السفير د. عبدالله الأشعل
فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على إيران كما أستصدرت قرارات من مجلس الأمن بفرض عقوبات مماثلة كما تشددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى التفتيش على المنشأت النووية الإيرانية .
والواقع أن الملف النووى ليس هو المطلوب وإنما لا تنسى الولايات المتحدة أن الثورة الإسلامية فى إيران هى التى تحدت واشنطن وأعلنت العداء لإسرائيل صراحة ورغم العقوبات السابقة على الملف النووى والعزلة الدولية الكاملة التى وضعت إيران فيها للقضاء أصلا على الثورة الإسلامية فى إيران فأن إيران أصبحت أكثر قوة وتماسكا وذلك بفضل صمودها وتجاوزها لمرحلة العقوبات الشاملة.
وقد دخلت إيران مع الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن بالأضافة إلى ألمانيا فى مفاوضات شاقة أنتهت بتوقيع اتفاق فيينا فى 15 يوليو 2015 وقد أعتبر الرئيس أوباما فى كلمته الوداعية فى عام 2016 أن هذا الاتفاق هو الانجاز الوحيد لادارته خلال ثمانى سنوات وهذه النقطة بالذات هى التى استفزت الرئيس ترامب فى اطار عدائه لاوباما والحزب الديمقراطى وكان الاتفاق يقضى بأن تمتنع إيران عن تطوير قدراتها النووية وعدم تحول هذه القدرات إلى سلاح عسكرى أرضاءا لإسرائيل والقبول بالتفتيش المفاجئ على منشآتها النووية بشكل مطلق مقابل أمر واحد وهو رفع العقوبات الدولية والأمريكية والأوروبية عنهاوهي أصلا غير قانونية. غير أن الرئيس ترامب الذى جاء إلى السلطة عام 2017 اتخذ قرارا بإنسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق واعادة فرض العقوبات على إيران مرة أخرى أرضاءا لإسرائيل التى رفضت الاتفاق ولا تطيق رؤية إيران على الخريطة بحجة أن إيران هددت بإزالتها من الخريطة فى تصريحات رسمية.
وقد حاولت واشنطن أن تعيد مرة أخرى عقوبات الأمم المتحدة على إيران ولكن رفضت الأمم المتحدة لأن تقارير الوكالة كانت تؤكد أحترام ايران لالتزاماتها فى هذا الاتفاق.
فهل استندت الأمم المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة على أساس قانونى يبرر لها فرض العقوبات على إيران؟!
لقد فرضت العقوبات أساسا لاعادة إيران إلى العصر الملكى وانهاء الثورة الإسلامية فيها ثم شددت هذه العقوبات لمنع إيران من حيازة السلاح النووى رغم أن إيران كانت طرفا فى اتفاقية منع الانتشار النووى عام 1968 وتخضع لتفتيش الوكالة الدورى وكانت العقوبات هدفها ردع إيران عن التفكير فى السلاح النووى وتحويل الاستخدام السلمى للطاقة النووية إلى الاستخدام العسكرى بينما إسرائيل لديها سلاح نووى وترفض الانضمام إلى اتفاقية منع الانتشار وفى نفس الوقت تجند أوروبا والولايات المتحدة لمعاقبة إيران كرادع لتفكيرها فى السلاح النووى.
والحق أن القانون الدولى لا يمنع حيازة الأسلحة النووية ولكنه يمنع أستخدام هذه الأسلحة بسبب أثارها التدميرية على الإنسان والبيئة وكان ذلك واضحا فى الحكم الذى أصدرته محكمة العدل الدولية فى قضية الأسلحة النووية وأتيح لها أن تفسراتفاقية منع الانتشار النووى بل تستطيع الدولة الطرف فى الاتفاقية أن تنسحب منها لمصالح قومية ليست مجبرة على الإعلان عنها وفقا للمادة العاشرة من الاتفاقية وقد فعلت ذلك كوريا الشمالية عندما انسحبت ثم عادت ثم انسحبت.
فإيران من حقها أن تطور الاستخدام السلمى إلى سلاح عسكرى ولكن إيران أعلنت أن الشريعة الإسلامية تحظر مثل هذا العمل وأنها ملتزمة بالشريعة الإسلامية ولكن عدم الثقة بين إيران والولايات المتحدة بسبب إسرائيل يجعل الشكوك متبادلة بين الطرفين.
