آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » ماكرون في برلين: «القبائل» الأوروبية تستشعر الخطر

ماكرون في برلين: «القبائل» الأوروبية تستشعر الخطر

سعيد محمد

 

لندن | وصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى ألمانيا، الأحد، في أول زيارة دولة يقوم بها رئيس فرنسي إلى الجارة اللدودة منذ ما يقرب من 25 عاماً. وفي مستهلّ رحلة ستستغرق ثلاثة أيام، وتشمل أربع محطّات، هبطت طائرة ماكرون في مطار برلين، حيث انتقل إلى الحيّ الحكومي في العاصمة الألمانية للقاء الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، الذي استقبل نظيره بحرارة في شلوس بلفو (قصر الرئاسة الألمانية)، واصفاً زيارته بأنها «دليل على عمق الصداقة الفرنسية – الألمانية». وقال إنه رغم الاختلاف في بعض الأحيان حول بعض السياسات والمسائل التقنية، فإن برلين وباريس قادرتان دائماً على «التوصّل إلى توافق». ومن جهته، شدّد الرئيس الفرنسي على حساسية الانتخابات الأوروبية المرتقبة في حزيران المقبل، ووصف الاتحاد الأوروبي بأنه «قلعة الدفاع عن الديموقراطية والقيم المشتركة»، محذّراً من «موجة من الانبهار بالاستبداد لا تلبث تتصاعد» في دول التكتُّل، «فيما ننسى في كثير من الأحيان أنّنا نخوض معركة لحماية (الديموقراطية)»، معتبراً أن «التاريخ لم يكن ليكون هو نفسه» لو أن اليمينيين القوميين المتطرّفين كانوا في السلطة في مواجهة استحقاقات «كوفيد-19» والحرب الأوكرانية.وإذ دعم الرئيس الألماني تصريحات ماكرون، فهو أشار أيضاً إلى أن الحقوق الديموقراطية «لم تسقط من السماء»، قائلاً إنه «يجب النضال من أجلها»، ومذكّراً المواطنين الأوروبيين بضرورة التفكير بعناية فائقة بينما هم يدلون بأصواتهم في انتخابات الاتحاد الأوروبي، علماً أن «الديموقراطية»، وفقاً لتعريف النخب الحاكمة في أوروبا، تتعلق حصراً بسيطرة تيار الليبرالية السياسية. وتُظهر استطلاعات الرأي أن انتخابات البرلمان الأوروبي قد تتحوّل إلى إحراج كبير محتمل لماكرون، لأن ائتلافه يتخلّف كثيراً وراء أقصى اليمين، وبالكاد سينافس على المركز الثالث، فيما في ألمانيا، تتموضع الأحزاب الثلاثة في ائتلاف شولتس، وفقاً للاستطلاعات، خلف حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرّف.

وجاءت زيارة ماكرون إلى برلين في لحظة رمزية ومهمّة على مستوى العلاقات بين الدولتَين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تحتفل فرنسا بمرور ثمانين عاماً على عمليّات الإنزال التي قام بها الحلفاء ومثّلت بداية النهاية للاحتلال الألماني لأراضيها. ودائماً ما عانت العلاقات بين العاصمتَين الأهمّ في الاتحاد الأوروبي، من برود، ولا سيما بعد مرحلة توحيد ألمانيا وتعاظُم نفوذها داخل الاتحاد، فيما لم يساعد غياب الكيمياء الشخصية بين ماكرون وشولتس في تحسين الأوضاع، حتى كادت الأمور تخرج أخيراً عن السيطرة، عندما فوجئت برلين برفض الرئيس الفرنسي العلني استبعاد مبدأ إرسال قوات أوروبية للقتال في أوكرانيا، وعبّرت بعدة أشكال عن عدم ارتياحها لأسلوبه التهريجيّ في التعاطي مع القضايا الإستراتيجية.

