علي عبود
حسب ماقاله مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الدكتور حيدر شاهين بتاريخ 12/11/2024 فإن “تقديرات الإنتاج من الحمضيات للموسم الحالي حوالي 688 ألف طن منها 540 ألف طن في محافظة اللاذقية و 147 ألف طن في محافظة طرطوس”، ورأى إن عملية التسويق جيدة للموسم الحالي ولا توجد اختناقات والأسعار مقبولة نسبيا.. فهل هذا هو فعلا واقع الحمضيات؟
هذا التفاؤل المناقض للواقع يتكرر في كل عام، فمؤسسة التجارة الداخلية غير قادرة على شراء أكثر من 20 ألف طن “نظريا”، والمعوقات أمام صادرات الحمضيات لاتزال مستمرة وهذا مؤشر بأن التسويق ليس جيدا كما هو حاله في كل الأعوام السابقة.
أما المؤشر الأهم فهو عدم اكتراث أيّ جهة حكومية بخسائر الفلاحين، ولا بتراجع إنتاجنا من الحمضيات عاما بعد عام.
وعلى عكس الصورة “الوردية“ لمدير مكتب الحمضيات، فإن رئيس مجلس محافظة اللاذقية تيسير حبيب حذر الجهات المعنية من مخاطر تواجه شجرة الحمضيات في المستقبل إن لم تضع خطة واضحة وناجحة لتسويق الحمضيات هذا الموسم، وكشف في اجتماع للمحافظة في 16/11/2024 أن الفلاحين يقتلعون أشجار الحمضيات والإستعاضة عنها بأنواع استوائية بسبب التكاليف المادية المرتفعة، ولعدم توفر مستلزمات الإعتناء بها، وهذا التوجه بات متوقعا أمام إصرار الجهات الحكومية على “تخسير“ الفلاحين!
نعم، لم يكن لخطط تسويق الحمضيات في المواسم السابقة أيّ أثر إيجابي، فلا أحد يكترث فعليا بإزالة العقبات أمام تصديرها بما يخفف العبء عن المزارعين ويساهم بزيادة دخلهم كي تستمر زراعة هذا المحصول تجنبا لتعرضهم للخسائر، لأن الإستهلاك المحلي من الحمضيات لايتجاوز الـ 40 %.
أليس ملفتا عدم اكتراث أيّ جهة حكومية بزراعة الحمضيات إلى حد أنه لم يلاحظ أنها تمر بمرحلة حرجة جراء تراجع الكميات المنتجة من أكثر من مليون طن في السنوات السابقة إلى 640 ألف طن العام الماضي فإلى أقل من 450 ألف طن هذا الموسم (خلافا لتقديرات وزارة الزراعة)، بل ان رئيس لجنة الصادرات يؤكد إن إنتاجنا لا يتجاوز على أرض الواقع حاليا 250 ألف طن!
وما أثار استغرابنا قول مدير عام المؤسسة السورية للتجارة بأن آليات المؤسسة جاهزة لاستجرار الحمضيات من أراضي الفلاحين، فما هي هذه الجاهزية إذا كانت خطة المؤسسة لاتتجاوز شراء 20 ألف طن، بالكاد تلتزم منها بكمية 5 ألاف طن سنويا؟
وفي هذا السياق، لم نتفاجأ بعقد اجتماعات على مستويات مختلفة تحت عنوان “وضع خطة لتصدير الحمضيات” وكان أهمها الاجتماع الذي انعقد بتاريخ 16/11/2024 برئاسة محافظي طرطوس واللاذقية بحضور كل الجهات المعنية بملف تسويق الحمضيات، وسبقه بشهرين تقريبا اجتماع لعدد من الوزراء في الحكومة السابقة لاتخاذ مايلزم من إحراءات ، فماذا كانت الحصيلة؟
طبعا، الجميع تحدث واقترح وطالب بتقديم التسهيلات للمصدرين ولمراكز الفرز والتوضيب، واتخاذ الإجراءات اللازمة، وتذليل العقبات، وتسهيل مرور الشاحنات عبر الحدود والتواصل مع تجار الدول المستوردة للحمضيات لتصدير كميات كبيرة منها، واتفقوا كلهم على أن التصدير الحامل الأساسي لمحصول الحمضيات، والسؤال: من سيترجم الأقوال والمقترحات والمطالب إلى قرارات؟
وعلى الرغم من التحذيرات المتتالية التي أطلقها الخبراء والفلاحون على مدى السنوات الماضية، فإن مامن جهة حكومية اكترثت بالمصير الذي سيصيب محصول الحمضيات، نتيجة للخسائر الجسيمة التي تتعرض لها أسر الساحل التي “تعتاش“ من هذا المحصول مما اضطر عشرات الفلاحين لقلع أشجار الحمضيات واستبدالها بمحاصيل استوائية أقل كلفة وأسرع تسويقا وأكثر مردودا ماديا.
والملفت أن الجهات الحكومية وتحديدا وزارات الزراعة والإقتصاد والتجارة الداخلية، وخاصة المالية، لاتكترث بما حصل حتى الآن على صعيد تراجع الإنتاج، فلم تتخذ القرارات والإجراءات الفعالة لإزالة العقبات، بل تركتها تزداد عاما بعد عام كما فعلت مع المحاصيل الأخرى، وقد لاننتظر طويلا حتى نتحول إلى بلد مستورد للحمضيات كما كان حال سورية في ثمانينات القرن الماضي!!
ومع كل تراجع في إنتاج المحاصيل الرئيسية والإستراتيجية، تصدر قرارات حكومية باستيراد بما يوازيها من كميات لسد احتياجات السوق وخاصة الحبوب،
والبقوليات، والأعلاف، أو بما يكفي الحد الأدنى من تشغيل منشآتنا كالقطن.
الخلاصة: بما إن الإستيراد يزدادا مع كل خسارة في محصول زراعي، فهذا يعني ارتفاع في فاتورة القطع الأجنبي، مما أثّر بنسبة كبيرة في سعر الصرف، كانت من نتائجه الكارثية إنخفاض مرعب في القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية، وعجزها عن شراء الإحتياجات اليومية لمعظم المواد الغذائية، بل إن الكثير منها “طار” عن موائدها في السنوات القليلة الماضية.
(موقع اخبار سورية الوطن-2)