلام العربية والغربية، تقول إن نتنياهو كان يريد استمرار الحرب وإن ضغوط ترامب الذي تحوّل موعد دخوله إلى البيت الابيض تحدّياً شخصيّاً له، أجبرت نتنياهو على قبول الاتفاق.
خلال أيام قليلة تكثّفت أحداث كبرى، تدخلت فيها كل العناصر المحيطة بولادة الحرب والاتفاق معاً، ما جعل يوم غد السبت يوماً تاريخياً في قراءة موازين القوى في المنطقة وليس في غزة وفلسطين فقط، فقد أعلنت حركة حماس تعليق عملية التبادل المقررة غداً ما لم يتم التزام الاحتلال بإدخال البيوت الجاهزة والمعدات الثقيلة وبعض بنود البروتوكول الإنساني في الاتفاق. وهي بالمناسبة بنود يتصل منعها بعنوان تهجير الفلسطينيين الذي طرحه ترامب، وكان ردّ الفعل الأول من ترامب نفسه بتهديد حماس مباشرة بالجحيم ما لم تُفرج السبت عن كل الأسرى المحتجزين لديها، وقد دعانا ترامب إلى الانتظار حتى يوم السبت لنعلم ماذا سيحدث؟
خلال ساعات بدأت تتّضح الصورة، حيث كان المفترض أن يجد نتنياهو الراغب بالحرب والذي أجبرته ضغوط ترامب على قبول الاتفاق، فرصته للتخلّص من الاتفاق والتحرّر من التزاماته، ويستعيد بذلك وحدة حكومته واليمين المتطرّف من خلفها، فيبادر فوراً إلى منح مهلة ساعات للإفراج عن كل الأسرى، كما قال ترامب، وإلا سقط الاتفاق وعادت الحرب، لكنه بدلاً من ذلك قرّر التمهّل، ثم التريّث، ثم التعقل، ثم التفكير، ثم التأمل. وبدأ يظهر بالتدريج ومعه مجلسه الوزاريّ المصغر مضمون القرار النهائيّ. ننتظر حتى السبت فإذا أفرجت حماس عن الأسرى الثلاثة المفترض أن تُفرج عنهم نحن مستمرّون بالالتزام بالاتفاق، وحتى السبت تتم تلبية طلبات حماس بإدخال المنازل الجاهزة والمعدات الثقيلة.
سوف نكون السبت أمام مشهد تاريخيّ، يعود معه تطبيق الاتفاق وفقاً لشروط حماس، بعدما خضع نتنياهو لهذه الشروط، ولم يقم باختيار العودة إلى الحرب التي قيل إنه غادرها مرغماً، لولا ضغوط ترامب، فيخسر صورة القوة المزعومة التي حاول إظهارها مع وقف الحرب، ويخسر معه ترامب الفضل المنسوب له بوقف الحرب عبر إجبار المحارب نتنياهو على قبول الاتفاق. وثبت بما لا يقبل الاجتهاد هذه المرة، أن ميزان القوى الذي أنهى الحرب صنعته قوى المقاومة بثباتها وصمود شعبها وتماسك محورها، رغم كل التضحيات الجسام التي لحقت بها وبشعبها.
جحيم ترامب جعجعة فارغة ومرتجع له بلا شكر، ونصر نتنياهو المطلق هزيمة مطلقة.
أخبار سوريا الوطن١_البناء