ومعنى ذلك أن عقوبات الأمم المتحدة لا تستند إلى أساس قانونى بل تعد انتهاكا للميثاق وأنما استندت إلى تقدير سياسى بأن إيران تشكل بنشاطها المعادى لإسرائيل تهديدا للسلم والأمن الدولى وبناءا على هذه الفرضية تقررت العقوبات .
أما العقوبات الأوروبية والأمريكية فهى منفصلة عن عقوبات الأمم المتحدة ولذلك فأن الاتفاق النووى مع إيران هو الأساس القانونى لرفع العقوبات أما وأن القانون الدولى لا يجيز هذه العقوبات فأن الواضح أن العداء الأمريكى والأوروبى لإيران يرجع إلى طابع الثورة الاسلامية وسياساتها فى المنطقة بدليل أنه لو اعترفت إيران بإسرائيل الآن وأوقفت دعم المقاومة واقتسمت المنطقة العربية معها فإن إيران ستدخل دائرة الهيمنة الأمريكية وتنضم إلى الحكام العرب فى بيت الطاعة الأمريكى.
ولذلك أنصح إيران بما يلى
أولاً أن العداء الأمريكى الإسرائيلى الغربى لإيران سببه الثورة الإسلامية وليس الملف النووى وكل ما تريده إيران أن تكون دولةمستقلة وأن تكون طرفا فى موازين القوى التى تهيمن عليها أوروبا والولايات المتحدة فى المنطقة.
ثانياً تعد إسرائيل والولايات المتحدة الخطط للقضاء على قوة إيران ولذلك فأن أى تنازلات من جانب إيران هى مسكنات وقتية مادام الهدف الاستراتيجى أو ما أسماه أوباما الصبر الاستراتيجى يسعي فى النهاية الي تقويض القوة الإيرانية وتستطيع إيران أن تستيقن من هذه الحقيقة إذا قامت بمسح خلال الأربعين عاما الماضية لمجموعة التصرفات الإسرائيلية والأمريكية ضدها وكان أخرها تهديد وزير الدفاع الإسرائيلى بضرب إيران إذا ما أستمرت فى تطوير قدراتها النووية حتى رغم عدم توافق واشنطن معها .
ثالثاً أنصح إيران بتصعيد الموقف فى الملف النووى وذلك بالمضى قدما فى التحلل من التزاماته واسترداد حقها فى التخصيب وفى تطوير السلاح النووى لأن صدام حسين لو كان لديه سلاح نووى لما قامت أمريكا وبريطانيا بغزو العراق وهذه الحقيقة الذى وفرها البرادعى وبعثات التفتيش على القدرات الحربية العراقية وفق القرار 1441 الصادر من مجلس الأمن عام 2002 ولذلك أبلغ البرادعى مجلس الأمن فى الخامس من فبراير 2002 بأن العراق ليس لديه سلاح نووى وانبهر بعض السذج بهذا التقرير لولا أن واشنطن كانت تنتظر هذا التقرير الذى قدمه البرادعى شخصيا إلى الرئيس بوش فى البيت الأبيض لكى تبدأ واشنطن الغزو.
رابعاً أنصح إيران كذلك من الانسحاب من اتفاقية منع الانتشار النووى حتى لا يعد سلوكها النووى مخالفا للاتفاقية وحتى تتحرر من الرقابة والتفتيش من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية فنحن فى مجتمع دولى لا يعترف بالضعيف وينافق القوى.
خامساً أنصح إيران كذلك بأن تربط بقوة ووضوح بين ملفها النووى وملف إسرائيل فتعود إلى الاتفاق ومعاهدة منح الانتشار إذا كانت إسرئيل طرفا فيهما وألا فلا ولا تكترث إيران بالتهديد الإسرائيلى لأن إسرائيل لا تستطيع أن تنفذ هذا التهديد بغير مساندة واشنطن وهى فى هذه المرحلة لا تتطابق مصالحها ونظرتها مع إسرائيل .
وأعتقد أن القيادة الإيرانية واعية لهذه الحقائق.
وأخيرا تستطيع إيران أن ترفع دعوي أمام محكمة العدل الدوليةطعنا في القوبات ومطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 1/2/2021