جاءت زيارة ماكرون إلى برلين في لحظة رمزية ومهمّة على مستوى العلاقات بين الدولتَين بعد الحرب العالمية الثانية

 

ومع ذلك، فإن الظرف المرحلي الضاغط على أعصاب النخب الحاكمة في أوروبا يتجاوز، بلا شك، مسألة الانتخابات البرلمانية، ليشمل عدة استحقاقات ليس أقلها غلبة احتمالات تولّي أحزاب اليمين الحكم تالياً في فرنسا وألمانيا خلال سنوات قليلة، وكذلك تردّي الأوضاع على الجبهة الأوكرانية لمصلحة روسيا، وأيضاً تراجع حظوظ الرئيس الأميركي، جو بايدن، في التجديد لولاية ثانية، وبالتالي عودة مظفرة للرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في رئاسيات تشرين الثاني المقبل، بمقاربته المختلفة حول أمن أوروبا. وكان ترامب قد أعلن، في وقت سابق من هذا العام، أنه – حال عودته إلى السلطة في واشنطن – لن يمدّ مظلّة الحماية الأميركية للدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) في ما لو تعرّضت لهجوم روسي.

وعلى هامش لقائه الرئيس الألماني، قال ماكرون للصحافيين إن «زيارة الدولة هذه تأتي في لحظة حاسمة لأوروبا»، مشيراً إلى الحرب في أوكرانيا، إذ «علينا أن نواجه هجمة إمبريالية في قلب أوروبا ما يفترض تعزيز العلاقات الفرنسية – الألمانية»، فيما أكد شتاينماير أن تعاون البلدين مدخل أساسي للتغلب على التحديات الجيوسياسية التي تواجهها أوروبا، مثل حرب روسيا في أوكرانيا، ومترتبات الحرب في غزة، والانتخابات الرئاسية الأميركية. ومن الجليّ أن كلاً من الطرفين يدرك، من منظوره، خطورة هذه التحديات وما قد يترتّب عليها من ثغرات في سدّ الوحدة الأوروبية، لكن ثمة فجوات جوهرية في تصوّر العاصمتين للتعامل معها. وضغطت فرنسا من أجل أن تكون أوروبا أكثر اعتماداً على الذات في المسائل الدفاعية، وشعرت بالخذلان من قرار ألمانيا شراء معدات أميركية لبناء مظلّة الدفاع الجوي ضمن مبادرة «درع السماء» الأوروبية، فيما ترى برلين أنه لا يوجد بديل موثوق للمظلّة العسكرية الأميركية، وأن أوروبا ليس لديها ترف الوقت لانتظار تطوّر صناعة دفاعية محلية في القارة تكون قادرة على التعامل مع تهديدات على مستوى العداء الروسي.

وبعد لقائه شتاينماير، مضى ماكرون، رفقة زوجته بريجيت، في رحلة عبر بوابة براندنبورغ التاريخية مع عمدة برلين، كاي فيجنر. وزار، أمس، مدينة دريسدن في ولاية ساكسونيا الألمانية الشرقية السابقة، حيث يتمتّع حزب «البديل من أجل ألمانيا» بتأييد واسع. ومن هناك، ألقى خطاباً من أمام كنيسة السيدة العذراء التي دمرها الحلفاء الغربيون خلال الحرب العالمية الثانية، محذراً من خطورة اليمين المتطرّف على مستقبل القارة، قبل أن يتوجّه، اليوم، إلى مونستر (غرباً). ولكن ربما يكون الجزء الأكثر أهمية من رحلته هو الأخير، أي الاجتماع المشترك لمجلسَي الوزراء في البلدَين في ميسبرغ (جوار برلين)، حيث ستبدأ الحكومتان في العمل سعياً إلى إيجاد أرضية مشتركة في شأن مسائل الدفاع، والقدرة التنافسية لأوروبا، والبحث في صيغ لبناء أرضية مشتركة على جدول أعمال بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) للسنوات الخمس المقبلة.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بوتين: واشنطن تدفع نحو صراع عالمي.. ونجحنا في اختبار صاروخ “أوريشنيك”

  الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقول إن الولايات المتحدة تدفع العالم نحو صراع عالمي، ويؤكد أن تدمير مصنع الصواريخ الأوكراني تم بصاروخ باليستي روسي فرط ...