- ابراهيم الأمين
- الجمعة 7 آب 2020
مصيبة لبنان مع زيارة الضيف المحمّل بذاكرة استعمارية قاسية، ليست في ما يفكر فيه الرجل، ولا في طريقة تعبيره عن أفكاره وتمنياته ومصالح بلده، بل في طبيعة ما قيل له في بيروت. الرجل تحدث عن الحريات وحقوق الانسان والشفافية والاصلاح وغير ذلك، لكن الله وحده يعلم إذا ما كان أحد ممن التقاهم قد سأله عما اذا كان استمرار خطف المواطن اللبناني جورج عبد الله مطابقاً لمبدأ الحريات العامة وحقوق الانسان، أو إن كان أحد قد ذكّره بأن جنوده قتلوا في لبنان بوصفهم قوة احتلال، سواء خلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الاولى أم عندما رافقوا القوات الاميركية والاسرائيلية بعد غزو العام 1982، وبأن هذا الفعل كان عملاً مقاوماً، ومن قام به تعلّمه من مذكرات المقاومين الفرنسيين للاحتلال النازي لفرنسا. كما ليس معلوماً إن كان أحد هؤلاء سأله، في أضعف الاحوال، عما اذا كانت حكومته قد أجرت تحقيقات حول موازنات المدارس الفرنسية في لبنان ومطابقتها لمبدأ الشفافية، وعن سبب طردها أساتذة وموظفين رغم حصولها على دعم خاص من الحكومة.
ربما لا يتيح عمر ماكرون له التعرف على تاريخ العلاقات بين بلاده وزعماء الطوائف في لبنان، الأمراء الذين ثبتهم استعمار بلاده للبنان طيلة عقود، ثم تركهم لنا على شكل عملاء تابعين قبل أن ينقلبوا عليه ويتجهوا الى الاقوى في المنطقة أو العالم. لكن له حق الابتهاج لأنه حظي باهتمام الناس في لبنان أكثر من أي مسؤول عندنا. وعليه أن يعرف أن هذا السلوك يعكس، بالدرجة الاولى، قرف اللبنانيين من المسؤولين؛ من فشلهم المستمر، ومن توالد الازمات كما تتوالد زعاماتهم جيلاً بعد جيل. أما من دعوه الى إعادة الانتداب، أو الكلمة الملطفة للاحتلال، فجلّ ما يمكنه القيام به هو منح الجنسية الفرنسية لمن لا يحملها منهم، ودعوته الى السكن في فرنسا والتمتع هناك بكل ما يفتقدونه في بيروت. لكن الخطير أن يخرج من حاشية الرئيس الفرنسي من يحاول إقناعه بأن الشارع اللبناني كله يريد فرنسا وصية على لبنان، وبأنّ من لم يخرج حاملاً الورود ومصطفاً إلى جانبي الطريق، إما محجور بسبب «كورونا»، أو مشغول بدفن من سقط من عائلته في انفجار المرفأ، أو جرى قمعه من قبل العصابات الحاكمة في لبنان. وهذا لفت انتباه، لأنه يوجد في الادارة الفرنسية من يعتقد ذلك. في الادارات الفرنسية على اختلافها، يوجد من استدعى أو التقى لبنانيين يطلقون على أنفسهم صفة «ممثلي المجتمع المدني»، ويوجد من صدّق أن هؤلاء يمثلون غالبية الشعب اللبناني. ويوجد ايضاً من اخترع «شبيبة» يريد تنصيبها ممثلة لـ«الشعب اللبناني». كما يوجد بين المعنيين بملف لبنان في فرنسا من يصدق خرافة أن ما حصل في 17 تشرين كان ثورة حقيقية، وأن كلمة واحدة من ماكرون كافية لإعادة إشعالها، وبقوة اكبر.
دونية زعماء وناشطين وإعلاميين لا تخفي وقائع أنهت الى غير رجعة النسخة الفرنسية من لبنان
لم يكن الرئيس الفرنسي خائناً لإقتناعاته. هو قال كل ما يفكر فيه ويحلم به. اختار لحظة النكبة اللبنانية الجديدة ليأتي عارضاً شراء دور مركزي في إدارة ملف لبنان، وعينه – كما في كل مكان في العالم – على أن ينال رضى الولايات المتحدة وحلفائها من عرب الخليج الى إسرائيل. وما يعرضه في المقابل، مساعدات قرر هو أنه لا يوجد في لبنان جهة موثوقة تدير إنفاقها، فقرّر توسيع نشاط جماعات «المجتمع المدني»، وفتح الباب أمام مخابراته لتوسيع نشاطها في كل لبنان من باب المساعدات. ونأمل أن يخرج، في باريس أو في بيروت، من يحسب لنا بعد شهور حجم المبالغ التي ستنفقها فرنسا لتمويل لائحة برامج الدعم التي أذاعها ماكرون في مؤتمره الصحافي.
ليس لدى ماكرون ما يعطينا إياه سوى دروس تعكس عقلية فوقية، وتنفع مع أصحاب العقليات الدونية الموجودين بيننا بكثرة. وليس لدى رئيس فرنسا ما يقدمه سوى إعادة تكرار الشروط الغربية الهادفة الى إعادة استعمارنا، ولو برغبة بعضنا. وليس لديه ما يمكن القيام به سوى التلويح بالأسوأ. لكن الخطير أن ماكرون يمكنه تعزيز مناخ الفتنة الداخلية، متأملاً خروج الناس تناشده التدخل، كما فعل اللبنانيون مع كل الخارج. لكن، إذا اعتقد ماكرون، أو المسؤولون الفرنسيون، أن لبنان لا يزال كما صنعوه هم، فهذا وهم. ولا بد أن يخرج من بيننا من يوقظهم من هذا الحلم البغيض قبل رحلته الثانية مع مطر أيلول!
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)