نبيه البرجي
لا داعي للتساؤل . ايمانويل ماكرون عاجلاً أم آجلاً في دمشق . زار لبنان , وزار العراق , ولا ريب أنه كان يتمنى لو يزور سوريا . سوريا الصعبة المراس , حتى وان كانت جريحة .
السوريون يستعيدون , في أي لحظة , ما فعلته سايكس ـ بيكو بهم , ثم ما فعلة الانتداب . السكين التي استخدمت للعبث الدراماتيكي بالتاريخ , وبالجغرافيا , في بلادهم …
في ذروة الأزمة هناك , قال لي مسؤول سوري “خوذة يوسف العظمة ما زالت تتدحرج أمامنا” . اضاف “اذا سألنا هذه الخوذة الآن ماذا تقول ؟” . ردنا أنه من الصعب , في القرن الحالي , وعشية الدخول في ثقافة ما بعد الزمن , البقاء في التاريخ . الألمان احتلوا باريس , ومع ذلك العلاقات بين ورثة نابليون وورثة بيسمارك قد تصل الى حد التماهي .
صحافيون فرنسيون ينقلون عن مسؤولين أنهم لا يقرون , فقط , بسوء التقدير , بل وأيضاً بالقصور في فهم دلالات قول فلاديمير بوتين , غداة اندلاع الأزمة في سوريا , “النظام العالمي الجديد ينبثق من دمشق” .
بعض المسؤولين لا يترددون في القول “علينا أن نشعر بالعار لأننا مددنا أيدينا الى الغول العثماني . أجل بالعار”!
يقولون أيضاً أن على فرنسا التخلي عن اللوثة البونابرتية كي لا تنتهي مثلما انتهى الأمبراطور , وحيداً ومنكسراً , في جزيرة منسية . لا بد من البراغماتية . لا بد أيضاً من بعد النظر .
يعترفون أيضاً بأنهم أخطأوا عندما أخذوا , عشوائياً , بالرأي الأميركي , كما بتأكيدات دول عربية , بأن بشار الأسد سيسقط مثلما سقط زين العابدبن بن علي , ومثلما سقط حسني مبارك , في غضون أيام . أغفلوا البنية القومية للشعب السوري , وحيث الأولوية للصراع مع اسرائيل . لو قام النظام البدبل لرأينا محمد رياض الشقفة , زعيم “الاخوان المسلمين” , في سروال بنيامين نتنياهو .
الآن , يقولون في الاليزيه لو تسنى لرجب طيب اردوغان أن يضع يده على دمشق لارتفعت الرايات العثمانية في بيروت وبغداد . حتماً كان اخترق الخليج العربي , وهو الذي يعتبر أن النفط والغاز بمثابة الثروة الالهية التي تعيد احياء السلطنة .
يبررون دور الظل للولايات المتحدة على الأرض السورية بالقول ان هذه الحسابات لم تكن خاطئة كلياً . دونالد ترامب رجل مختل , ويمكن أن يلحق أضراراً كارثية بالاقتصاد الفرنسي .
وحين أطلق ايمانويل ماكرون دعوته الى انشاء جيش اوروبي منفصل عن القيادة الأميركية , ضغط البيت الأبيض على احدى الدول العربية التي كانت في صدد شراء قطع بحرية فرنسية بنحو ثمانية مليارات دولار , لتشتري هذه القطع من ايطاليا , بالعلاقات المخملية مع أميركا . لم يعد يوليوس قيصر في روما ليختال في ساحة لافونا . مونيكا بيللوتشي هي التي تختال الآن .
ما يتردد في باريس أن الجهات العليا ترى أنه اذا ما أصبح دونالد ترامب خارج المكتب البيضاوي , لا بد أن تحدث تغيرات مثيرة في العلاقات الدولية . الرئيس الأميركي يلعب دور قاطع الطرق , أو دور اللص الوقح , في منطقة دير الزور . السرقة الموصوفة لحقول النفط السورية من أجل تغطية نفقات المرتزقة الذين يعملون لمصلحة واشنطن وتل أبيب .
جو بايدن , وان كانت سيرته الذاتية حافلة بالمواقف الممالئة لاسرائيل , حتى أنه تمنى في كلمة له أمام الايباك
لو ولد يهودياً , لا يميل الى التدخل المباشر في الأزمات المعقدة . القيادة من الخلف . هذا يمكن أن يفضي الى حصول تفاهم بين الأميركيين والروس حول سوريا لا بد أن تتلقفه فرنسا التي , اذ تريد أن يكون لها موطئ قدم في الشرق الأوسط , تتملكها الهواجس من الصهيل العثماني الذي يهدد مصالحها في أكثر من مكان .
هذا لا يعني أن الأسد على استعداد لتحويل بلاده الى مسرح للصراع الفرنسي ـ التركي . الاليزيه يدرك ذلك . يقتضي التريث الى أن تدق ساعة ادلب . بعد ذلك لكل حادث حديث .
حين تكون الطرقات مفتوحة بين باريس وطهران , لا بد أن تفتح , ذات يوم , بين باريس ودمشق . كل شيء ينتظر رحيل قاطع الطرق من البيت الأبيض …
(سيرياهوم نيوز6-9-2020)